آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
عبد الباري عطوان
عن الكاتب :
كاتب وصحفي سياسي فلسطيني رئيس تحرير صحيفة رأي اليوم

هل يفوز أردوغان ويتحقق حلمه في إحياء الإرث العثماني ويتوج سلطانا مطلقا؟


عبد الباري عطوان

يذهب ملايين الأتراك إلى صناديق الاقتراع اليوم للتصويت في استفتاء دعا إليه الرئيس رجب طيب أردوغان لتحويل تركيا من نظام برلماني إلى رئاسي، يعطيه صلاحيات تنفيذية وتشريعية مطلقة، ويطلق يديه في رسم السياسات الداخلية والخارجية وإعلان الحروب دون منازع.

الرئيس أردوغان يريد إعادة الإرث العثماني وإزالة أرث كمال أتاتورك، مؤسس تركيا العلمانية الحديثة، ويستغل محاولة الانقلاب الفاشلة التي أرادت إطاحته في الصيف الماضي كفرصة، لفرض طموحاته السلطانية هذه، واجتثاث خصومه داخل تركيا وخارجها، وربما تحويل البلاد إلى دولة فيدرالية على طريقة النموذج الرئاسي الأمريكي المعجب به.

في حال التصويت بـ”نعم”، واعتماد النظام الرئاسي الجمهوري الجديد، سيتم إلغاء منصب رئيس الوزراء وسيكون بمقدور الرئيس تعيين الوزراء والسيطرة بالكامل على كل مؤسسات الدولة، بما في ذلك الجيش، والمحكمة الدستورية، والنظام القضائي.

المؤيدون لأردوغان يقولون، واعتمادا على فتوى دينية من أكبر مرجعية إسلامية في حزب العدالة والتنمية الحاكم، أن التصويت للإصلاحات الدستورية هو فرض عين، ويعتبر أحد أقصر الطرق إلى الجنة، ويعتبرون أن التصويت هو للاختبار بين الوطنية والخيانة، وبين المسلمين والكفار.

المعارضون له يؤكدون أن فوزه في هذا الاستفتاء يعني القضاء على العلمانية وترسيخ الديكتاتورية، ومصادرة الحريات، والاستمرار في فرض الأحكام العرفية، وتقويض الإرث الديمقراطي الليبرالي في البلاد.
***
في الواقع لا حاجة للرئيس أردوغان لكي يوسع صلاحياته الدستورية، فحزبه يسيطر على الدولة منذ عام 2002، ويهيمن على البرلمان، ويقر أي قانون يريده، وأردوغان هو الذي يعين رئيس الوزراء والوزراء، وهو الذي يضع خطوط السياسة الخارجية، ويرسل الجيش إلى سورية، ويوقع، ثم يلغي اتفاقات وقف إطلاق النار مع حزب العمال الكردستاني، ويعين قادة الجيش وقضاة المحكمة الدستورية، فماذا يريد هذا الرجل أكثر من ذلك؟

نتائج استطلاعات الرأي متقاربة، وعندما أدرك أردوغان هذه الحقيقة افتعل معركة مع أوروبا “الصليبة”، على عكس الانتخابات السابقة التي كان يصب فيها جام غضبه على إسرائيل التي باتت حليفا قويا الآن، الرئيس أردوغان أجج المشاعر القومية الإسلامية التركية ضد الأوروبيين، وقدم نفسه على أنه ضحية مؤامرة خارجية، ونجحت هذه الخطة جزئيا في حشد نسبة كبيرة من الأتراك المقيمين في أوروبا (5 ملايين تركي معظمهم يحملون الجنسية الأوروبية) للالتفاف حوله للتصويت بنعم لإصلاحاته.

الفوز في الاستفتاء سيكون دعما معنويا وسياسيا كبيرا لأردوغان، خاصة بعد محاولة الانقلاب الفاشلة، وربما يدفعه لتحويل تركيا إلى دولة فيدرالية، مثلما لمح أحد مستشاريه في زلة لسان متعمدة، وربما تكون مكلفة، بسبب معارضة حلفائه القوميين لهذا النظام، لأنه يعني حكما ذاتيا للأكراد، فالفيدرالية ربما تكون أحد الحلول للازمة الكردية طالما أنه سيكون الرئيس، فأمريكا فيدرالية وكذلك ألمانيا وبريطانيا وهولندا وبلجيكا.

الهزيمة في المقابل ستكون ضربة كبرى له، وربما تحوله إلى رئيس ضعيف، أن لم تنه مستقبله السياسي، فالاقتصاد الذي كان أبرز إنجازات أردوغان وحزبه على حافة الانهيار، والليرة التركية خسرت 50 بالمئة من قيمتها، بينما تراجع الدخل السياحي بحوالي 30 بالمئة، وانخفضت نسبة النمو من 7 بالمئة الى 2.9 بالمئة، وهربت حوالي 50 بالمئة من الاستثمارات الخارجية بسبب حال عدم الاستقرار والإرهاب، ووصلت معدلات البطالة إلى حوالي 12 بالمئة، وبين الشباب إلى أكثر من 25 بالمئة.

لا شك أن الرئيس أردوغان محنك وداهية، تجاوز أزمات كثيرة في السابق، ولا يستسلم للهزيمة بسهولة، لكنه يواجه أزمات سياسية مع جميع دول الجوار تقريبا، ويخوض حربا مزدوجة ضد إرهاب “الدولة الإسلامية”، وهجمات حزب العمال الكردستاني، ويتورط في الصراع في سورية عسكريا، والأهم من كل ذلك أن احتمالات قيام شريط كردي على طول حدود بلاده مع سورية يتمتع باستقلال جزئي أو كلي، تزداد واقعية يوما بعد يوم.

عرفت الرئيس أردوغان جيدا، ومعظم الحلقة الضيقة المحيطة به، ودعيت لإلقاء محاضرات في معظم الجامعات ومراكز البحث التركية المهمة، وحضرت مؤتمرات حزبه كضيف، وكنت ضيفا شبه دائم على شاشات قنواته التركية والعربية، واستطيع أن أقول أنه يريد فعلا أن يكون سلطانا عثمانيا يتفرد بالحكم، ولا يستمع مطلقا للرأي الآخر الذي يعارض رأيه حتى من أقرب المقربين إليه، ولنا في إبعاد السيدين عبد الله غول، وأحمد داوود أوغلو، أسطع الأمثلة في هذا المضمار.

هوس العظمة المتأصل لدى الرئيس أردوغان ربما يذكرنا بالكثيرين الذين قادوا بلادهم إلى التهلكة، وقدموا الذرائع للقوى الأجنبية للتآمر عليها، ونكاد نجزم بأن تركيا تثير غيرة الغرب وحساسيته بسبب نجاحاتها الكبيرة، اقتصاديا وديمقراطيا ووسطيا في الفترة الذهبية لحكم أردوغان وحزبه، ولا نستبعد مطلقا أن يصلها مسلسل التفتيت أسوة بجيرانها العراقيين والسوريين، إلى جانب الجيران البعيدين في ليبيا اليمن.
***
سننتظر النتائج الحقيقية فجر الاثنين المقبل، لنعرف ما إذا كان مؤيدو النظام الرئاسي من أنصار أردوغان سيذهبون إلى الجنة، ومعارضوهم إلى النار أو لا، ونخشى أن تكون استطلاعات الرأي مضللة على غرار ما حدث في الانتخابات الرئاسية الأمريكية الأخيرة التي أكدت أن هيلاري كلينتون ستفوز في بعض الفترات بأكثر من 80 بالمئة، أو تلك التي قلبت كل النظريات في استفتاء بريكست البريطاني، وفاجأتنا بفوز المعسكر المؤيد للخروج من الاتحاد الأوروبي.

نقول، لا نستبعد أي شيء، من قبيل الاحتياط، وحتى لا نلدغ من جحر استطلاعات الرأي مرتين، وربما ثلاث مرات.

لا نعتقد أن أردوغان سيستسلم للهزيمة وسيستمر في المحاولة لتحقيق ما يريد وما يطمح إليه، مثلما لجأ إلى الانتخابات البرلمانية لتأكيد حصوله على الأغلبية المطلقة بعد فشله في المحاولة الأولى قبل بضعة أعوام، سيعود إلى الاستفتاء مرة أخرى إذا لم ينجح هذه المرة.. أردوغان سيظل أردوغان صاحب الكلمة الأولى والأخيرة في تركيا، سواء خرج فائزا أو مهزوما من هذا الاستفتاء، فوضعه لن يتغير مطلقا، فقد كان رئيسا مطلقا بصلاحيات كاملة منذ أن فاز حزبه بالسلطة للمرة الأولى عام 2002، ولم يتغير أي شيء بالنسبة إليه منذ ذلك التاريخ، وربما لسنوات قادمة أيضا.. والأيام بيننا.

صحيفة رأي اليوم

أضيف بتاريخ :2017/04/16

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد