آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
صالح الديواني
عن الكاتب :
كاتب سعودي مهتم بالشأن الفكري

أمية جديدة لجيل جديد


صالح الديواني ..

ارتفاع نسبة الأسئلة ليس دليلا على تسارع طلب المعرفة ونموها، بقدر ما هو دليل على انخفاض نسبة الإلمام المعرفي والنوعية والاحتياج. كما لا يعني انخفاض نسبة التساؤلات الوصول إلى مراحل متقدمة لمستوى الإلمام معرفيا

في الوقت الذي تسعى فيه المجتمعات الإنسانية جاهدة لسبر أغوار علامات الاستفهام التي تضج بها جنبات عقول أبنائها، من خلال البحث الدائم عن المعرفة التي كانت ولا تزال الهاجس العظيم للإنسان. وعلى الرغم من تطور العلم، وتطور طرق التعليم والمعرفة، وتوفر الوسائل التقنية الكثيرة التي سهلت للجميع طريق الحصول على المعلومة بسرعة هائلة جدا، إلا أن الناظر عن كثب سيجد أن المجتمع العربي بات على مشارف (أمية جديدة) تتخفى خلف بريق الشكلانية، وقد بدأت تطل بوجهها القبيح، وبشكل خطير ومحير. وتصدمك حقيقة أن نسبة الشباب من الجنسين، الذين لا يتمتعون بفارق معرفي ثقافي جيد، على مستوى الثقافة الدينية أو اللغوية أو المعلومات العامة، قد بلغت نسبة نستطيع وصفها بالمخيفة. وهو الأمر الذي يتناقض تماما وبشكل قطعي مع مفهوم التطور التعليمي ووسائله، والتراكم المعرفي، كمّاً ونوعا. فارتفاع نسبة الأسئلة ليس دليلا على تسارع طلب المعرفة ونموها، بقدر ما هو دليل على انخفاض نسبة الإلمام المعرفي والنوعية والاحتياج. ومن جهة أخرى لا يعني انخفاض نسبة التساؤلات الوصول لمراحل متقدمة على مستوى الإلمام معرفيا كمّاً ونوعا واحتياجا أيضا.

إذ إننا نرى وبشكل غير مسبوق، من يلجأ إلى طلب المعونة المعرفية والمعلوماتية ممن يعتقد بأنهم يملكونها في مختلف النواحي المعرفية التي ترتبط بالمزاولة الحياتية اليومية، وكأبسط الأمثلة على تلك الأمية الجديدة الجهل بأحكام الدين فيما يتعلق بالمسائل الصغيرة المتعلقة ببعض الأمور الشخصية أو العامة، والتي يفترض أنه من البديهي جدا الإلمام بحكمها، إذ إنها ليست من ذلك النوع الذي ربما تقع معه في الشبهات. وذلك مستغرب على مجتمع يفترض أنه ديني الصبغة والطابع. وربما كان لفقده الثقة في ثقافته وقدراته ووعيه إلى حد بعيد وغريب، دور في عدم استشفافه البديهي من الأمور المتعلقة بالدين. ويكفي أن تمرر جهاز التحكم عن بعد (الريموت كنترول) على قنوات التلفاز لتتعرف على مقدار النسبة الاستفزازية، والذي بلغته تلك الأمية الجديدة من خلال نوعية الأسئلة التي تطرح من قبل جمهور المشاهدين وبكل سذاجة أحيانا. فتخيل أن يسأل أحدهم عن حكم لبس (القبوع) غطاء الرأس، وهل لبسها جائز أم لا.؟! أو تستمع إلى متصلة تسأل عن حكم لبس المستورد من الملابس!! ويكفي أن تقوم بجولة على بعض مواقع الشبكة العنكبوتية، لترى الحالة المزرية للأخطاء الإملائية واللغوية وسوء التعبير الذي سيصيبك بالغثيان، وتولي هاربا برأسك، مرددا لا حول ولا قوة إلا بالله، وحسبنا الله ونعم الوكيل على هذه المحرجات والنتائج التعليمية.

يرى الأديب الشاعر محمد زايد الألمعي أن ذلك نتيجة طبيعية في قوله «إن ظهور تقنيات جديدة كالتلفزيون، والهاتف، والهاتف المحمول على سبيل المثال لا الحصر، قد ساهمت ربما بشكل كبير في استحداث هذه الأمية الجديدة. نتيجة استخدامنا لها بطريقة خاطئة في أحايين كثيرة».

لكننا لا نستطيع على أية حال إلقاء اللوم كلية على وسائل التقنية الحديثة التي لم نحسن نحن ترويضها والتعامل معها بالشكل السليم، ومسؤولية أدائها أو نتائجها، فذلك ليس هو المخرج الصحيح للإجابة عن المأزق أو القضية التي نحن بصددها. وبالمقابل علينا الاعتراف بأن التقنية الحديثة قد أسهمت بشكل ما في بناء تبلد ذهني كبير، نحن نتحمل مسؤوليته باقتدار، وقد يعود على ثقافتنا المعرفية والعلمية والكتابية بالعواقب الوخيمة مستقبلا، وذلك يجعلنا نسير عكس المنطق والزمن. فتغليب الحالة السمعية، وحالة المشافهة في تلقينا المعلومة، على حالات الكتابة والتدوين والقراءة، سيؤثر على قوة رسوخ المعلومة المكتسبة، وذلك من شأنه العودة بنا إلى الوراء كثيرا، وكأنما نحن نستحدث نوعا جديدا من الأمية تعتمد النقل السماعي طريقة لها، وهو ما كان عليه العرب قديما قبل عصر الكتابة والتدوين، وأدى إلى ظهور فجوات عميقة، تمثلت في فقد ذاكرة الثقافة العربية للكثير من الموروث الإنساني للعرب، وهذه أمية جديدة لا علاقة لها مطلقا بمفهوم الحقيقة التراكمية العلمية والمعرفية طويلة الأجل، ولا تتقاطع معها في شيء، أو مع منطق التقدم والتطور الحضاريين، وهو الأمر الذي سيؤدي حتما إلى إحداث تآكل مستمر في جدار الثقافة المعرفية القرائية والكتابية التي كانت ولا تزال نموذجا ملهما وحافظا لكل الحضارات الإنسانية على مر التاريخ والعصور، وكأننا لم نستفد من حوادث التاريخ.

وربما كان اختلال السلوك الطبيعي لمعادلة التراكم والنمو والاحتياج، قد أدى إلى تغييب وتعطيل شريحة مهمة من أفراد المجتمع لها قوتها، عن أداء واجبها الإنساني تجاه نفسها ومجتمعها وإلى حدٍّ بعيد، نتيجة تخليها بطريقة قد لا تبدو متعمدة عن التوق الدائم للحصول على المعرفة من خلال القراءة والكتابة، وهما محوران أساسيان للتطور والتقدم العلمي والمعرفي، واستشراق مستقبل أفضل.

صحيفة الوطن أون لاين

أضيف بتاريخ :2017/04/06

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد