آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
وائل مرزا
عن الكاتب :
دكتوراة في العلوم السياسية (2003) من جامعة كليرمونت للدراسات العليا في لوس أنجلوس، الولايات المتحدة، تخصص علم السياسة المقارن والإعلام السياسي. * ماجستير في صناعة السياسات العامة (1998) من جامعة كليرمونت للدراسات العليا في لوس أنجلوس، الولايات المتحدة. * ماجستير في الإعلام والاتصال الجماهيري (1995) من جامعة إلينوي في شيكاغو، الولايات المتحدة، تخصص بناء الصورة الإعلامية والاتصال البشري بين الثقافات المختلفة * بكالوريوس في علوم الكمبيوتر (1989) من جامعة الملك عبد العزيز في جدة. *استشاري في مجالات الإعلام والتخطيط الاستراتيجي.

النظام الدولي و(عقيدة ترامب)


وائل مرزا

لبضعة أشهر في العام الماضي، ظهرت في عالم السياسة فجأةً عبارة (عقيدة أوباما). شغلت العبارة المحللين والساسة، وحتى صُناع القرار في الشرق والغرب، ودارت حولها الحوارات، وكُتبت عنها الدراسات، باعتبارها ستُصبح نواة السياسة الخارجية للولايات المتحدة خلال سنوات، وربما عقود، طويلة.

ذكرتُ يومها، باختصار أن هذا ليس صحيحًا، وأنها ستخرج معه بعد شهور ساعة خروجه من البيت الأبيض. أثبتت أحداث الأسابيع القليلة الماضية صحة الرأي المذكور، وها نحن اليوم في العالم العربي، وفي العالم بأسره، نعيش ما يمكن القول: إنه يُناقضُ تلك العقيدة العتيدة في كل مجال.

نحن، مرةً أخرى كما طرحنا في المقال السابق، بإزاء حقيقةٍ في العلاقات الدولية أزاحَتها إلى الهامش قليلًا ممارسات أوباما. هذه حقيقة استراتيجية لا يبدو تغيُّرُها واردًا على المدى المنظور. ربما انزوت بعض تجلياتها قليلًا مع الرئيس الأمريكي السابق، لكنها في النهاية تَحكمُ النظام الدولي الراهن بصلابة. وتتمثل في أن من يحدد طبيعة علاقة أمريكا بالعالم هو أمريكا في نهاية المطاف. لهذا، تحديدًا، ولمجرد أن أوباما كان رئيس هذا البلد، استطاع أن يمارس سياسات أوهمت العالم بأن تلك الحقيقة الاستراتيجية الراسخة تغيّرت.

يُعبّر التحليل السابق عن العلاقة المعقدة بين دور الرئيس ودور (المؤسسة) في أمريكا. فأوباما نفسه لم يكفَّ يومًا عن التذكير بأن أمريكا أعظم وأقوى بلدٍ في العالم، كما أن محاولاته لتغيير السياسة الخارجية كانت تهدف، أولًا وآخرًا، لتأكيد تلك المقولة، وإنما بطريقته ووُفق رؤيته. لا ننسى هنا، لمزيدٍ من التذكير، كيف وقف العالمُ بأسره على قدمٍ واحدة لمدة ثماني سنوات؛ أيام حكم جورج بوش الابن، وبسياسات ووقائع وأحداث عاشتها البشريةُ بأسرها.

لا يهدف التحليل، كما نؤكد دائمًا، إلى مشاركة البعض مشاعر البهجة والرضا عن هذا الواقع، ولا التعاطف مع أحاسيس الحزن والغضب عند آخرين. فهذا ليس مقام المشاعر والعواطف، وإنما هو فسحةٌ لقراءة واقعٍ دولي معقدٍ راهن، باتَ يؤثر في تفاصيل حياتنا اليومية كعرب، أفراد وشعوب وحكومات. وما من مدخلٍ للبحث عن وسائل للتعامل معه إلا ويبدأ بمعرفة الواقع كما هو، والاعتراف به.

وها هي ممارسات ترامب في الأسابيع القليلة الماضية تقلب توقعات العالم بأسره رأسًا على عقب، بما فيهم الأمريكان من محللين وخبراء وإعلاميين، باتت تلك الممارسات محور تحليلاتهم وحواراتهم. فوسائل الإعلام الأمريكية المقروءة والمسموعة والمرئية زاخرةٌ بشكلٍ كثيف خلال الأيام الماضية بالحديث عن موضوعٍ رئيس: حقيقة أن ترامب غير مجمل آرائه، على الأقل فيما يتعلق بالصين وروسيا وسوريا والناتو، بل وبعض القضايا الداخلية.

فترامب الذي لم يُبقِ تهمةً إلا وألصقها بالصين يقول منذ أيام أنه وجد في الرئيس الصيني صديقًا حقيقيًا يمكن التعاون معه في كل مجال. وترامب الذي كان متهمًا بما يصل إلى درجة العمالة لروسيا هو الذي قال منذ يومين أن العلاقة معها في أسوأ حالاتها. والذي شاهد المؤتمر الصحفي المشترك بين وزيري خارجية أمريكا وروسيا في موسكو الأربعاء الماضي رأى مشهدًا يكاد يكون سورياليًا من مختلف الجوانب. ظهر هذا تحديدًا فيما يتعلق بالشأن السوري. ورغم مرافعات لافروف الهزلية الطويلة، بإجماع المراقبين، خلال المؤتمر، إلا أن المفارقة في الموضوع أن كل حديثه كان عن تجارب الصعوبات في إزالة الحكام «الديكتاتوريين»، وحصل هذا مراتٍ عديدة ليُبرِّر موقف روسيا، مع وضوح أن الكلام كان عن «الديكتاتور» بشار الأسد. وكانت الحقيقة أن الوزير الأمريكي، ريكس تيلرسون، أوقعهُ في هذا الفخ بعد أن صرّحَ بقوةٍ ووضوح أمامه أنه لم يعد ثمة مكان للأسد وعائلته في حكم سوريا.

قد يقفز بعض المحللين الآن، أو بعد عدة شهور، ليستنتج أن العالم اليوم أمام شيء اسمه (عقيدة ترامب). سيكون هذا مجرد وهمٍ آخر. كل ما في الأمر أن شخصية ترامب فتحت الباب لسياسة ديناميكيةٍ جدًا تتفاعل مع الأحداث الراهنة، دون أن تقف طويلًا عند التصريحات والمواقف السابقة، لتحقيق ما تراه المصلحة الأمريكية، بدرجةٍ من الأخذ والعطاء والتفاوض مع المؤسسة TheEstablishment ، والذي رأى لقاء ترامب وحديثه عن الأسد والطريقة التي وَصَفهُ بها.. شاهد نموذجًا عما نقوله، في مجال المعايير الإنسانية والأخلاقية، ولو في حدِّها الأدنى، وبغض النظر عما إذا كانت موظفةً ونسبية.
    
 
صحيفة المدينة

أضيف بتاريخ :2017/04/16

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد