آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
عبد الباري عطوان
عن الكاتب :
كاتب وصحفي سياسي فلسطيني رئيس تحرير صحيفة رأي اليوم

هل لقن بوتين نظيره ترامب درسا في ضبط النفس؟


عبد الباري عطوان ..

بعد مرور حوالي 48 ساعة على القصف الصاروخي الأمريكي لمطار الشعيرات السوري في محافظة حمص، هناك العديد من الأسئلة التي تطرح نفسها، ليس على صعيد حصر الأرباح والخسائر فقط، وإنما عن أسباب عدم الرد الروسي على هذه الصواريخ التي شكلت اختبارا لالتزامها بالدفاع عن حلفائها السوريين، وغيرهم في العالم، والصورة التي ستكون عليها العلاقات بين القوتين العظميين في المستقبل، وانعكاسات الدعم العربي والخليجي بالذات لهذا العدوان الأمريكي.

لم يظهر الرئيس دونالد ترامب بمظهر الرئيس القوي الذي يختلف عن سلفه “الضعيف” باراك أوباما، وإنما ظهر كرئيس “متهور” يمكن أن يورط بلاده في حروب إقليمية وعالمية، الأمر الذي أثار العديد من علاقات الاستفهام حول أهليته لاتخاذ قرارات الحرب والسلام، ودفع أصواتا في الكونغرس تطالب بضرورة العودة إلى المشرعين الأمريكيين قبل توجيه أي ضربات أخرى في سورية أو غيرها.

في المقابل ظهر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بمظهر الزعيم الأكثر حكمة، والأقدر على ضبط النفس من خلال تجنب المواجهة، وهو الذي جرى إبلاغه بالضربة الأمريكية وموعدها قبل عشرين دقيقة حسب تأكيدات بوريس اوفياتسوف، رئيس لجنة خبراء الأمن في البرلمان الروسي، والذي أكد أيضا أن ثلث الصواريخ، أي 23 من 59 صاروخا أصابت أهدافها فقط، وكان معظمها، أي الصواريخ، قديمة انتهى عمرها الافتراضي، والطائرات التي أصابتها هي ست طائرات فقط، وكانت غير صالحة للطيران أساسا وتحت الصيانة.
***
أهم ما قاله اوفياتسوف في مقابلة مع قناة “روسيا اليوم” إن الصواريخ الروسية من طراز “اس 400″ و”اس 300″ المتطورة هي لحماية الطائرات والجنود الروس، وليس لحماية السوريين، ولهذا لم يتم التصدي للصواريخ الأمريكية، ولكنه أكد أن مجلس الأمن القومي الروسي قرر تقديم المزيد من الدعم لسورية، دون أن يؤكد أن هذا الدعم يشمل الصواريخ المذكورة المتقدمة.

السيدة نيكي هيلي، مندوبة أمريكا في مجلس الأمن الدولي تحدثت عن احتمالات الأقدام على ضربات أخرى في سورية، وربما يكون التعاطي معها، أي الضربات، مختلفا عن المرات السابقة خاصة إذا استمرت روسيا على موقفها في تعليق التفاهمات التي توصلت إليها مع الإدارة الأمريكية حول تأمين الطائرات والحيلولة دون حدوث مواجهة جوية أو عسكرية.

عندما أسقطت تركيا طائرة روسية اخترقت أجواءها لثوان معدودة في استعراض تركي للقوة، تحلت القيادة الروسية بضبط النفس، وردت بفرض عقوبات اقتصادية، وأجبرت الرئيس رجب طيب أردوغان على الاعتذار بطريقة مهينة، ولذلك ربما يفيد التأني وعدم التسرع في الأحكام، والعبرة في النهايات.

من المؤكد أنه سيكون هناك رد روسي على هذه الإهانة، وحتى ولو كانت الخسائر المادية والبشرية السورية محدود، رغم أن المطار المستهدف لم يتضرر بشكل كبير، وعادت الطائرات تواصل استخدام مدرجه ومنشآته كالمعتاد، وقد يأتي هذا الرد في الوقت الملائم إذا لم يتم تطويق الأزمة بما يرضي القيادة الروسية.

التأييد العربي الخليجي السريع، ومنذ الدقائق الأولى للضربة الأمريكية العدوانية على بلد عربي كان لافتا أيضا، والشيء نفسه يقال عن التهور التركي الذي لم يتوقف عند حد المباركة والإطراء، وإنما ذهب إلى ما هو أبعد من ذلك، عندما طالب الرئيس أردوغان ورئيس وزرائه بن علي يلدريم بالمزيد من الضربات لأن ضربة واحدة غير كافية.

مثل هذه المواقف المتسرعة قد تنعكس سلبا على أصحابها، فدول الخليج نفسها في الخندق المعادي لروسيا دون مبرر، وتركيا التي وقع رئيسها اتفاقا مع نظيره الروسي يقضي بزيادة التبادل التجاري إلى مئة مليار دولار سنويا لتلافي أزماتها الاقتصادية المتفاقمة قبل شهر فقط، ستجد نفسها في موقف حرج للغاية، خاصة أن علاقاتها مع جيرانها الأوروبيين متوترة، ومع واشنطن ضبابية، لأن الأخيرة تفضل التعامل مع الأكراد، وتثق بهم كحلفاء يمكن الاعتماد عليهم.

القيادتان الروسية والسورية امتصتا الضربة الصاروخية الأمريكية حتما، بغض النظر عن كونها تكتيكية وآثارها محدودة، وأبقيتا خياراتهما مفتوحة، ولكن إدارة ترامب بدأت تدخل الآن مرحلة إحصاء الخسائر، وتقدير حجمها، أو بالأحرى تبعات اليوم التالي للضربة، فالحرب على الإرهاب التي تحظى بالأولوية منيت بضربة أكبر، والتنسيق مع الروس انهار جزئيا أو كليا، ولوح زجاج الثقة بين القوتين على الأرض السورية وغيرها، انكسر وتشظى وقد يصعب إصلاحه.
***
توجيه ضربات عسكرية بناء على أخبار ووقائع غير دقيقة، ودون تحقيق دولي محايد، بل وبدون تفويض من الشعب أو مشرعيه، ينطوي على الكثير من التهور والحماقة، علاوة على كونه يتناقض مع كل ما ورد في برنامج ترامب الانتخابي حول معارضته التدخل العسكري الخارجي، وسورية بالذات، ورفع شعار “أمريكا أولا”.

يتواجد على أرض سورية والعراق أكثر من 7000 جندي أمريكي، وعشرات الطائرات، وهؤلاء سيكونون في دائرة الخطر في الأيام والأشهر المقبلة، مما يزيد من احتمالا التورط الأمريكي الأكبر في أوحال الحرب في البلدين، فهذه القوات قد تواجه أعداء عراقيين وسوريين، إلى جانب الجماعات الإرهابية التي جاءت تحت عنوان الحرب عليها، ولا ننسى أن إيران التي  تملك نفوذا كبيرا في العراق وسورية تقف في خندق التحالف الروسي السوري.

ختاما نقول أن الرئيس ترامب ربما حصل على تصفيق حار من بعض الدول الخليجية التي انتعشت آمالها بإمكانية إسقاط الرئيس السوري بشار الأسد ونظامه بعد ست سنوات من الإحباط، ولكن هذا التصفيق محدود الأثر، وسيتبخر بسرعة، ولا نستبعد أن تكون هذه الدول هي الخاسر الأكبر، ليس ماديا من حيث تمويل أي حرب، أو مواجهات عسكرية بين قوى عظمى على الأرض السورية، وإنما استراتيجيا أيضا، الم تعض هذه الدول أصابع الندم على تأييدها لأمريكا وحربها على العراق، وإطاحة نظام الرئيس صدام حسين، والبكاء دما على توسع النفوذ الإيراني فيه؟

لا ننتظر جوابا من أحد.

صحيفة رأي اليوم

أضيف بتاريخ :2017/04/08

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد