آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
عبد الباري عطوان
عن الكاتب :
كاتب وصحفي سياسي فلسطيني رئيس تحرير صحيفة رأي اليوم

تفجيرا دمشق الانتحاريان هل سيوفران الغطاء والذريعة لهجوم دموي شامل لاستعادة أدلب

 

عبد الباري عطوان ..

نجزم بأن الغالبية الساحقة من السوريين لم يتوقعوا وبعد ست سنوات على انطلاق “ثورتهم”، أن الأوضاع في بلادهم ستكون على هذه الدرجة من السوء مثلما هي عليه الآن ابتداء من سفك للدماء وتهجير نصف الشعب، وتدمير معظم المدن الرئيسية، وفوق هذا وذاك بقاء النظام واستمراره في الحكم.

الشعب السوري تعرض لخديعة كبرى عندما سوقت له دول عربية وغربية سيناريوهات كاذبة مضللة، استخدمت العامل الطائفي كعنصر تحريض وتمزيق واقصاء، وضخت مليارات الدولارات، وآلاف الأطنان من الأسلحة والمعدات العسكرية من أجل الهدف الحقيقي، وهو تفتيت سورية، وتحويلها إلى دولة فاشلة، وحل جيشها الذي خاض أربع حروب ضد المشروع الإسرائيلي، تماما مثلما حدث للعراق وليبيا واليمن.

نحن لا نبريء النظام من أي أخطاء، والرئيس السوري بشار الأسد أعترف ببعضها، وقال إنه يتحمل مسؤولية بعض الممارسات القمعية، وقتل سوريين، وأكدت السيدة بثينة شعبان، مستشارته في بداية الأزمة عن نية حكومتها إدخال صلاحيات سياسية جذرية، بما في ذلك انتخابات حرة ودستور جديد، واحترام حقوق الإنسان، وإطلاق الحريات، وإنهاء دولة الحزب الواحد، ولكن المؤامرة كانت أقوى من الجميع لأن دولا عظمى كانت تقف خلفها، بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية، ومساعدة دول إقليمية تملك المال بل الكثير منه، واعتقدت أن المهمة ستكون سهلة، ونتائجها سريعة.

ومن المفارقة أن معظم فصائل المعارضة المسلحة لم تعترف مطلقا بأخطائها، ومسؤوليتها عن قتل أي سوري، ولم تجر أي مراجعات سياسية أو عسكرية، وكأنها منزهة من أي أخطاء وهي التي قالت إنها أشعلت فتيل الثورة من أجل القضاء على الحكم الديكتاتوري، وإقامة البديل الديمقراطي الشفاف.
***
التفجيرات التي هزت دمشق اليوم، واستهدفت قصر العدل (32 قتيلا ومئة جريح)، أو مطعما في منطقة الرابية (25 جريحا)، وتزامنت مع دخول “الثورة” السورية عامها السابع، ستعيد تذكير الملايين من السوريين بالنهاية المفجعة التي وصلت إليها أحوال بلادهم، والانتكاسة التي تعرضت لها آمالهم في وصول قريب إلى بر الأمان، والاستقرار وحقن الدماء.

من الصعب القول إن هذه التفجيرات ستسقط النظام، وإلا لنجحت نظيراتها في العراق، ولكنها قطعا ستوجه رسالة على درجة كبيرة من الخطورة إلى السوريين، تقول مفرداتها أن الأمن والاستقرار مازال بعيدا، وأن أعمال سفك الدماء مستمرة، ولكن من خلال عمليات إرهابية “نوعية” تستهدف المدنيين بالدرجة الأولى على غرار ما حصل، ويحصل في العراق.

الذين تمزقت أجسادهم بمتفجرات الحزام الناسف الذي تزنر به الانتحاري منفذ العملية، لم يكونوا من جنود الجيش السوري، ولا أعضاء في الأجهزة الأمنية القمعية، وإنما من المواطنين الذين ذهبوا إلى قصر العدل لمتابعة معاملاتهم، وقضاياهم القانونية، ومن بينهم قضاة ومحامون أيضا، والغالبية الساحقة منهم من أبناء الطائفية السنية، ونعتذر مسبقا عن استخدام هذه العبارة الطائفية التي نمقتها، ولكن كان لزاما علينا استخدامها للرد على أصحاب المشروع الطائفي التقسيمي الذي يريده البعض لسورية، ويقاتل من أجل فرضه.

من يقف خلف هذه التفجيرات، يريد نقل حمامات سفك الدماء إلى العاصمة دمشق، لزعزعة استقرار النظام، وهز الثقة به، تعويضا عن خسارة حلب، وبتحريض من قوى إقليمية ودولية تشعر بالمرارة لهزيمة مشروعها الذي يتمحور حول هدف إسقاط النظام، واستنزاف الجيش السوري، وانقلابه على قيادته.

السلطات السورية التي حافظت على العاصمة آمنة، وواحة من الاستقرار في محيط سوري ملتهب ستنزعج حتما من هذه التفجيرات، خاصة أنها تزايدت بشكل ملحوظ في الأيام القليلة الماضية، وهذا أمر متوقع من أي حكومة في مكانها تضع الحفاظ على الأمن في عاصمتها على رأس قمة أولوياتها.

ما لا يدركه الذين يؤيدون هذه التفجيرات، ويحتفلون بسقوط ضحاياها من الأبرياء، أنها ربما تعطي نتائج عكسية تماما، لأنها ستحرمهم، بطريقة أو بأخرى، من ورقتهم القوية التي كانوا يستخدمونها بفاعلية، وتأثير كبير، ضد النظام وبراميله المتفجرة التي كانت تحصد أرواح الأبرياء طوال السنوات الماضية شكلت العصب الرئيسي في حملاتهم الإعلامية، فهم، أو بعضهم بات يتساوى معه، أو يتبع الأساليب التي كانوا يدينونها، ويشهرون بها، مع تسليمنا بوجود فوارق في المقارنة.

هذه التفجيرات ربما توفر الغطاء المطلوب لهجوم دموي بات وشيكا على مدينة إدلب، حيث تتجمع الفصائل والمنظمات التي تقف أو تتعاطف مع التفجيرات، و”هيئة تحرير الشام”، أو “النصرة” سابقا، التي أعلنت مسؤوليتها عن الهجوم الذي استهدف زوارا عراقيين شيعة في أحياء دمشق القديمة، مما أدى إلى مقتل 75 منهم، وإصابة مئتين آخرين.

الدول التي حرضت على نقل المعركة إلى المناطق السورية الآمنة، من خلال تنفيذ عمليات انتحارية، ووظفت آلتها الإعلامية الجبارة في هذا الخصوص، ستواجه في يوم ما تهمة الإرهاب، ودفع ثمن مواقفها هذه من خزائنها أو أمنها واستقرارها أيضا، وعلينا أن نتذكر أن قانون “جيستا” لمحاكمة الدول الراعية للإرهاب صدر بعد 15 عاما من تفجيرات الحادي عشر من سبتمبر.
***
سورية بدأت تقترب من الحل السياسي، ووقف شامل لإطلاق النار، وحقن نهائي لسفك الدماء، بضمانات قوى دولية وإقليمية عظمى، ولكن الذين يقفون خلف الفتنة في سورية والعراق وليبيا واليمن، لا يريدون هذا الحل، مثلما يعارضون أي حوار بين السوريين أنفسهم، ولهذا لجأوا إلى هذه التفجيرات الانتحارية، ودعموا أصحابها، وعرقلوا ذهاب ممثلي المعارضة المسلحة إلى مفاوضات آستانة في جوبتها الأخيرة.

الشعب السوري الذي تشرد نصفه، وفقد حوالي 350 ألفا من خيرة أبنائه، وبات يبكي دمار مدنه ووحدته الوطنية والديمغرافية، لا نعتقد أنه سيؤيد مثل هذه التفجيرات الدموية، أيا كانت طائفته أو مذهبه، ويتطلع إلى نهاية سريعة للازمة، وتحقيق المصالحة الوطنية على أرضية العدالة والديمقراطية والمساواة والحكم الرشيد، وبما يعيد التعايش والتسامح بصورة أفضل بعيدا عن التهميش والإقصاء، لأن هذا الشعب استخلص العبر من السنوات الدموية الست، وبات يميز بين العدو والشقيق، وبات يدرك إبعاد المؤامرة التي استهدفت بلده، وأوصلتها إلى ما وصلت إليه من قتل ودمار.

تفجيرات دمشق السابقة والحالية، وربما القادمة أيضا، تشكل نقطة تحول رئيسية في الأزمة السورية، وجرس إنذار للشعب والحكومة السورية والمعارضة أيضا، بالنظر إلى التبعات التي ستترتب عليها في المستقبل المنظور.. والأيام بيننا.

صحيفة رأي اليوم

أضيف بتاريخ :2017/03/15

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد