آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
عبد الباري عطوان
عن الكاتب :
كاتب وصحفي سياسي فلسطيني رئيس تحرير صحيفة رأي اليوم

لماذا فتح لافروف ملف الإعدام البشع للقذافي أثناء زيارته للقاهرة؟


عبد الباري عطوان

لا نعتقد أننا بحاجة إلى المستر سيرغي لافروف، وزير خارجية روسيا لاتحادية لكي يذكرنا بالطريقة المأساوية التي أعدم فيها الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي، وأن يكشف لنا سرا معروفا يؤكد أن الذين نفذوا عملية الإعدام البشعة هذه ومثلوا بجثة الضحية، عادوا إلى أوروبا وحصلوا على جنسيات بلدانها، وكأنه يغمز في قناة بريطانيا التي اكتشفت أن أبناء هؤلاء يقفون خلف التفجير الانتحاري الذي استهدف حفلا في مدينة مانشستر قبل أسبوع وأدى إلى مقتل 22 شخصا وإصابة العشرات.

نقول ذلك لأننا كنا، وما زلنا، على رأس المعارضين المتشددين لتدخل طائرات حلف “الناتو” في ليبيا لتغيير النظام، وقتل الآلاف من الليبيين تحت أكاذيب الديمقراطية وحقوق الإنسان، لأننا كنا ندرك جيدا أن الهدف لم يكن مطلقا تحقيق طموحات الليبيين المشروعة في هذا الإطار، وإنما الثأر من مواقف الزعيم الراحل في دعم قضايا التحرر والاستقلال والسيادة في الشرق الأوسط وأفريقيا، والتصدي للمشاريع الاستعمارية الغربية في صيغتها الاقتصادية الجديدة، ومنح عقود ليبيا النفطية والتنموية والإعمار لمن يستحقها في تركيا (انقلبت عليه) والصين والهند وروسيا وبدرجة أقل إيطاليا، مع تسليمنا مقدما بأنه كان ديكتاتورا، وأن سحله على صعيد حقوق الإنسان لم يكن ورديا على الإطلاق.
***
الرئيس باراك أوباما، الذي بات يحن إلى جذوره الأفريقية وعقيدة والده الإسلامية في أيامه الأخيره، لم يتردد مطلقا في التعبير عن ندمه لاتخاذ قرار التدخل العسكري في ليبيا الذي اعتبره من أكبر أخطاء إدارته، وتحميل فرنسا وبريطانيا المسؤولية الكبرى عن هذا التدخل الذي جاء من منطلقات غير أخلاقية أو إنسانية، وإنما تجارية نفطية واقتصادية أيضا إلى جانب الاعتبارات الثأرية المذكورة آنفا.

لا يمكن أن ننسى المؤتمر الصحافي الذي عقده السيد مصطفى عبد الجليل، رئيس المجلس الوطني الانتقالي، والسيدة هيلاري كلينتون، وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة، وأعلن فيه عن وضع مكافأة بمليون دولار لمن يقتل الزعيم القذافي، وسط فرحة السيدة كلينتون التي عبرت عنها بابتسامة عريضة وتصفيق حاد، وهي التي من المفترض أنها تمثل العالم الحر الذي يعظنا ليل نهار بالحريات وسيادة القانون، والقضاء العادل المستقل.

ليبيا الآن تعود إلى الأضواء مجددا، حيث يدخل الصراع منعطفا مختلفا، مثلما يتجدد التدخل العسكري الخارجي، بطرق متعددة، ونشهد طائرات حربية مصرية وليبية تقصف أهدافا للجماعات المتشددة الإرهابية في درنة والجفرة، حسب البيانات العسكرية الرسمية، مثلما تتوارد الأنباء عن الإفراج عن السيد سيف الإسلام القذافي بقوة القانون، مثلما قال وكيل وزارة العدل الليبية.

واللافت أن هذه الأنباء حول الغارات المصرية الليبية والإفراج عن النجل الأكبر للقذافي تتزامن مع أخرى حول اقتحام سجن الهضبة في طرابلس للإفراج عن شقيقه الساعدي، وعبد الله السنوسي، وأبو زيد عمر دوردة، والبغدادي المحمودي، آخر رئيس وزراء للعهد السابق.
***
لا نعتقد أن كل هذه لتطورات تأتي بمحض الصدفة، ونذهب إلى ما هو أبعد من ذلك و”نتكهن” بأنها قد تتم جميعا في إطار سيناريو جديد لليبيا يجري طبخه على نار هادئة لبلورة نظام جديد قد يكون على رأسه القذافي الصغير في إطار شراكة سياسية مع المشير خليفة حفتر، أحد الأبناء العاقيّن والمنشقين عن النظام السابق.

نحن هنا نتكهن، وكل ما نعرفه أن أوروبا التي تعاني من مشاكل الهجرة غير الشرعية التي تنطلق من السواحل الليبية (2000 كيلومير على المتوسط)، باتت تلتقي مع روسيا ودول الجوار الليبي في ضرورة الوصول إلى حل يضع حدا لحالة الفوضى الدموية التي تسود ليبيا، وتحولها إلى حاضنة للجماعات الإسلامية المتطرفة.

لعل غمز لافروف من قناة بريطانيا وأوروبا وتفجير مانشستر الهدف منه هو القول بأنكم خلقتم المشكلة وتدفعون ثمن أخطائكم، ونحن الذين نملك طوق النجاة لإنقاذكم من المستنقع الليبي الذي حفرتموه، ولا نعرف ما إذا كان مصيبا في تلميحاته هذه أم لا، وهل تسير ليبيا على طريق الحل.. أم أننا أمام تدخل عسكري قد تكون نتائجه أكثر سوءا من سابقه؟ ليس أمامنا من خيار غير الانتظار.

صحيفة رأي اليوم

أضيف بتاريخ :2017/05/31

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد