آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
فهد الأحمدي
عن الكاتب :
كاتب سعودي

العالم ضمن شبكة المترو


فهد عامر الأحمدي

اليابان من أقدم الدول التي استعملت القطارات (فائقة السرعة) المعروفة باسم الشنكانسن أو الرصاصة. بدأت في إنشاء خطوطها الحديدية عام 1959 وانطلق أول قطار عام 1964 بسرعة 300 كلم في الساعة (أي قبل أن يولد معظم قراء هذه الزاوية).. واليوم تغطي القطارات السريعة معظم الجزر اليابانية، وينطلق بين كل مدينة أكثر من 100 قطار في اليوم.

أتذكر؛ حين زرت اليابان لأول مرة أنني حملت هم ركوب القطار السريع بين طوكيو وأوساكا لأني لم أحجز مسبقاً ولا أعرف مواعيد انطلاقها.. وحين وصلت محطة طوكيو اكتشفت أن قلقي لم يكن مبرراً كون هناك قطار جديد ينطلق كل ست دقائق (وهو ما يفسر وجود 100 قطار في اليوم).

شعرت خلال جولتي في اليابان أنني أستقل "خط مترو" يقف بين محطات هي في الحقيقة مدن كبيرة.. يتملكك هذا الشعور لأنها أولاً سريعة جداً (لدرجة أنني انتقلت من كيوتو إلى أوسكا خلال 12 دقيقة فقط) ولأنها ثانياً متوفرة بكثرة (بحيث تعثر على قطار في أي وقت).. وإذا أضفت لهذه الميزة سهولة الإجراءات ووجود الإنترنت وتوفر المقاعد بلا حجز تفهم لماذا يفضلها اليابانيون على الطائرات ولماذا ينتقل بها مليار مسافر كل شهرين..

واليوم أصبحت قطارات الشنكانسن من بدهيات الحياة في اليابان لدرجة لم يعد الجيل الحالي يفكر بحجم الجهود والأموال التي صنعتها.. لا يعلم المسافر أن بعض الخطوط بنيت بكمالها فوق أو تحت مبانٍ قديمة أو منشآت هندسية ضخمة (كون سرعة القطار لا تسمح بوجود أي تقاطعات أو منعطفات حادة).. الطفل الذي يولد في اليابان هذه الأيام يعتقد أنها موجودة منذ الأزل، ولا يدرك أن السفر بين طرفي البلاد كان يستغرق أياما قبل ظهورها..

وفي آخر مرة كنت فيها هناك (في يونيو الماضي) بدأت أتخيل العالم بأكمله وقد غطته قطارات الشنكانسن السريعة.. تخيلت كوكب الأرض بأكمله وقد تحول إلى شبكة مترو، ودول العالم وقد تحولت إلى مجرد محطات على الخريطة.. تصورت ظهور قطارات تسير بسرعة الصوت (داخل أنابيب مفرغة) تمر بالقاهرة والرياض والدوحة ودبي، ثم تقطع الخليج العربي باتجاه بومبي ودلهي وبكين وسيول وطوكيو!!

الفكرة بحد ذاتها ليست مستحيلة كون تقنية القطارات المغناطيسية معروفة منذ الستينيات وإنشاء الخطوط الطويلة ليس بالعقبة التي يصعب تجاوزها.. ففي عام 1916 ربط الروس موسكو بفلاديفوستوك على بحر اليابان من خلال خط سيبيريا (بطول 9232 كلم).. وحتى الحرب العالمية الأولى كان خط الحجاز يربط المدينة المنورة بإسطنبول ومن هناك بقطار الشرق إلى برلين وباريس.. وهذه الأيام تسعى الصين لبناء قطار مغناطيسي سريع يمر عبر 17 دولة وينتهي في لندن بحلول عام 2020..

ومثل هذه المشروعات لا تثبت فقط إمكانية بناء الخطوط الطويلة، بل وتؤكد أن الاستمرار بإنشائها سينتهي قريباً بتغطية الكرة الأرضية بشبكة قطارات مغناطيسية تحول عواصم العالم إلى مجرد "محطات مترو"..

حينها سيعتقد أطفالنا (مثل أطفال اليابان هذه الأيام) أنها من بدهيات الحياة وأنها موجودة منذ الأزل..

جريدة الرياض

أضيف بتاريخ :2017/04/23

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد