آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
عبد الباري عطوان
عن الكاتب :
كاتب وصحفي سياسي فلسطيني رئيس تحرير صحيفة رأي اليوم

الأردن في خطر.. وتحذير شيخ الحضرة الهاشمية لملوك وأمراء الخليج غير مسبوق

 

عبد الباري عطوان ..

عندما يلقي الشيخ أحمد هليل أمام الحضرة الهاشمية وقاضي قضاة الأردن خطبة نارية غير مسبوقة من على منبر مسجد الملك الراحل حسين بن طلال، ويحذر فيها ملوك وأمراء الحليج من انهيار البلاد، ويبكي مرتين، وهو الرجل الوقور أثناء هذا التحذير الذي قال فيه “حذار.. حذار.. من أن يضعف الأردن”، مضيفا “لقد بلغ السيل الزبى.. أخوانكم في الأردن ضاقت الأخطار حولهم واشتدت”، فإن هذا يعني أن هناك أمرا جللا.

 

هذا الخطاب يذكرنا بآخر مماثل ألقاه العاهل الأردني أمام قادة الدول العربية في القمة العربية التي انعقدت في بغداد في أيار (مايو) عام 1990، ووجه التحذير نفسه إلى السعودية والخليج، ووصفها بأنها “مدن الملح”، لأنها لم تستجب لنداءات الإغاثة التي وجهها قبلها طلبا المساعدة، وترددت أنباء في حينها أن الخزينة الأردنية كانت شبه خاوية، ولا يوجد فيها ما يكفي لتسديد رواتب موظفي الدولة إلا لمدة شهرين فقط.

 

دول الخليج والسعودية لم تستجب لخطاب العاهل الأردني الراحل، الذي يقال أن الدكتور خالد الكركي الذي كان رئيس الديون في حينها هو الذي صاغ عباراته القوية العاتبة على هذه الدول، لم تستجب مطلقا لما ورد فيه من تحذيرات، وبادر الرئيس العراقي صدام حسين بتقديم مساعدات مالية عاجلة للأردن، وكذلك لمنظمة التحرير الفلسطينية، وقال لي الرئيس ياسر عرفات إن الرئيس العراقي قدم للمنظمة 50 مليون دولار لدعم الانتفاضة، وعندها قال له الرئيس عرفات عندما قدم له الصك بالمبلغ، “يا فخامة الرئيس العراق يمر في ظروف مالية صعبة، والشعب الفلسطيني يقدر ذلك ولا يريد إضافة أعباء أخرى عليه”، رد الرئيس العراقي قائلا “يا ابا عمار ديون العراق تبلغ 50 مليار دولار حاليا، ولتصبح 50 مليارا وخمسين مليون دولار، كل شيء يهون من اجل قضية فلسطين وأهلها”.

 

***

التجاهل الخليجي لازمة العراق المالية أولا، وتورط دولا من بينها بإغراق الأسواق العالمية بكميات هائلة من النفط الزائد، قدرها خبراء بأكثر من مليوني برميل في حينها أدت إلى انخفاض أسعار النفط إلى أقل من عشرة دولارات للبرميل، وما حدث بعد ذلك بثلاثة أشهر قام الرئيس صدام حسين بغزو الكويت واحتلاله، وبقية القصة معروفة.

 

الحكومة الأردنية انتظرت حتى نهاية العام الماضي على أمل أن تجدد دول الخليج منحتها الخمسية، وتقدم للأردن خمسة مليارات دولار أخرى على مدى خمس سنوات، ولكن خاب هذا الأمل وأصبح الأردن يمر بظروف مالية صعبة، حيث بلغ الدين العام حوالي 37 مليار دولار، ووصل العجز في ميزانية العام الجديد حوالي 1.1 مليار دولار، مما دفع حكومة السيد هاني الملقي إلى فرض ضرائب تصاعدية على حوالي 95 سلعة في محاولة لسد هذا العجز جزئيا.

 

الضرائب الجديدة أثقلت كاهل المواطن الأردني، وأحدثت ارتفاعا كبيرا في الأسعار، انعكست على شكل احتجاجات، وإضرابات، واعتصامات، وحالة من الغضب في أوساط الضباط الكبار المتقاعدين، وفي بعض المحافظات الأردنية الجنوبية والشمالية التي تعتبر المخزون الأبرز للولاء للحكم الهاشمي، وهذا ما يفسر تحذير الشيخ هليل في خطبته “أن المظاهرات والمسيرات في الشارع الأردني قد تقود إلى دمار”.. مطالبا الأردنيين بالنظر إلى ما يحدث في العراق وسورية وليبيا بعد خروج الناس إلى الشوارع، مثلما حذر أيضا من سقوط المسجد الأقصى.

 

الأردن، ومثلما قال الشيخ هليل، كان سندا لدول الخليج، والمملكة العربية السعودية على وجه الخصوص، حيث حمى حدودها الغربية، ومنع أي تسلل إرهابي، أو تخريبي عبرها، ولا تستحق لمثل هذا الخذلان، وهي التي تلقت وعودا بضمها إلى مجلس التعاون الخليجي إلى جانب المغرب عندما بدأت ثورات “الربيع العربي” تهدد بالتمدد إلى دول هذا المجلس عام 2011، ولكنها تبخرت بعد زوال الخطر.

 

الدول الخليجية تتذرع بأوضاعها المالية الصعبة بسبب انخفاض أسعار النفط، وتراجع الاحتياطات المالية لبعض دولها، ولكن الأردن لا يطلب الكثير، حسب آراء بعض الخبراء، ورؤساء الوزراء السابقين.

 

في أزمة الأردن المالية عام 1990 انحاز العاهل الأردني الراحل الملك حسين إلى معسكر “الضد” الذي كان يعارض تدمير العراق بعد الغزو، ووقف إلى جانب الشعب العراقي أثناء الحصار الذي فرض عليه لحوالي 13 عاما، وأدى إلى مقتل مليون عراقي جوعا ومرضا.

***

السؤال الذي يطرح نفسه هو عن طبيعة رد العاهل الحالي، الملك عبد الله الثاني، إذا لم تعط مثل هذه التحذيرات أي نتيجة.. فهل سيذهب إلى إيران، ويتصالح مع النظام السوري، وينضم إلى معسكر “دول الممانعة”، ويفتح أبواب بلاده أمام السياحة الشيعية؟

 

مصر سارت على هذا الدرب، وذهبت إلى العراق لتعويض المنحة النفطية السعودية، وحصلت على مليوني برميل نفط شهريا، مليون لسد احتياجاتها، ومليون آخر لتكريره في مصافيها، وإعادة تصديره إلى العراق وبأرباح تغطي قيمة المليون الأول الخاص بها، فهل يوفد العاهل الأردني رئيس وزرائه إلى العراق، لطرق البوابة الإيرانية؟

 

لا نملك أي جواب.. ولكن وضع الأردن المالي المتأزم، وتملل الشارع قد يدفع بالحكومة الأردنية في هذا الاتجاه، تماما مثلما فعل الملك حسين قبل 27 عاما، فقط طفح الكيل فيما يبدو، وتجاوز الصبر حدوده.. والملك عبد الله الثاني أعلم!

 

صحيفة رأي اليوم

أضيف بتاريخ :2017/01/22

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد