آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
سعيد السريحي
عن الكاتب :
أديب وناقد سعودي

سماسرة الديات و«فرك الخشوم»


سعيد السريحي ..
لا تقف الرغبة في الثراء الفاحش والكسب السريع وحدها وراء ما تم التطرق له في هذه الزاوية يوم أمس من تنامي ظاهرة المبالغة في الديات حتى بلغت عشرات الملايين، لا تقف هذه الرغبة وحدها وراء ذلك، بل هناك رغبة أخرى لا تقل خطرا وتأثيرا على المجتمع، وتتمثل في رغبة أصحاب الدم أو أهل القتيل إذلال من يعتبرونهم خصوما لهم، أي أهل القاتل وقبيلته و«فركة خشم»، لهم كما يعبر الغارقون في بداوتهم والذين لم تستطع 100 عام من التعليم والتنمية إخراجهم منها فباتوا يسكنون القصور ويرتادون الجامعات ويجوبون العواصم وهم لا يزالون يحملون في صدورهم عقيدة الثأر، الثأر الذي تحول من قتل القاتل أو واحد من قبيلته سدادا في قتيلهم إلى إذلال القاتل وجميع قبيلته بطلب هذه الديات المبالغ فيها.

وتصديقا لما نراه على هذا النحو ما نلاحظه من أن ظاهرة المبالغة في طلب الديات لا تكاد توجد إلا في الأوساط القبلية، ولا نكاد نجد لهذه الظاهرة أثرا في البيئات الحضرية، رغم أن جرائم القتل لا تخلو منها الأوساط الحضرية ومع ذلك لم نسمع قط بمطالبة بديات فاحشة في هذه الأوساط المتحضرة.

«فركة الخشم» والرغبة في الانتقام الجماعي من أهل وقبيلة القاتل تبدو واضحة ومتحققة بتحويلهم إلى جماعة «تستجدي» ما حولها ومن حولها من أجل تأمين مبلغ الدية، وتلجأ إلى كل من تستطيع أن تلجأ إليه لكي يعينها على تحقيق ذلك، بينما أصحاب الدم يتلذذون بذلك كله ويلوّحون لهم بسوط تنفيذ القصاص فيما لو حل الموعد الذي ضربوه وانتهت المدة التي منحوها لهم لجمع الدية.

وإذا ما علمنا ذلك أدركنا كيف يمكن لهذه المبالغة في طلب الديات أن تبث الفرقة في المجتمع، وأن تنمي في أوساطه مشاعر الحقد والكراهية بين جماعات راغبة في الانتقام الجماعي وجماعات اتخذت جريمة واحد منهم سبيلا لإذلالهم، وإذا لم يتم التصدي لهذه الظاهرة فسوف نبقى شعبا يعيش بعقلية الثأر حتى وإن تخرج أبناؤه من أكبر الجامعات وتسابقوا على مصائف كان ونيس.
 
صحيفة عكاظ

أضيف بتاريخ :2017/03/06

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد