آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
عبد الباري عطوان
عن الكاتب :
كاتب وصحفي سياسي فلسطيني رئيس تحرير صحيفة رأي اليوم

ما هي فرص نجاح الوساطة الكويتية بين قطر والمثلث السعودي الإماراتي البحريني؟


عبد الباري عطوان

الأزمة بين قطر و”شقيقاتها” الخليجية الثلاث ما زالت مستمرة، والحرب الإعلامية التي تعكس حدتها ما زالت مشتعلة أيضا، وجديدها الأبرز تطوع دولة الكويت “مبدأيا” للقيام بجهود الوساطة مثلما فعلت في أزمة مماثلة، وأن كانت أقل حدة وخطورة، في عام 2014.

السلطات القطرية أقدمت في الأيام الثلاثة الماضية على ثلاث خطوات تعكس شخصية قطر ومنهجها السياسي المثير للجدل، الأولى تصعيدية واثنتان طابعهما التهدئة، ومحاولة “تبريد” الأزمة، وترطيب الأجواء لإنجاح الوساطة الكويتية أو عدم إفشالها على الأقل.

الخطوة الأولى: تمثلت في الاتصال الهاتفي الذي أجراه أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني بالرئيس الإيراني حسن روحاني بعد أقل من 24 ساعة من انفجار الأزمة، حيث تعهد فيها بالإيعاز للأجهزة التنفيذية في بلاده بتعزيز العلاقات مع “الجار” الإيراني، ونقول أن هذه الخطوة تصعيدية لأنها ترش الملح على جرح الخلاف مع السعودية والإمارات والبحرين، وتؤكد تمسك قطر بسياستها المستقلة، وعدم وجود أي رغبة لديها لتغييرها في الوقت الراهن على الأقل.

الثانية: الترحيل المفاجيء للناشط السعودي عبد الله العتيبي إلى بلده السعودية، بينما كان في طريق سفره إلى النرويج، حيث كان يأمل الحصول على لجوء سياسي، وهي خطوة أدانتها منظمة العفو الدولية، لأن السيد العتيبي لن يحظى بمحاكمة عادلة، وقد يواجه عقوبات بالسجن لعدة سنوات مثل العشرات وربما المئات غيره.

الثالثة: إقدام قناة “الجزيرة” على حذف رسم كاريكاتيري ساخر نشرته على موقعها، واعتبره الكثير من المغردين السعوديين على وسائط التواصل الاجتماعي مسيئا للعاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز، والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، وقالت القناة في بيان لها إنه “تم حذف كاريكاتير أخبار “مفبركة” وذلك نظرا للغط الذي أثاره، وتؤكد “الجزيرة” “أنها لم تقصد بأي حال الإساءة إلى خادم الحرمين الشريفين وما حدث من ربط لدى البعض هو اصطياد في الماء العكر”.
***
لا نعرف كيف سيكون انعكاس هذه الخطوات القطرية الثلاث على المبادرة الكويتية المتوقعة، والزيارة التي من المقرر أن يقوم بها الشيخ تميم إلى الكويت الأربعاء تحت عنوان تقديم التهاني لأميرها الشيخ صباح الأحمد الصباح بمناسبة قدوم شهر رمضان المبارك.

لا شك أن السلطات السعودية سترحب بتسليم قطر لأحد معارضيها الذي كان سيجد ملاذا آمانا في النرويج يتخذ منها منبرا لمواصلة أنشطته لكشف انتهاكات حقوق الإنسان والفساد في بلاده، لكن الخلاف بين البلدين لم يكن محوره استضافة هذا الناشط في الدوحة، وإنما العلاقات القطرية الإيرانية المتطورة، وما قيل عن اختراق وزير الخارجية القطرية محمد بن عبد الرحمن آل ثاني لكل الخطوط الحمر بلقاء مزعوم مع الجنرال قاسم سليماني، رئيس فيلق القدس، أثناء زيارة مفاجئة إلى بغداد قبل وصول دونالد ترامب إلى الرياض في زيارته الخارجية الأولى.

الشيخ صباح الأحمد الجابر أمير الكويت قد يتردد كثيرا قبل القيام بهذه الوساطة لتضاؤل فرص نجاحها، لأنه يدرك جيدا أن مطالب الطرف الآخر من قطر كبيرة ومعقدة، وأن الثقة بين الأطراف الثلاثة في إمكانية تراجع قطر عن مواقفها شبه معدومة، مضافا إلى كل ذلك أن السلطات السعودية أحبطت وساطة قطرية مع إيران قام بها وزير الخارجية الكويتي مطلع هذا العام بتكليف من قمة البحرين الخليجية في كانون الأول (ديسمبر) الماضي، حيث أصدرت الحكومة السعودية بيانا تبرأت فيه من هذه الوساطة عند وصول الوزير الشيخ صباح الخالد الحمد الصباح إلى طهران.

الدكتور أنور قرقاش، وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية، وضع شروطا “تعجيزية” للمصالحة مع قطر في تغريدات له على حسابه على “التويتر” قال فيها “حل الأزمة بين الشقيق وأشقائه طريقه الصدق في النوايا والالتزام بالتعهدات، وتغيير السلوك الذي سبب ضررا، وفتح صفحة جديدة لا عودة فيها إلى نفس البئر”، وحذر “أن الفتنة تحمل في ثناياها خطرا جسيما”، وأوضح أكثر بقوله “موقعنا واستقرارنا في وحدة الصف، وصدق التوجه، ولا نعيش في فقاعة خادعة قد تضر الشقيق والجار دون أن تطالنا، أمننا متصل ومترابط وكذلك مستقبلنا وأن للصبر حدود”.

التفسير الفوري لهذه التغريدات وما بين سطورها هو اتهام دولة قطر بعدم المصداقية وعدم احترام العهود، والمطالبة بتغييرات “جذرية” في السلوك القطري، ومثل هذه الاتهامات والمطالبات لن تجد ترحيبا من قبل المسؤولين القطريين حتما، ولا نريد أن نقول أكثر من ذلك.

يعبر القطريون في إعلامهم عن استغرابهم من هذه الحملة عليهم بسبب علاقاتهم المتطورة مع إيران التي يجمعهم بها إلى جانب عامل الجوار، المشاركة في حقل غاز الشمال الذي يشكل إنتاجه 65 بالمئة من صادرات قطر، ويقولون أن سلطنة عمان تقيم علاقات أكثر تطورا مع طهران، وأن حجم التبادل التجاري بين إمارة دبي وإيران يزيد عن 15 مليار دولار سنويا إن لم يكن أكثر، فلماذا ممنوع علينا إقامة أي علاقات أو تقارب معها؟

الجدل القطري صحيح، ولكن قطر ليست سلطنة عمان التي يعتبر الحياد العمود الفقري لسياستها على مر العصور، وحافظت على علاقات جيدة مع كل دول الجوار، ونأت بنفسها عن كل الصراعات في المنطقة،  ولا هي إمارة دبي التي تبتعد عن أي خلافات سياسية وتعطي الأولوية للتجارة والاقتصاد، وتترك السياسة وصداعها لإمارة أبوظبي، وكان لافتا أن حاكمها الشيخ محمد بن راشد لم يترأس وفد بلاده إلى قمم الرياض بحضور ترامب، وترك هذه المهمة إلى الشيخ محمد بن زايد وللمرة الأولى في تاريخ القمم الخليجية والعربية والإسلامية.
***
مهمة أمير الكويت في تطويق هذا الخلاف ربما تكون شبه مستحيلة، لأن الخلاف أعمق من عودة سفراء جرى سحبهم، ويتعلق بتغييرات جذرية في سياسات قطر وأبرزها لائحة مطالب عريضة بقطع العلاقات ابتداء من إيران ومرورا بحركة “حماس″ وانتهاء بحركة “الإخوان المسلمين” و”جبهة النصرة”، مضافا إلى ذلك وضع إدارة ترامب كل ثقلها خلف المربع السعودي الإماراتي المصري البحريني المعادي لقطر، وإلصاق تهمة الإرهاب بها بسبب دعمها لحركة “حماس″ و”النصرة”.

الحرب الإعلامية مستمرة، وتزداد حدة يوما بعد يوم، ويبدو أن هناك سيناريو خفي جرى إعداده والاتفاق على تنفيذه يستهدف قطر، وما قول الدكتور القرقاش “للصبر حدود” وبعبارة أخرى “قد طفح الكيل”، إلا أحد أبرز عناوينه.

في جميع الأحوال مجلس التعاون الخليجي لن يكون نفسه بعد هذه الأزمة، فالشروخ داخله تتوسع، وباتت تستعصي على “الجسّر” وبشكل متسارع.. والأيام بيننا.

صحيفة رأي اليوم

أضيف بتاريخ :2017/05/30

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد