آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
عبد الباري عطوان
عن الكاتب :
كاتب وصحفي سياسي فلسطيني رئيس تحرير صحيفة رأي اليوم

ترامب يفكر بعمل عسكري للرد على مجزرة “خان شيخون”..


عبد الباري عطوان ..

عندما يبلغ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أعضاء الكونغرس الأمريكي أنه يفكر بعمل عسكري ضد سورية، ويصف مجزرة “خان شيخون” الكيميائية التي راح ضحيتها مئة شخص بينهم 30 طفلا بأنها “إهانة مروعة للإنسانية”، وتؤكد نيكي هيلي مندوبته الدائمة في الأمم المتحدة “أن الإخفاق المتواصل لمجلس الأمن الدولي إزاء سورية سيجبرنا على التحرك بشكل منفرد”، فإنها كلها مؤشرات تذكرنا بأزمة أسلحة كيميائية استخدمت عام 2013، وكادت أن تؤدي إلى مواجهة عسكرية، أو بالأحرى حرب عالمية ثالثة بين أمريكا وروسيا جرى تجاوزها في اللحظات الأخيرة، ولكن من الصعب التنبؤ بأن الأزمة الحالية يمكن أن تنتهي النهاية نفسها، أو ما يشابهها، بعد وصول الرئيس ترامب إلى البيت الأبيض، فهذا الرئيس مزاجي متقلب وكل شيء متوقع منه.

المجزرة كانت مروعة فعلا، ومن أقدم عليها “مجرم حرب”، ولكن الأمر يتطلب أجراء تحقيق أممي شفاف ونزيه ومحايد لتحديد هويته، خاصة أن الساحة السورية تعيش حالة من الفوضى الدموية، وهناك العديد من الجماعات ذات ارتباط خارجي، ومعادية للجماعات المعارضة “المعتدلة” والنظام معا، وتعمل وفق أجندات خارجية، من مصلحتها وداعميها تخريب أي اتفاقات لوقف إطلاق النار ومنع الحل السياسي، ونشر الفوضى الدموية.
***
الرواية الرسمية السورية تعترف ان طائرات سورية قصفت مخزنا للأسلحة تابعا لجبهة “النصرة” في “خان شيخون” تبين لاحقا أنه يضم أسلحة كيماوية، وهي رواية أكدها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي قال أيضا أنه يدعم الرئيس بشار الأسد، وهددت حكومته باستخدام “الفيتو” ضد مشروع قرار في مجلس الأمن يدين النظام السوري، الأمر الذي أدى بأمريكا وبريطانيا وفرنسا التي تقدمت به إلى سحبه.

المعارضة السورية ترفض هذه الرواية، وتؤكد أن الطائرات السورية قصفت البلدة التي تقع تحت سيطرة جبهة “النصرة” بأسلحة كيماوية، وتجرم النظام، وتحمله المسؤولية، وتطالب بإسقاطه، ويتبنى هذا الموقف دول مثل بريطانيا وفرنسا وألمانيا وتركيا، علاوة على الولايات المتحدة.

السيد وليد المعلم، وزير الخارجية السوري، الذي لا يظهر في مؤتمرات صحافية إلا في الأزمات الخطيرة جدا، أكد اليوم الخميس “أن الجيش العربي السوري لم ولن يستخدم أسلحة كيميائية ليس ضد شعبنا وأطفالنا فقط، وإنما ضد الإرهابيين الذين يستهدفون شعبنا أيضا”.

السيناتور الأمريكي توماس ميسي كان من الأصوات الأمريكية “النشاز″، عندما شكك في مقابلة مع محطة “سي ان ان” في تورط الرئيس السوري في الهجوم الكيميائي، وقال “من الصعب أن تعرف ما يحصل في سورية حاليا، وأريد أن أعرف بالضبط كيفية إطلاق المادة الكيميائية”، وأضاف “بصراحة لا اعتقد أن الأسد أقدم على ذلك لأن هذا الأمر لا يصب في مصلحته، بل قد يجره أعمق إلى أتون الحرب الأهلية”، وأعرب عن اعتقاده بصحة الرواية الرسمية حول قصف مخزن للأسلحة الكيميائية.

السؤال الذي يتردد حاليا في أذهان الكثيرين، ونحن منهم، هو حول كيفية ونوعية أي رد أمريكي عسكري انتقاما من هذه المجزرة، وكيف سيتعاطى الروس الذين يملكون قوات وقواعد عسكرية على الأرض السورية معه؟

 هناك عدة خيارات أبرزها القصف الأمريكي الجوي المباشر لقواعد الجيش السوري، وربما أهداف حكومية في دمشق ومدن سورية أخرى، أو تسريع عمليات التسليح للمعارضة السورية “المعتدلة” وتزويدها بأسلحة ومعدات عسكرية حديثة متقدمة من بينها صواريخ مضادة للطائرات.

الأزمة السورية تعود إلى المربع الأول، وبالتحديد إلى مرحلة عام 2012 وما بعدها، حيث كان معظم الريف السوري في يد قوات المعارضة المسلحة، وسط تقهقر لقوات الجيش بسبب عدم الاستعداد ونتيجة لعنصر المفاجأة، الآن تغيرت الظروف، فهناك قوات إيرانية وروسية إلى جانب قوات “حزب الله”، ومضافا إلى ذلك حدوث تطور لقدرات الجيش السوري القتالية بغطاء جوي روسي، أدت إلى استعادة حلب وتدمر، والقضاء على محاولات لاختراق عسكري في أطراف دمشق وحماة.
***
احتمالات التصعيد العسكري واردة جدا، ولكن احتمالات التوصل إلى “صفقة” سياسية بين القوتين العظميين على غرار ما حدث عام 2013 غير مستبعدة أيضا، ومطالبة الأمم المتحدة بهدنة لعدة أيام، وتقدم المندوب الروسي بمشروع قرار مضاد إلى مجلس الأمن يطالب بإجراء تحقيق أممي محايد، قد يؤديان إلى حراك دبلوماسي، يعمل على تهدئة الأمور، وفتح أبواب المفاوضات السياسية والعمل الدبلوماسي.

في ظل المشاعر الغاضبة، والمتأججة من هول الصدمة من فداحة هذه المجزرة، وهي مشاعر غضب مشروعة، يبدو التحليل الموضوعي الهاديء صعبا، لأن هناك غبار كثيف يعم الأجواء ويحجب الحقائق.

التصعيد العسكري ربما هو الأكثر ترجيحا، وهذا أكثر إيلاما لأنه يعني المزيد من الضحايا من السوريين، أيا كان الخندق الذي يقفون فيه، وربما سيؤدي إلى تعقيد الحلول، وصراع بين قوى عظمى يمتد لسنوات لا يستطيع كل عرافين الأرض التنبؤ بنتائجه.

صحيفة رأي اليوم

أضيف بتاريخ :2017/04/06

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد