آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
محمد النوباني
عن الكاتب :
كاتب سعودي

اليمن في زمن الكوليرا جنود الطغيان برهان نهايته


محمد النوباني

تقول إحدى الروايات التاريخية بأن الملك عبد العزيز آل سعود عندما شعر بدنو أجله جمع أبناءه وقال لهم انتبهوا جيدا فأن الخير يأتيكم من اليمن في حين أن الشر يأتيكم من هناك أيضا.

وبالفعل فأن اليمن كانت على الدوام محط اهتمام بالغ من قبل نظام الحكم في السعودية التي خاضت هناك عدة حروب , واحتلت بعد أحداها في العام 1934 كل من عسير ونجران وجيزان وضمتها إلى ممتلكاتها.

وقد يكون حكام السعودية شعروا في مطلع العام 2015 بأن تنامي قوة حركة أنصار الله الحوثية , بأن ذالك سيشكل خطرا على أمن ومصالح السعودية ,ولذالك فقد فكروا في تصفيتهم قبل أن يستحفل خطرهم , والسيطرة على اليمن .

وغني عن القول بأن مثل هكذا تفكير لم يكن ليتحول إلى حقيقة في 15/3/2015 لولا أن السعودية أخذت ضوءا أخضرا أمريكيا لشن الحرب حيث تلاقت مصالح الطرفين وأنتجت الحرب .

فالولايات المتحدة ومعها إسرائيل كان لهما مصلحة في هزيمة القوى اليمنية المتمسكة بعروبة البلاد وبمشروع المقاومة في المنطقة العربية , وإبعاد إيران عن المشهد اليمني .

ولذالك فأن ادعاء حكام السعودية بأنهم شنوا الحرب على اليمن من أجل سواد عيون عبد ربه منصور هادي , وشرعيته المزعومة لا أساس له من الصحة بقدر ما له علاقة بمخطط أمريكي – إسرائيلي للسيطرة على اليمن , لأن بقائه موحدا وقويا سيشكل خطرا على مصالحها الإستراتيجية في مضيق باب الندب الذي يتحكم بحركة الملاحة في قناة السويس وتمر من خلاله 6,7% من مجمل التجارة العالمية وكذالك 7%من الملاحة العالمية.

لقد اعتقد الذين شنوا الحرب خدمة لمصالحهم الطبقية الضيقة ومصالح القوى الأجنبية المؤيدة لهم أن الحرب ستكون عبارة عن نزهة تستغرق عدة أيام أو عدة أسابيع على أبعد تقدير وتنتهي برفع الشعب اليمني وقواه المتمسكة بعروبة اليمن للرايات البيضاء لتدخل جحافلهم إلى صنعاء وينتهي الأمر .

ولكن المعتدين فوجئوا بصمود أسطوري من قبل جماعة أنصار الله وقوات الرئيس السابق علي عبد الله صالح ,من أفشل كل حساباتهم ودفعهم لاستخدام قوة عسكرية مفرطة تحديدا من الجو مما أدى إلى سقوط آلاف الشهداء وعشرات الآلاف من الجرحى معظمهم من المدنيين ودفع حتى الذين ضللتهم السموم المذهبية والطائفية السعودية في البداية إلى تعديل موقفهم والالتفاف حول الجيش واللجان الشعبية والاشتراك معهم في مقاومة العدوان.

بل وأكثر من ذالك فقد انقلب السحر على الساحر وتمكنت قوات الشعب اليمني من الانتقال سريعا ,ورغم القصف الجوي العنيف من الدفاع إلى الهجوم ونقلت المعركة من اليمن إلى داخل الأراضي السعودية واحتلت أجزاء من مدن ومواقع عسكرية استقرت فيها , ناهيك عن قصف مدن واقعة في العمق السعودي بصواريخ بالستية بعيدة المدى طورت بجهود يمنية أثناء الحرب مما افقد المعتدين صوابهم ودفعهم إلى المزيد من قتل المدنيين الأبرياء في اليمن.

وقد أدت مشاهد القتل وتحديدا للنساء والشيوخ والأطفال اليمنيين بدم بارد , وبشكل يندى له  جبين البشرية , ومعه انتشار الأمراض والأوبئة الفتاكة , والمجاعة على نطاق واسع إلى سقوط أي مبرر أخلاقي لتلك الحرب العدوانية , مما أوقع السعودية في ورطة حقيقية وأزاح عن شاشات التلفزة السعودية والموالية لها صورة اللواء أحمد عسيري مستشار وزير الدفاع السعودي الذي كان يتبجح يوميا في بداية الحرب بتقديم اجاز صحفي يومي , على طريقة التاطقين الأمريكيين قي حرب الخليج الثانية , لأنه لم يتبق لديه ما يقوله بعد أن تحولت الانجازات العسكرية الدينكوشيتية إلى صور مفزعة لمناظر قتلى مدنيين في البيوت وصالات الأفراح وغيرها .

إن الهمجية المفرطة والمتمثلة في تدمير المصانع والمعامل والورش والبنى التحتية ومحطات ضخ المياه والصرف الصحي , قد أدت إلى تعطل الحياة المدنية في اليمن في حين أدى تلوث مياه الشرب إلى انتشار وباء الكوليرا على نطاق واسع( أكثر من 160 ألف إصابة وأكثر من ألف حالة وفاة حتى الآن , والحبل على الجرار ).

ولعل المضحك المبكي في هذا السياق أن الذين يقتلون اليمنيين بالسلاح الأمريكي , ومن خلال الأوبئة والأمراض والتجويع , هم أنفسهم و يتبجحون بإرسال مساعدات دوائية وغذائية لإنقاذ اليمنيين من المرض والجوع , ناسين أو متناسين أنهم هم المسؤولون عن كل ما يحدث في اليمن من مصائب وإزهاق للأرواح البريئة .

إن ما يقومون به من حركات بهلوانية يعيد إلى الأذهان ما كانت تقوم به الولايات المتحدة الأمريكية من إلقاء للمساعدات على ضحايا الحروب والمجاعات التي كانت تتسبب بها هي لكي تحجب الأنظار عن جرائمها المرتكبة بحق الشعوب المستضعفة وتظهر أمام العالم وكأنها حمل وديع لا هم له إلا التخفيف عن عذابات المستضعفين .

ولكن الذي لا يدركه أولئك المقلدون للنموذج الأمريكي القائم على قتل الناس والمشي في جنازاتهم , أنه حين تحن لحظة الحقيقة ويهزم المعتدون ويولون الدبر وهذا أمر حتمي , فأن أول من سيتخلى عنهم ويتنصل من جرائمهم , رغم أنه مشارك فيها هم الأمريكيون .

فأمريكا لها تاريخ طويل في التخلي عن إتباعها والتنصل من أفعالهم , عندما تقع الواقعة , ويصبح هنالك مسوغات لتحويلهم إلى محكمة الجنايات الدولية جراء  ما ارتكبت أيديهم من جرائم ضد الإنسانية , كما يحصل اليوم في اليمن .

انتهى

وهنا رغم قناعتي بأن ما سأقوله شبه مستحيل فأنه لا يزال أمام العقلاء في النظام السعودي متسع من وقت لإعادة النظر في منهجهم ووقف الحرب على اليمن فورا خاصة بعد الفشل الذريع الذي مني به المشروع السعودي في سوريا ومؤخرا في الأزمة مع قطر , لأن الرهان على أمريكا لإنقاذهم , هو رهان خاسر لأن المعيار الوحيد لدى واشنطن هل بمقدور هذه الدولة أو تلك الاستمرار في خدمة المصالح الأمريكية أم لا؟

وإذا كان الجواب لا وهو لا في هذه الحالة , فأنه سيصار إلى استبدالهم بحكام آخرين أكثر قبولا من شعبهم ومن المجتمع الإقليمي والدولي وعندما لا ينفع الندم.

صحيفة رأي اليوم

أضيف بتاريخ :2017/06/21

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد