آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
خالد عبدالرحيم المعينا
عن الكاتب :
خالد عبد الرحيم المعينا صحفي سعودي وكاتب ومستشار في العلاقات العامة

السلوك المهذب لا يكلف كثيرا

 

خالد المعينا ..

كتبت كثيرا باللغتين العربية والإنجليزية “حتى بح صوتي” عن انتفاء اللياقة والسلوك الحضاري المتمدن من حياتنا اليومية، والأمثلة على ذلك كثيرة لا تحصى ولا تعد.

 

وما جعلني أعود إلى هذا الموضوع مجددا اليوم هو حادثة رأيتها بأم عيني أمس حيث أوقف سائق سيارته في منتصف الطريق، وعندما طلب منه أحد العمال من الشركة التي تقوم بإصلاح الطريق أن يبعد سيارته قليلا حتى لا تعيق أعمال الإصلاح ما كان من ذلك الرجل إلا أن كال السباب والشتائم على العامل الذي طلب منه بكل أدب واحترام أن يبعد سيارته لمسافة عشرة أمتار على الأكثر.

 

ولم يكن الأمر يحتاج إلى كل الانفعال والخروج عن اللياقة من طرف السائق المتهور، لكنه عدم التهذيب الذي أصبح مميزا لبعض الناس في مجتمعنا، وما كان من أمر العامل المسكين إلا أن هز رأسه تعجبا وذهب مبتعدا حتى لا يتطور الأمر إلى ما لا يحمد عقباه.

 

هذه الحادثة أعادت إلى ذهني كثيرا من الحوادث المشابهة التي غاب فيها السلوك المهذب والكلمة الطيبة.

 

وإلى جانب ما شهدته شخصيا، فقد تسلمت رسائل كثيرة عن مثل هذا السلوك، سواء في الشارع أو الأسواق أو الأماكن العامة، كما اشتكى كثير من العاملين في الشركات والمؤسسات من طريقة تعامل أصحابها معهم.

 

وكتب أحد القراء متسائلا: هل نتلقى مثل هذه المعاملة لأننا أجانب أم هناك أسباب أخرى؟ وكانت إجابتي له بأن الأمر ليس كذلك، وكون الإنسان أجنبيا لا يستدعي التعامل معه بقسوة أو بقلة أدب، وأن الوقاحة والسلوك المسيء لا يميزان بين شخص وآخر، فعندما يفتقد الإنسان إلى التهذيب ويفتقر إلى الكلمة الطيبة فإن سلوكه يكون مشينا مع كل الناس، والمسألة في رمتها تعتمد على التربية والبيئة التي ينشأ فيها الإنسان، فعدم التهذيب في التعامل ليس له علاقة بالمنصب أو السلطة أو المعتقد الديني، ولكنه ينبع من داخل الإنسان نفسه وطبيعته وأخلاقه.

 

ويقوم السلوك المهذب على عاطفة الإنسان ونبل أخلاقه واهتمامه بالآخرين ورغبته في التعامل معهم مثلما يريد هو أن يعاملوه.

 

ولست من السذاجة بأن أصدق بأننا نستطيع أن نمحو بجرة قلم هذا السلوك السلبي من مجتمعنا، فضغوط الحياة اليومية المتصاعدة تسبب للكثيرين منا توترا شديدا يجعلهم يخرجون عن طورهم ويترجمون هذا التوتر إلى سلوك سيئ مع الآخرين، خاصة الأقل شأنا منا، سواء كانوا مواطنين أو مقيمين.

 

يبقى من الواجب علينا ألا نصيح فيمن هم أقل شأنا منا، وألا نعاملهم بغطرسة وتعال، لكن بالحكمة، والمنطق، والتعقل والابتسامة التي لا تكلف شيئا.

 

وقد لا تنفع هذه الأشياء في كل مرة، لكنها على الأقل ستمنع تطور الموقف إلى ما لا يحمد عقباه.

 

وحدثني بائع تذاكر في الخطوط السعودية أن عميلا احتد معه وتلفظ عليه بألفاظ مسيئة وهدده قائلا “أنت لا تعرف من أنا، إذ يمكنني أن أنقلك من مكانك هذا في ثوان معدودة”، وقال لي بائع التذاكر “إذا لم أكن موظفا منضبطا ومسؤولا لكنت لقنت هذا العميل درسا لن ينساه وكسرت له فكه، لأن إساءاته تعدت الحدود وأصبحت شخصية”.

 

وأضاف: لقد تمالكت نفسي وصبرت على الإهانات وبلعت كبريائي حتى لا أخرج عن وقاري، خاصة أن ما كان العميل يطلبه خارج عن إطار الأنظمة والقوانين.

 

وقلت لهذا الموظف المهذب “لقد كان جميلا أن تماسكت ولم ترد على الإهانات بمثلها، لأن العواقب كانت ستكون وخيمة عليك وعليه”.

 

وعليه فإنني أنصح كل من يتعرض لمثل هذه المواقف أو يضطر إلى التعامل مع مثل هذه النوعيات من البشر أن يضبط أعصابه ويتمالك نفسه وأن يلوذ بحكمة الصمت، وأن يتفادى تطور المواقف قدر الإمكان حتى لا يضر بنفسه وبالآخرين.

 

إن الكلمة الطيبة لا تكلف شيئا، والسلوك المهذب لا يعني الضعف أو الاستسلام، لكنه قد يكون حلا لكثير من المشاكل التي قد تنشأ وتتطور.

 

وأخيرا فالكلمة الطيبة صدقة كما علمنا رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم، والسلوك المهذب غنيمة لن يندم صاحبها.

 

صحيفة مكة

أضيف بتاريخ :2017/01/27

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد