آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
يوسف مكي البحرين
عن الكاتب :
كاتب بحريني

جمعية «وعد» لكي لا تخسرها البحرين


يوسف مكي

جمعية العمل الوطني الديمقراطي (وعد) هي جزء أصيل وأساسي وفاعل في المشهد السياسي منذ 2001، ولا غرابة في ذلك، وقد أراد لها مؤسسوها وفي مقدمتهم المرحوم عبدالرحمن النعيمي أن تكون جمعية/ حزبا سياسيا بكل معنى الكلمة من نوع جديد، ومن طراز جديد ويعمل فوق الأرض وليس تحت الأرض، مع أخذ كل الملابسات المتعلقة بالوضع المحلي والإقليمي بعين الاعتبار.

لقد أدرك المهندس عبدالرحمن النعيمي بحسه وخبرته السياسية الميدانية الطويلة، أن عهد العمل السري قد انتهي وتم وضعه في الثلاجة، وأن البحرين في بداية الألفية باتت ضمن وضعية جديدة واستحقاقات أخرى، تختلف عن طبيعة استحقاقات ما قبل سنة 2000.

وضمن هذا الفهم –وهو فهم صحيح ودقيق– بادر ورفاقه إلى تأسيس جمعية العمل الوطني الديمقراطي، كإطار حزبي لقيادة العمل السياسي وتنظيمه، وفقا للمستجدات السياسية الجديدة على الساحة المحلية، والقطع مع الماضي.

وأول ما يتبادر إلى الذهن في هذا السياق هو هذا التغير الكبير في الأسماء، أي الانتقال من مفهوم العمل السياسي وفقا لتسمية الجبهة الشعبية في البحرين إلى مفهوم آخر تجلى في تسمية الوليد الجديد/ القديم بـ جمعية العمل الوطني الديمقراطي، اسم يتناسب والعلنية وواضح الفرق بين المسميين، والفرق هنا ليس في الشكل فقط بل في المضمون، دون التنكر للماضي وللتاريخ، ولكن لكل شيء أوانه، والآن ابتداء من سنة 2001 هو أوان جمعية العمل الوطني الديمقراطي، وما يعنيه هذا الاسم من فهم آخر للعمل السياسي، وفي زمن آخر مختلف عن ماضي العمل الجبهوي الثوري؛ أي الانتقال من زمن إلى زمن آخر مختلف بكل معنى الكلمة.

إن انتقال الجبهة الشعبية من العمل السري إلى العمل العلني كجمعية سياسية، لم يكن أمرا تكتيكيا بل هو خيار استراتيجي، بمعنى أن العمل السياسي العلني وفقا لضوابط وقوانين عامة تنظم مجمل العمل السياسي في البلد هو أفضل للمعارضة من العمل السري، وذلك من خلال الاعتراف المتبادل بين الطرفين، كما أن كلفة العمل السياسي العلني أقل لكل الأطراف.

وهنا لابد من إشارة عابرة لكنها مهمة. فقد حرص القائمون على «وعد» أن يطلقوا على هذه الجمعية الفتية اسما له من الدلالات الكثير، فهي جمعية العمل الوطني الديمقراطي، وهو اسم يتعلق بطبيعة الجمعية من حيث الشكل والمحتوى. فهي جمعية وطنية بامتياز، بمعنى أن مساحتها بمساحة الوطن كله من أقصاه إلى أقصاه، وأن عملها وطني بامتياز وليس طائفيا، وهي ديمقراطية، بمعنى أن ما تقوم عليه هو مبادئ الديمقراطية كما هو متعارف عليها في انتخاب قيادات الجمعية، وفي آليات العمل الحزبي، وقد أثبتت الجمعية ذلك بالملموس منذ تأسيسها حتى الآن، فهي ديمقراطية في داخلها وتؤمن بمبادئها، وهي تطالب بالديمقراطية خارجها لعموم الشعب وفقا لآلية متفق عليها. أما وطنيتها فليس عليها غبار في الماضي عندما كانت الجبهة الشعبية حيث كانت تضم كل البحرينيين بمختلف ألوانهم ومذاهبهم، وفي الحاضر عندما أصبحت جمعية العمل الوطني الديمقراطي، فهي جمعية عابرة للطوائف والملل والنحل، كما أنها تحوي كافة الملل والنحل في إطار من العمل الحزبي المنضبط، مؤكدة بذلك على أنها لكل الوطن ولأهل الوطن ومُلكا لكل الوطن، ومنفتحة على كل التيارات والفاعليات المجتمعية والسياسية والدينية والثقافية.

لقد كان مقررا للأمور منذ لحظة تأسيس «وعد» أن تسير الأمور باتجاه مزيد من الانفراج، ومزيد من اتساع مساحة العمل السياسي في البلد، ومزيد من تحقق نبوءات عبدالرحمن النعيمي، ومزيد من الدور الفاعل للجمعيات السياسية وفي مقدمتها جمعية «وعد» بطبيعة الحال.

ولكن ماحدث للأسف الشديد هو مزيد من التراجع في مساحة العمل الوطني، ومزيد من تجفيف للعمل السياسي الديمقراطي. ربما لن يكون آخره محاكمة «وعد». فالبقية تأتي.

وما تشهده الساحة هذه الأيام عموما، وفي مواجهة جمعية «وعد» خصوصا، إنما ينذر بعواقب خطيرة في العودة إلى المربع الأول وهو ما لا يرغب فيه أحد، وبالتالي نضيّع منجزات 17 عاما من المحاولات الدؤوبة في انتقال البحرين إلى أفق العمل السياسي الديمقراطي المفتوح على الحاضر والمستقبل، وإلى مزيد من تطوير والارتقاء بالعمل السياسي، وليس إلى التراجع.

بتقديرنا، ان ما تواجهه جمعية «وعد» هذه الأيام حتى ولو أخذ طابعا قانونيا هو في هدفه تجفيف نهائي لأي عمل سياسي جاد ومؤثر. فعندما تحاكم «وعد» ماذا تبقى من بنية تحتية للعمل السياسي؟ صفر.

واستهداف «وعد» هو بشكل أو بآخر يؤثر على العملية السياسية التي بدأتها البحرين منذ 17 عاما، وضمن تموجات بين مد وجزر، وأظن أننا وصلنا الآن من خلال محاكمة «وعد» إلى مرحلة الجزر الكلي في العمل السياسي الديمقراطي. وهذا مالا نتمناه للبحرين كما لـ «وعد». فمن المفترض أننا قطعنا شوطا في العمل السياسي الديمقراطي، أياً تكن أخطاء «وعد» - على افتراضها - فذلك لا يبرر محاكمتها.

فتصوروا أن حزب المحافظين الذي في السلطة (المملكة المتحدة) الآن -مع الفارق- يقوم بمحاكمة حزب العمال المعارض لأنه لم يسر على منواله أو لأنه يعارض سياساته، فإنه تلقائيا تصبح الديمقراطية البريطانية على المحك، أو كلاما فارغا. ولكن بإمكانهما أن يتنافسا في العملية السياسية وبشكل ديمقراطي وفق آليات متفق عليها.

قد لا تكون جمعية «وعد» أكبر الجمعيات من حيث عدد أعضائها وجماهيرها، لكنها أهم الجمعيات من حيث النوع والخبرة وتجاوز الانتماءات الضيقة، والحفاظ على الوحدة الوطنية. إن «وعد» هي أهم الجمعيات من حيث النوعية. ويكفيها ذلك شرفا.

وإذا ما حلت «وعد» -لا قدر الله- فإن الداعين إلى الحل قد يرتاحون من وجع الرأس لبرهة، لكن ذلك بالمقابل سيمثل خسارة للبحرين، للوطن كله.

نأمل أن يُعاد النظر جملة وتفصيلا في محاكمة «وعد»، ذلك أن «وعد» بمواقفها الوطنية لا تستحق المحاكمة، بل تستحق أن نجعل منها مدخلا مناسبا لحوار وطني حقيقي وشامل يجمع ولا يشتتّ.

صحيفة الوسط البحرينية

أضيف بتاريخ :2017/04/24

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد