آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
صالح الديواني
عن الكاتب :
كاتب سعودي مهتم بالشأن الفكري

باب ما جاء في العقل وأثره

 

صالح الديواني ..

العقل هو مصطلح يستعمل، عادة، لوصف الوظائف العليا للدماغ البشري، وخاصة تلك الوظائف التي يكون فيها الإنسان واعيا بشكل شخصي مثل، الشخصية، التفكير، الجدل، الذاكرة، الذكاء، التحليل وحتى الانفعال العاطفي يعدها البعض ضمن وظائف العقل. ورغم وجود فصائل حيوانية أخرى تمتلك بعض الخواص العقلية، إلا أن مصطلح العقل عادة يقصد به المتعلق بالبشر فقط. كما أنه يستعمل أحيانا لوصف قوى خارقة، غير بشرية، أو ما وراء الطبيعة.

كما وردت لفظة عقل في المعجم الوسيط، وبعدة تصريفات منها: عاقلة، عقال، عاقول، عقول، وغيرها. ومن المعاني الواردة، قولهم: عقل عقلاً: أي أدرك الأشياء على حقيقتها، والغلام أدرك وميز، ويقال: ما فعلت هذا منذ عقلت، والعاقل هو الشخص المدرك. ومن المعاني، أن العقل هو ما يقابل الغريزة، التي لا اختيار لها. ومنه قولهم: الإنسان حيوان عاقل. ومنها ما يكون به التفكير والاستدلال، وتركيب التصورات والتصديقات. كما أن من المعاني الواردة حول موضوع العقل، أنه ما يتميز به الحسن من القبيح، والخير من الشر، والحق من الباطل. كل ذلك البحث عن تعريف العقل جاء من المنظور الفلسفي، والجدليات المتعلقة باستكشاف المجهول في الطبيعة، التي تعتبر الأم الرئيسية للفلسفة، إذ تبحث تلك الجدليات عن كشف أسرار الأشياء والحوادث التي لا تجد طريقا لتبرير حدوث مشكل مباشر عند الإنسان. فإن تم تعطيل العقل، تم تعطيل الإنسان بالكامل، وتحول إلى مخلوق حيواني صرف، لن يكون مؤثرا في أي من جزئيات هذه الحياة.

أتذكر من جماليات استخدام العقل لفهم وحل لغز الميتافيزيقي وتفسير الظواهر، اختلاف الفيلسوفين الألمانيين (هيجل) الذي صبغ النصف الأول من القرن التاسع عشر بفكره الفلسفي، الذي طرح النظرية الجدلية للتاريخ، مع (كانت) في مقدرة أي من العالمين اللذين اهتم الإنسان بهما (العالم الظاهر- العالم الخفي)، يمكنه الحضور في تفاصيل الآخر، إذ قسم (كانت) العالم إلى عالم نوميني (ميتافيزيقي)، وعالم ظاهري وجودي، وقال باستحالة انتقال الوجودي الظاهري إلى النوميني وتجاوز الجدار الفاصل بينهما، بينما جاء هيجل ليعكس الأمر، قائلاً بعدم مقدرة العالم الظاهراتي في الحضور داخل تفاصيل العالم الماورائي الميتافيزيقي، وهنا نلاحظ أن هيجل نقل الفكر الفلسفي من الدوران في حلقة الميتافيزيقي ونظرية المعرفة، إلى العالم المادي الوجودي، وهو ما سار على نهجه كارل ماركس لاحقاً، في تشكيله لمذهب الماركسية المرتبطة بالوجودية أكثر. ليتحول بحث الفلسفة إلى محاولات جادة لفهم المعنى البشري، والغوص في معنى وطبيعة الإنسان، وجعل الإنسان هو محور البحث الأول، بل ويجب أن يكون المعني الأول في كل أطروحات العلوم الإنسانية على اختلافها وتنوعها، وليس التهويمات المختبئة خلف ستار الأطروحات الماورائية (الميتافيزيقية) عند كثير من معتقدات وشعوب العالم.

هذا الطرح الفلسفي الجديد في الواقع، أفضى إلى تكوين منحى فلسفي جديد، يتأمل في منطقية بنية وتركيب النظام المتحكم في الحياة الإنسانية، والذي اعتاد أن يتبعه دون أن يتحقق من ماهيته أو مصدره أو مصداقيته أو جدواه وفعاليته التاريخية لمصلحة الوجود الإنساني.! ليقلب ذلك رأساً على عقب، كل المنطلقات الفكرية الفلسفية القديمة المستمدة من صلب الفكرة الدينية وأبعادها، والتي تقول وتؤيد سيطرة النظام الجاهز على الواقع والوقائع. ليستبدل المنحى الفلسفي الجديد تلك الفكرة الفلسفية العتيقة، بأخرى ترى دعم المنطق في أن يخلق الواقع والوقائع شكل النظام وأسسه وبنيته وليس العكس، أي أن تكون الوقائع وواقعها السبب الرئيسي في بناء وصنع النظام، وأرى أن هذا التفكير الفلسفي هو قمة المنطق الذي تحتاج إليه البشرية، لفهم واقعها وخلق مستقبلها والتأمل في الغيب بعقلانية أكثر.

وهو ما أحدث كل التغيرات الجذرية المبهرة في حياة العالم الغربي، وما يعيشه اليوم واقعاً على كل المستويات دون استثناء، وهذا التحريك للعقل –من وجهة نظري- هو ما تحتاجه الإنسانية لتستمر في قطع المسافات إلى مستقبل البشرية، وتكوين القيم الأخلاقية في بعدها الإنساني.
 
صحيفة الوطن أون لاين

أضيف بتاريخ :2017/02/09

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد