آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
معين بن جنيد
عن الكاتب :
فيزيائي طاقة عالية | كاتب علمي | حائز على جائزة جامعة الملك سعود للتميز العلمي 2015

البيانات والقوانين الشخصية


د. مَعين بن جنيد

كثير من قوانين الفيزياء اكتُشفت بناء على تحليل البيانات. مثلا، عندما قام الفلكي هابل Hubble بدراسة البيانات التي جمعها عن المجرات، اكتشف أن الكون آخذ في الاتساع بمعدل يسمى اليوم بثابت هابل. وكمثال آخر، اكتشف الفيزيائي كبلر Kepler القوانين التي تحكم حركة الأجرام السماوية بعد دراسة وتحليل بيانات جمعها الدنماركي براهي Brahe برصد الكواكب وحركتها.

كانت البيانات وما زالت لعبة العلوم الطبيعية الأساسية. فبعض الباحثين يشغلون أنفسهم بتوليد البيانات.. كأن تصنع تجربة قادرة على رصد جسيمات كونية وتحويل ذلك الرصد إلى بيانات. وفي المقابل، بعض الباحثين يهتمون بتحليل تلك البيانات. ومما لا شك فيه أن مهمة العالِم الطبيعي هي خليط من هذا وذاك.

دراسة البيانات تقود إلى اكتشاف علاقات بين متغيرات. مثلا، في حالة هابل، اكتشف أنه كلما كانت المجرة أبعد عنا، كلما كانت سرعة هروبها منا أكبر من المجرات الأقرب إلينا. فكلها تهرب منا، ولكن سرعات هروبها مرتبطة ببعدها عنا. علاقة الارتباط هذه قوية جدا لدرجة أنها أصحبت قانونا طبيعيا يسمى بقانون هابل.

لننتقل إلى عالم البشر. من المعروف أنه لا توجد قوانين عامة ودقيقة تحكم سلوك البشر على غرار ما نجده في الفيزياء. فالبشر هم نظام معقد جدا، وكل إنسان هو حالة معقدة بذاتها، وفيه متغيرات كثيرة جدا وبعضها مجهول. لذلك لا يمكننا دراسة تلك المتغيرات كلها وإيجاد علاقات دقيقة -أو قوانين- بينها. فلا يوجد قانون عام يتنبأ بمزاج البشر في وقت ومكان محدد، كما هو الحال في الفيزياء وقانون الجاذبية الذي يمكن بناء عليه أن نحسب مقدار الجاذبية بين جسمين.

عموما، قد يتغير الحال في هذا الزمن! فالبيانات كما ذكرنا (قد) تحمل في طياتها "قوانين". ونحن نعيش في عصر أصبحت فيه أجهزتنا الذكية مصدرا لتوليد البيانات عن كل واحد منا. بيانات عن كل حركاتنا وسكناتنا واختياراتنا وأذواقنا وغير ذلك. وفي هذه البيانات كنز للمتخصصين. وهذا الكنز قد يقود في يوم ما إلى توليد قوانين خاصة بكل واحد منا.. حتى وإن لم تكن قوانين مباشرة، فربما تتمكن بعض الأجهزة والبرامج مستقبلا من التنبؤ بمعظم ما سيفعله الواحد منا من حركات وقرارات وغيرها؛ إذا كانت بياناتنا مكشوفة لذلك الجهاز أو البرنامج.

لم تختلف قيمة البيانات في السابق عن وقتنا الحاضر. وإنما الفرق يكمن في كثرة مصادر البيانات وطرق توليدها، وكثرة البيانات نفسها. ومع هذه الكثرة، تأتي قوة جديدة. فمن يملك البيانات اليوم، يملك معرفة عظيمة!
صحيفة الرياض

أضيف بتاريخ :2017/06/01

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد