آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
عبد الباري عطوان
عن الكاتب :
كاتب وصحفي سياسي فلسطيني رئيس تحرير صحيفة رأي اليوم

لماذا تحولت الشروط إلى “شكاوى” في الأزمة القطرية؟

 
عبد الباري عطوان

في البداية كانت “شروط” ثم تحولت إلى “مطالب”، والآن استقر الأمر على “شكاوى”، من قبل الدول الأربع التي قطعت العلاقات مع دولة قطر، وهي السعودية والإمارات والبحرين ومصر.

الجديد الآخر في هذه الأزمة، القول بأن هذه الشروط أو المطالب أو الشكاوى ستقدم إلى “واشنطن”، حسب ما قال السيد يوسف العتيبة، سفير دولة الأمارات في العاصمة الأمريكية، في تصريحات صحافية وردت على لسانه، مما يوحي أن واشنطن دخلت على خط الوساطة، وربما تكون حلت محل الكويت.

قبل أسبوع، بل ومنذ بداية الأزمة، كان الحديث الرائج في وسائل الإعلام، وعلى السنة المسؤولين في الدول الأربع المحاصرة (بكسر الصاد) لدولة قطر يتمحور حول عشرة شروط يجب أن تلتزم بها دولة قطر قبل الدخول في الحوار حول المصارحة، ولكن لم يتم نشرها رسميا، الأمر الذي دفع الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، وزير الخارجية القطري، إلى القول بأن بلاده مستعدة لبحث أي طلبات “إن وجدت”، إلا أن دولة قطر لم تحصل على أي طلبات حتى الآن، وربما هذا ما دفع السيد عادل الجبير، وزير الخارجية السعودي إلى القول بعد اجتماعه مع نظيره البريطاني بوريس جونسون في لندن أمس أن بلاده تعمل على إعداد قائمة بـ”الشكاوى” ضد قطر في غضون اليومين القادمين.
***
مصادر خليجية أكدت لصحيفتنا “رأي اليوم” أن هذه المطالب، أو الشكاوى، أو الشروط، (سموها كما شئتم) يمكن تلخيصها في النقاط التالية:

أولا: اعتذار دولة قطر رسميا، وعلى لسان أميرها الشيخ تيم بن حمد آل ثاني، لجميع الدول الخليجية عما بدر من قناة “الجزيرة” من إساءات، وعلى أن يتم إغلاقها فورا.

ثانيا: قطع جميع العلاقات، ووقف التمويل لحركة “الإخوان المسلمين” المصرية، وإبعاد كل عناصرها الموجودة في الدوحة، وقطع كل أشكال التمويل المالي، المباشر أو غير المباشر، لأذرعها السياسية والإعلامية في الخارج، خاصة في اسطنبول ولندن.

ثالثا: إغلاق جميع الشبكات والمواقع والصحف التي أسستها قطر باسم شركات أو أشخاص لتكون واجهات بديلة للإعلام الرسمي القطري، ومن بينها محطات تلفزة، وهناك قائمة كاملة بالأسماء.

رابعا: قطع العلاقات السياسية مع إيران، وإعطاء توجيهات للإعلام القطري بالتعاطي معها كدولة راعية للإرهاب أسوة بمحطات خليجية أخرى، وخاصة “العربية” و”سكاي نيوز″.

خامسا: قطع العلاقات كليا مع كل من “حزب الله” و”حركة حماس″ باعتبارهما “إرهابيتين”، وأن كانت هناك تراجعات بشأن الأخيرة، أي حركة “حماس″، إثر وساطة من قبل الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي.

سادسا: عدم استقبال دولة قطر لأي معارضين للدول الخليجية على أراضيها، أو تجنيسهم، وتسليمهم فورا إلى سلطات بلادهم، وقد سلمت الحكومة القطرية المعارض السعودي محمد العتيبي وأسرته إلى السلطات السعودية قبل أسبوعين.

سابعا: إغلاق مراكز ومعاهد بحثية تمولها دولة قطر، وتتخذ من الدوحة مقرا لها، وكذلك إغلاق مراكز ومعاهد مماثلة في الخارج.

ثامنا: تعهد دولة قطر بعدم اتخاذ أي مواقف سياسية تتعارض، أو تلحق ضررا بدول خليجية أخرى.

تاسعا: عدم الدخول في أي تحالفات سياسية أو عسكرية مع دول إقليمية يمكن أن تتعارض مع المصالح الإستراتيجية لدول الخليج، في إشارة إلى تركيا وإيران.

عاشرا: تطبيع العلاقات مع السلطات المصرية، ووقف أي حملات إعلامية ضدها.

تبدو هذه الشروط قاسية جدا، وربما يكون من الصعب على دولة قطر القبول بها، أو معظمها، لأنها تعني التنازل كليا عن سيادتها، والتحول إلى دولة “منزوعة الدسم” دون أي مخالب أو قرار سياسي مستقل، وهناك من يجادل بأن أمريكا لم تفرض مثلها على الرئيس العراقي صدام حسين أثناء مفاوضات خيمة صفوان على الحدود الكويتية العراقية بعد إخراج القوات العراقية من الكويت بالقوة عام 1991، فالأمريكان لم يشترطوا على الطرف العراقي تغيير أيديولوجية، أو من يصادق ومن يعادي، وذهب البعض لدرجة القول بأن هذه الشروط العشرة تعني تغيير النظام بطريقة التفافية.

المطلوب فعلا تغيير النظام في قطر، سواء بتغيير رأسه، أو بتغيير مواقفه وسياساته، والدكتور أنور قرقاش، وزير الدولة الإماراتي قالها بصراحة في أحد تغريداته “نحن لا نريد تغيير النظام وإنما تغيير سياساته”، ولا يمكن الفصل بين الاثنين، فالنظام القطري سيكون مثل “خيال المآتة” (Scare Crow)  بدون سياساته الحالية “المشاغبة”.

المروجون لهذه الشروط يقولون أنها تمثل سقفا أعلى لا يمكن التنازل عنه في ظل انعدام الثقة بالنظام القطري، ولكن كون المربع السعودي الإماراتي البحريني المصري، قبل الوساطة والحل السياسي للازمة، بعد حدوث الانقلاب في الموقف الأمريكي لمصلحة الدفاع عن قطر بعد توقيع صفقة الطائرات المقاتلة من قبل وزير دفاعها، فأن هذا ربما يعني وجود استعداد لتخفيض سقف هذه الشروط والمطالب في أي حوار تفاوضي قادم.
***
الدول الأربع ربما تملك حجة قوية في إصرارها على عدم ثقتها بالسلطات القطرية بسبب عدم تنفيذها بنود اتفاق عام 2014، ولكنها في تقديرنا أخطأت عندما فرضت حصارا غذائيا على دولة قطر بإغلاقها الحدود البرية والموانيء، لأن 80 بالمئة من واردات قطر من الغذاء تأتي عبر هذه المنافذ، رغم تسليمنا بأن قطر تستطيع إلغاء هذا الحصار لامتلاكها أسطول ضخم من الطائرات العملاقة، للشحن أو نقل الركاب يزيد تعدادها عن 300 طائرة، فجميع الحصارات التي جرى فرضها في التاريخ الحديث استثنت جانب الغذاء، باستثناء حصارين، الأول في غزة والثاني في اليمن، ومن المؤلم أن قطر بحكم عضويتها في التحالف العربي و”عاصفة الحزم” شاركت في الثاني.

التطور الأهم واللافت في هذه الأزمة، أن الدول الأربع، والسعودية على وجه الخصوص، خسرت الكثير من قوتها الناعمة، ويتمثل هذا بوضوح في عدم تجاوب حكومات كثيرة في دعوتها لهذه الحكومات في الاصطفاف خلفها وقطع العلاقات مع قطر، واقتصر هذا التجاوب على أربع دول فقط هي، موريتانيا واريتريا وجزر القمر واليمن، بينما جاملتها بعض الدول بتخفيض العلاقات، مثل الأردن وجيبوتي.

الأمر المؤكد أن قطر ستخرج الخاسر الأكبر من هذه الأزمة لأن خصومها نجحوا جزئيا أو كليا بإلصاق تهمة الإرهاب بها، وحاصروها سياسيا واقتصاديا، ووضعوها في موقع الدفاع عن النفس، ولكن الطرف الآخر لم يخرج منتصرا الانتصار الذي كان يتطلع إليه، وهو الاستسلام الكامل لمطالبه، حتى الآن على الأقل.

الأزمة مستمرة على أي حال، وما زال من الصعب إطلاق أحكام نهائية قاطعة، والمفاجآت واردة في جميع الأحوال، وسنستمر في المتابعة والانتظار.

صحيفة رأي اليوم

أضيف بتاريخ :2017/06/18

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد