آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
عبد الباري عطوان
عن الكاتب :
كاتب وصحفي سياسي فلسطيني رئيس تحرير صحيفة رأي اليوم

الضربة الصاروخية الأمريكية لسورية لن تسقط الأسد لكنها ستخلط الأوراق


عبد الباري عطوان ..

لم يفاجئنا القصف الأمريكي لمطار الشعيرات العسكري السوري بصواريخ توماهوك، الذي أدى إلى تدمير مدرجه وست طائرات حربية، ومستودع للوقود، واستشهاد حوالي 12 شخصا بين عسكريين ومدنيين (بينهم خمسة أطفال).. لم يفاجئنا أيضا لأن المبالغات والتحشيد وأعمال التحريض التي استمرت طوال اليومين السابقين له، وتتمحور حول مجزرة خان شيخون الكيميائية البشعة كانت توحي بأن الضربة قادمة.

دونالد ترامب الرئيس الأمريكي الجديد قال إنه يدرس خياراته الانتقامية ومن بينها الخيار العسكري، ومندوبته في الأمم المتحدة نيكي هيلي قالت إنه عندما يعجز مجلس الأمن عن اتخاذ قرار فإن بلادها ستلجأ إلى تحرك منفرد.

الإدارة الأمريكية أصدرت حكمها، وأدانت الحكومة السورية بارتكاب المجزرة الكيميائية في الدقائق الأولى، ولم تنتظر أي تحقيق دولي نزيه وشفاف ومحايد، مما يؤكد النظرية التي تقول أن خطط العدوان كانت معدة قبل هذه المجزرة، وأنها جرى توظيفها كغطاء له.

نعم أنه عدوان أمريكي يذكرنا بنظرائه في العراق وليبيا واليمن تحت ذرائع تبين لاحقا أنها مزورة ومفبركة، ولا تستند إلى أي تفويض أممي، والهدف منه استعادة “عظمة” أمريكا، وإظهار رئيسها الجديد بمظهر الرجل القوي من خلال العدوان على دولة ضعيفة تمزقها الحرب.
***
لا نقبل من دولة مثل أمريكا، اعتدت على أربع دول عربية على الأقل وحولتها إلى دول فاشلة ممزقة وساحة للحروب الدموية والإرهاب، أن تتحدث عن الإنسانية وحقوق الإنسان، فهذه الدولة التي ارتكبت مجازر راح ضحيتها أكثر من مليون عراقي، ومئة ألف ليبي، وشاركت في قتل 300 ألف سوري، من خلال دعم حلفائها بالمال والسلاح والتدريب، وهي آخر دولة يجب أن تتحدث عن الإنسانية.

قلنا ونكرر بأننا ضد المجزرة الكيميائية وندين من تسبب فيها، ونعتبره مجرم حرب، أيا كان، ولكننا نريد حقائق دامغة، يأتي بها تحقيق دولي محايد، بعد أن عانينا كثيرا من الأكاذيب والفبركات الأمريكية في العراق وليبيا، ودفعنا ثمنا باهظا جدا من أرواح شهدائنا ودمائهم.
هذا العدوان ربما يتحول إلى “كرة ثلج” تغرق المنطقة العربية في حروب إقليمية، أو حتى دولية، فموسكو التي أدانته بقوة على لسان رئيسها فلاديمير بوتين، وأكد وزير خارجيتها سيرغي لافروف “أنه عدوان جرى الأعداد له مسبقا، وجاء ليعزز مكانة الجماعات الإرهابية المسلحة، ويذّكر بما حدث في العراق عام 2003″، هذا العدوان سيخلط كل الأوراق، ويعيد الأزمة السورية إلى المربع الأول، وينسف كل جهود السلام ومبادراته، ويصعد من احتمالات الحرب والصدامات الدموية الأوسع نظاما.

القيادة الروسية أعلنت تعليق العمل بالتفاهم الروسي الأمريكي حول ضمان أمن العمليات الجوية في سورية، وقررت تعزيز الدفاعات الجوية السورية، مما يوحي أنها ربما قدمت أو ستقدم صواريخ “اس 300″ و”اس 400″ المضادة للطائرات للجيش السوري، وبما يؤهله لإسقاط أي طائرة أمريكية أو إسرائيلية، تخترق الأجواء السورية.

هذا العدوان الأمريكي لن يسقط النظام السوري، مثلما فشل نظيره على أفغانستان، الذي جاء ردا على هجومين انتحاريين لـ”القاعدة” على سفارتي أمريكا في نيروبي ودار السلام عام 1998 في القضاء على تنظيم “القاعدة”، بل جعله أكثر قوة، ودفعه للتحضير لهجوم الحادي عشر من أيلول (سبتمبر)، مع الفارق الكبير في المقارنة.

كان مؤسفا أن تكون المملكة العربية السعودية أول المرحبين بهذا العدوان، وتليها دولة الاحتلال الإسرائيلي ثم تركيا، وهذا ليس مستغربا، فالدول الثلاث يجمعها قاسم مشترك واحد وهو الانخراط في اعتداءات ضد جيرانها، الأولى في اليمن (السعودية)، والثانية في سورية (درع الفرات)، والثالثة في قطاع غزة ولبنان وسورية (إسرائيل).
***
المنطقة العربية باتت بعد هذا العدوان، تقف على فوهة بركان، وتنتظر عود الثقاب الذي قد يُحدث الانفجار الكبير، وسيكون ضحاياه العرب والمسلمين وأمنهم واستقرارهم وأجيالهم القادمة التي قد لا تجد إلا الدمار والإفلاس والجوع.

هذا ليس وقت التحليل وصف الكلام، وإنما وقت الفرز بين من يقف في خندق العدوان، ومن يقف في الخندق المواجه له.. خيارنا واضح لا لبس فيه ولا غموض، نحن مع سورية، ومع شعبها بكل فئاته ومشاربه ومذاهبه وأعراقه دون تفريق، وضد هذا العدوان.. تماما مثلما وقفنا ضد العدوان على العراق وليبيا واليمن، ولن نغير ولن نبدل.. والحياة وقفة عز.

صحيفة رأي اليوم

أضيف بتاريخ :2017/04/07

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد