آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
عبد الباري عطوان
عن الكاتب :
كاتب وصحفي سياسي فلسطيني رئيس تحرير صحيفة رأي اليوم

بطلان السيادة السعودية على “تيران” و”صنافير” يضع العاهل السعودي والرئيس السيسي أمام خيارات صعبة جدا..

 

عبد الباري عطوان ..

أطلقت المحكمة الإدارة المصرية العليا اليوم الاثنين “قذيفة قاتلة” على الاتفاق الذي يؤكد السيادة السعودية على جزيرتي “تيران” و”صنافير” في مدخل خليج العقبة، بإصدار حكم نهائي بإجماع قضاتها على بطلانه، وبقاء الجزيرتين تحت السيادة المصرية، الأمر الذي قد يغلق الباب بشكل “شبه نهائي” أمام أي وساطات لإعادة العلاقات بين البلدين إلى صورتها الطبيعية، ويضع الرئيس عبد الفتاح السيسي في مواجهة مع الشعب، أو قطاعات عريضة منه، إذا حاول تجاوز هذا الحكم القضائي الذي حظي بتأييد كبير.

 

لن ندخل في الجدل القانوني المشتعل حاليا بين المؤيدين لهذا الحكم، وهم الأغلبية، والمعارضين له، وهم الأقلية، فكل معسكر يملك وجهة نظر، والوثائق التي تؤيد مرفقه، وتعارض مواقف خصومه، وكل ما نستطيع قوله، إن الحكومتين السعودية والمصرية أوقعتا أنفسهما في مأزق قانوني وسياسي، عندما أظهر “قصور نظر” استراتيجي غير مسبوق، يكشف عن سوء تقدير للموقف، بفتح هذا الملف الشائك، وفي مثل هذا التوقيت، ودون تقدير العواقب التي يمكن أن تترتب على هذا المنزلق الخطير.

 

لا نعرف ماذا يضير المملكة العربية السعودية التي تملك عشرات الآلاف من الجزر في البحر الأحمر والخليج العربي التي لا تعرف مكانها، لو أنها أجلت بحث السيادة على هاتين الجزيرتين لبضع سنوات أخرى، حتى لو كانت تملك السيادة فعلا عليهما، فهما جزيرتان غير مأهولتين، وليس فيهما ذهب، وخضعتا للاحتلال الإسرائيلي لعشرات السنوات، وليس لهما أي قيمة سياحية، وهذا أيضا ينطبق بطريقة أو بأخرى على مصر، وهذا لا يعني أننا نقلل من حقها بالمطالبة بالسيادة على الجزيرتين أو أي جزر أخرى، ونحن مع التأجيل، ولسنا مع تأزيم العلاقات.

***

السعودية تخوض حاليا حرب استنزاف دموية في اليمن، وأخرى في سورية، وتعتبر الخطر الإيراني خطرا وجوديا يهددها، وتواجه إرهابا داخليا، وأزمة مالية واقتصادية دفعتها لاتخاذ إجراءات تقشف بدأت تخلق قلقا شعبيا، وانتقادات واسعة، فهل هذا هو الوقت المناسب للدخول في أزمة سياسية وقانونية مع الدولة العربية الأكبر التي لا غنى عنها وتأييدها في مواجهة هذه الأخطار مجتمعة أو منفردة؟

 

الرئيس السيسي تنازل عن هذه الجزر لأنه مأزوم ماليا، ويريد المليارات السعودية لإنقاذ اقتصاد بلاده المنهار، وحكمه بالتالي، أي أنه كان أسير الحاجة المالية، ولذلك تجاهل وجود شيء اسمه الشعب المصري، وقفز فوق حساسيته الخاصة جدا تجاه مسألة التنازل عن أي ارض مصرية، حتى لو كان لدولة شقيقة مثل السعودية، قدمت لخزينة بلاده قروض ومنح مالية تقترب من حاجز الخمسين مليار دولار.

 

الإنذار التي وجهته السلطات السعودية إلى الرئيس المصري بفرض عقوبات صارمة ضده وحكومته إذا لم يحسم أمره، ويعيد تسليم الجزيرتين للسيادة السعودية، وأمهلته ثلاثة أسابيع مثلما تفيد بعض التقارير الإخبارية، جاء متسرعا، ولم يكن موفقا على الإطلاق، واتسم بالتصعيد في الوقت غير الملائم.

 

الضغوط التي مورست على السلطات المصرية وتمثلت في تشكيل تحالف خليجي بوقف أي دعم مالي لها طالما لم تمتثل للشروط السعودية، وإيقاف المنحة النفطية التي تقدر بحوالي 700 ألف طن شهريا، ربما تؤلب الشارع المصري ليس ضد السعودية فقط، وإنما معظم الدولة الخليجية، وتدفع بالرئيس السيسي للارتماء في أحضان إيران ومعسكرها، الذي نقف السعودية ودول الخليج في الخندق المقابل له في الحرب السياسية والعسكرية المباشرة، أو بالنيابة المستعرة حاليا على أكثر من جبهة.

 

الحكومة المصرية أوفدت وزير نفطها السيد طارق الملا إلى العراق قبل أيام وعاد محملا بمليوني برميل نفط شهريا، ليس لتعويض المنحة النفطية السعودية فقط، وإنما بشروط أكثر يسرا، علاوة على توقيع اتفاق بتكرير النفط العراق في مصاف مصرية لسد احتياجات بغداد من المشتقات الأساسية مثل البنزين والمازوت وخلافه.

***

هناك عدة سيناريوهات مرجحة بعد صدور هذا الحكم:

 

الأول: أن تحترم الحكومة المصرية قرار المحكمة الإدارية العليا، وتلغي الاتفاق، وتتمسك بسيادتها على الجزيرتين، وتتحمل العواقب المترتبة على ذلك.

 

الثاني: أن تعارض هذا الحكم وتطعن به، وتذهب إلى مجلس النواب (البرلمان) لإقراره باعتباره الجهة المخولة دستوريا من وجهة نظرها للتعاطي مع مثل هذه الاتفاقات والمعاهدات، وما يرجح هذا الخيار إصدار “ائتلاف دعم مصر”، الذي يشكل الأغلبية في البرلمان، بيانا قال فيه إن الحكم لن يغير حقيقة اختصاص البرلمان بنظر المعاهدات والاتفاقات الدولية.. ولن يفرط بهذا الحق”.

 

الثالث: أن يستمر الرئيس السيسي في المماطلة ومحاولة كسب الوقت، والبحث عن وساطات خليجية لإصلاح العلاقة مع السعودية، أو تخفيض ضغوطها وإنذاراتها على الأقل.

 

الرابع: أن تتحلى الدولتان بالحكمة والعقل وتجمدان خلافاتهما حول الجزر في الوقت الراهن.

 

من الصعب علينا ترجيح أي سيناريو من بين تلك السيناريوهات الأربعة، ولكننا نفضل الأخير لمعرفتنا بالمخاطر التي يمكن أن تترتب على السيناريوهات الثلاثة الأخرى على الدولتين والمنطقة بأسرها.

 

الجزيرتان بالنسبة لنا ليست مصرية ولا سعودية، وإنما عربية، ولا يضيرنا تحت أي سيادة تكونان طالما إنها عربية، وما كنا نتمنى أن تصل الأمور بين البلدين الشقيقين إلى هذا الوضع المؤسف، وإذا تعذر التوصل إلى تسوية مقبولة من الجانبين، ما المانع من الذهاب إلى محكمة العدل الدولية وطرح الخلاف عليها، على غرار ما فعلت كل من قطر والبحرين، حول تنازع كل منهما على جزيرة حوار.

 

صحيفة رأي اليوم

أضيف بتاريخ :2017/01/17

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد