آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
عبد الباري عطوان
عن الكاتب :
كاتب وصحفي سياسي فلسطيني رئيس تحرير صحيفة رأي اليوم

أزمة الخليج تقلب المعادلات الفلسطينية رأسا على عقب..


عبد الباري عطوان

أخيرا.. اعترفت حركة “حماس″ بإجراء لقاءات، والتوصل إلى اتفاقات، مع خصمها “السابق” النائب محمد دحلان، وجاء هذا الاعتراف على لسان السيد خليل الحية، عضو مكتبها السياسي أثناء حوار مع صحافيين في “الملتقى الإعلامي”، ونجزم بأن هذه اللقاءات هي التي تقف خلف تراجع السيد عادل الجبير، وزير الخارجية السعودي عن إلصاق تهمة “الإرهاب” بالحركة، وعدم ذكرها في القائمة التي أصدرتها السعودية وحلفاؤها في الإمارات والبحرين ومصر، وضمت أسماء 59 شخصية ومؤسسة، مصادر فلسطينية عالية المستور أكدت لنا أن هذه اللقاءات بين وفد حماس بقيادة يحيى السنوار، ووفد تيار دحلان تمت في بيت الأخير في القاهرة، وحضرها من جانب “حماس″ الدكتور موسى أبو مرزوق، ومن جانب دحلان، حضوره شخصيا ومساعده الأبرز سمير المشهروي.
***
هناك عدة نقاط رئيسية يمكن التوقف عندها في اللقاء المطول للسيد الحية:

الأولى: تأكيده أن اللقاء الأخير الذي أجراه وفد الحركة مع المسؤولين المصريين كان من أفضل اللقاءات حيث وعدت مصر بتخفيف المعاناة عن سكان قطاع غزة، وفتح معبر رفح بشكل منتظم، وفتح معبر تجاري لنقل البضائع من والى القطاع.

الثانية: إعلان حركة “حماس″ موقفا حياديا تجاه الأزمة الخليجية الراهنة، وقال السيد الحية “نريد علاقات متوازنة مع الجميع لأننا لسنا جزء من هذه الأزمة وتم حشرنا فيها”، وهذا يعني “عمليا” عدم الوقوف في خندق قطر التي دعمت الحركة طوال السنوات الماضية، واستيعابها دروس الأزمة السورية، وحرصها على عدم تكرار الأخطاء السابقة.

الثالثة: وصف السيد الحية العلاقات مع إيران بأنها “مستقرة وجيدة ونسعى إلى تطويرها، ونثمن الجهود الإيرانية التي قدمت دعما للقضية الفلسطينية”، وهذا مؤشر على تقارب وشيك ومتصاعد مع إيران.

الرابعة: تأكيد السيد الحية على أن حركته، تنخرط حاليا في حوارات متعددة مع كل الأطراف والفصائل لتشكيل جبهة “إنقاذ وطني”، وهذا قد يفسر على أن هذه الجبهة قد تكون بديلا، أو كيانا موازيا لمنظمة التحرير الفلسطينية.

الخامسة: أن كل هذا الانفتاح الإماراتي المصري السعودي المفاجيء يهدف إلى تجريد دولة قطر من الورقة الفلسطينية كليا، وعدم إظهارها بمظهر الذي يتعرض للحصار بسبب دعمها لحركة “حماس″ التي تقود المقاومة، ويبدو أن هذه الخطة نجحت، الأمر الذي شكل إحراجا للقيادة الحمساوية في الدوحة، وخالد مشعل بالذات، الذي عارض التقارب مع دحلان مجاملة لقطر.

ما يمكن استخلاصه من الدراسة المتأنية لهذه النقاط الأربع أن دولة الإمارات العربية المتحدة، ربما تحتل مكان قطر في دعم القطاع ماليا واقتصاديا عبر بوابة النائب دحلان أولا، والبوابة المصرية الأعرض، والأكثر أهمية ثانيا، ويترسخ لدينا اعتقاد بأن الحركة ستقدم “مكافآت” أمنية “دسمة” للطرف المصري في المقابل، إبرزها تأمين كامل للحدود، وإغلاق كل الأنفاق، وعدم حفر أي أنفاق جديدة، وتسليم 17 مطلوبا من مقاتلي “ولاية سيناء” التابعة لتنظيم “الدولة الإسلامية”، وعلى رأسهم السيد المنيعي الذي تؤكد السلطات المصرية أنه موجود في القطاع حاليا.

هذا التنسيق بين حركة حماس وتيار النائب دحلان الفتحاوي المنشق، يعني إعلان القطيعة مع السلطة في رام الله ورئيسها السيد محمود عباس، وتبلور استقلالية القطاع ككيان مستقل عن الضفة الغربية، أو كـ”إمارة الأمر الواقع″.

الرئيس عباس يعيش حالة من التهميش غير مسبوقة، وهذا التفاهم “الحمساوي الدحلاني” سيزيده عزلة وتهميشا، لأنه مرشح لكي يكون الحليف الفلسطيني للمحور السعودي الإماراتي البحريني المصري، الذي كان الرئيس عباس يراهن عليه ودعمه السياسي والمالي.

الرئيس عباس لا يكن الكثير من الود لقطاع غزة، وارتكب خطأ تاريخيا واستراتيجيا بتعزيز، أو بالأحرى، تكريس انفصاله عن الضفة الغربية عندما اتخذ قرارا “تمييزي الطابع″ بخصم 30 بالمئة من رواتب موظفي السلطة في القطاع، وهدد، وما زال، بعدم تسديد ثمن دفعات وقود محطة الكهرباء اليتيمة في قطاع غزة، وتحريض إسرائيل على قطع الكهرباء، حسب ما ذكرت صحف إسرائيلية عديدة.

معلومات مؤكدة كشفت لنا أن الرئيس عباس كان يدفع باتجاه انفلات الأوضاع في قطاع غزة، وعودة الصواريخ مجددا، الأمر الذي سيستفز إسرائيل ويدفعها إلى حرب ساحقة في القطاع تقضي على حماس نهائيا ودفعه واحدة، ولكن رهانه كان خاسرا هذه المرة مثل مرات سابقة.

الرئيس عباس اتخذ هذه الإجراءات اعتقادا منه أنه يعاقب حماس، ويدفع سكان القطاع إلى الثورة ضدها وأدارتها، ولكنه في واقع الحال كان يعاقب “شعبه” الجائع المحاصر، ويدفع بحركة “حماس″ بقوة تجاه عدوه اللدود النائب دحلان، مما يؤكد أنه، أي الرئيس عباس، لا يملك وضوحا في الرؤية السياسية، ولا يستشير أحدا في قراراته هذه التي تتسم بالتخبط والعناد وقصر النظر.
 
***
هناك اتهامات بأن الرئيس عباس يريد انفصال قطاع غزة عن الضفة الغربية، وأن التقارب “الحمساوي الدحلاني” حقق له هذه الأمنية، وربما يكون الحال كذلك، ولكنه، أي الرئيس عباس، سيكون رئيسا “اكتعا”، ولن يستطيع التحدث باسم الشعب الفلسطيني كممثل له في أي اتصالات أو حلول سياسية، فعدد أبناء القطاع، داخل الأراضي الفلسطينية أو في المنافي يصل إلى خمسة ملايين نسمة، أي نصف الشعب الفلسطيني تقريبا، واستبعاد هذا النصف يضر بالرئيس عباس مثلما يشكل كارثة على الشعب الفلسطيني وقضيته.

السؤال الذي يطرح نفسه عن موقف إسرائيل أولا، والشعب الفلسطيني ثانيا، من هذه التطورات المتسارعة؟

إسرائيل خسرت قطاع غزة وتريد “تشريع″ انفصاله عن الضفة الغربية، حتى تتفرغ لتكريس احتلالها واستيطانها للضفة، وستلعب السلطة وقواتها الأمنية (40 إلف عنصر) دورا امنيا متزايدا في هذا الصدد، ومضاعفة رهانها على “التعايش” مع إسرائيل.

الشعب الفلسطيني، خاصة في قطاع غزة، جرى إيصاله إلى مرحلة “ما بعد الجوع″، أي اليأس الكامل، والبحث عن حلول لمعاناته المعيشية، وإيجاد الطعام والعلاج والتعليم لأطفاله، بسبب الحصار الخانق الذي بدأ يعطي ثماره المرة، على غرار المرحلة نفسها التي عاشها هذا الشعب بعد صدمة نكبة عام 1948 التي استمرت حوالي عشرين عاما، ثم انطلقت الثورة بعدها.

لا نعني بهذا التوصيف أن المرحلة الحالية ستدوم 20 عاما من السكون، والاستسلام للواقع، فربما تكون مرحلة انتقالية لصعود حركات مقاومة أكثر شراسة من حركة “حماس″ وحركة فتح قبلها، فالأراضي الفلسطينية لا يمكن أن تقبل بحالة “فراغ المقاومة”، وسيأتي البديل المقاوم في فترة قصيرة، سواء من رحمي “حماس″ و”فتح”، أو من الفصائل الأخرى التي تؤمن بالمقاومة وتمارسها، وعلى رأسها حركة “الجهاد الإسلامي”.. والأيام بيننا.

صحيفة رأي اليوم

أضيف بتاريخ :2017/06/19

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد