آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
عادل السعيد
عن الكاتب :
ناشط حقوقي، عضو في المنظمة الأوروبية لحقوق الأنسان

كيف عبَّد سلمان طريق العرش السعودي لابنه؟


عادل السعيد

تجريد ولي العهد السعودي ووزير الداخلية محمد بن نايف من كافة مناصبه دفعة واحدة(ولي العهد، نائب رئيس مجلس الوزراء، وزير الداخلية، رئيس مجلس الشؤون السياسية والأمنية) في 21 يونيو 2017، وهو الرجل الذي ارتبطت نفوذه وسطوته بوزارة الداخلية(الدولة العميقة في السعودية، وتركة أبيه نايف التي بناها منذ 1975 إلى غاية وفاته 2012)، يعيد للذاكرة عزل ولي العهد السابق مقرن بن عبد العزيز من منصبه في تاريخ 29 إبريل 2015. وبذلك يكون عهد سلمان بن عبد العزيز هو العهد الذي أطاح باثنين تم تعيينهما في منصب “ولاية العهد” في غضون سنتين وشهرين فقط. لم يحدث مثل هذا على الإطلاق في تاريخ الدولة السعودية الحالية، بعد إطاحة مجموعة من أبناء عبد العزيز بأخيهم الأكبر “سعود” في تاريخ 1 نوفمبر 1964، جراء خوفهم من تحويله لشكل نظام الملك في السعودية من أفقي إلى عمودي، من أجل حصره في أبنائه وأحفاده.

كانت التعيينات في المناصب المهمة في السعودية كولاية العهد تتسم بالروية، نظرا لحساسيتها بين أفراد أسرة آل سعود، ولعدم إرادتهم “الحط” من “هيبة” المنصب الثاني في الدولة بكثرة التعيينات والعزل. في 27 مارس 2014 قام عبد الله بن عبد العزيز الملك السعودي السابق بتعيين أخيه مقرن بن عبد العزيز وليا لولي العهد، ليكون بذلك أول أمير يتسنم زمام هذا المنصب الجديد (المبتكر). بعد وفاة الملك السابق عبد الله بن عبد العزيز، ووصول سلمان بن عبد العزيز للملك(23 يناير 2015)، ومضي ثلاثة أشهر فقط، تم عزل مقرن بن عبد العزيز من منصب ولاية العهد في 29 إبريل 2015، وتعيين محمد بن نايف بديلا عنه، ومحمد بن سلمان وليا لولي العهد.

على الرغم من كون محمد بن نايف يمتلك نفوذا قويا في السعودية(نفوذ ورثه من أبيه في وزارة الداخلية بناه له في 37 عاما)، علاوة على مناصب أخرى حصل عليها بعد مجيء سلمان للعرش وعزل عمه مقرن بن عبد العزيز، إلا أن عزله من كافة مناصبه صباح يوم الأربعاء 21 يونيو، لم يشكل مفاجأة كبيرة بعد عدة قرارات اتخذها الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز-بمعيّة ابنه- لتقليص نفوذه وصلاحيته من أجل إيصال “محمد بن سلمان” لمنصب ولي العهد، كمقدمة لتخليه عن العرش لحسابه في الفترة القادمة، كما يتوقع الكثير من المراقبين للشأن السعودي.

ما قام به الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز لإيصال ابنه لهذا المنصب، هو عينه ما أراد فعله الملك السابق عبد الله بإيصال ابنه ( متعب )، إلا أن موته قبل اكتمال الخطوات التي بدأها بإزاحة أخوانه من طريقه، وافتقاده للجرأة و”الحزم” المطلوبين، هو الذي أفشل الأمور التي قام بها. يرى الكثير من المتابعين، أن سلمان استفاد من تجربة عبد الله، والخطوات التي قام بها، خصوصا إطاحته ببعض الأمراء، مثل، وزير الداخلية السابق أحمد بن عبد العزيز الذي كان مرشحا للوصول للعرش.

نستطيع القول أن عهدي عبد الله وسلمان ابني عبد العزيز، اتّسما بتعيينات وإعفاءات كثيرة من أجل الهدف ذاته(كلا منهما يريد إيصال ابنه للعرش)، وذلك يعكس الصراع “المحتدم” على “الْمُلْك” داخل الأسرة، ويعكس وجه الاستبداد السعودي، والصلاحيات الواسعة التي يمتلكها الملك، والتي من خلالها يستطيع ابتكار مناصب جديدة متى يشاء، وبإمكانه تغيير النظام الأساسي للحكم وتفصيله على “مقاسه”، أو مقاس″ابنائه” دون أن يكون للمواطنين رأي في ذلك.

في الوقت الراهن يعتبر ولي العهد الجديد محمد بن سلمان-من حيث الصلاحيات- أكثر ولاة العهد قدرة ونفوذا. فللمرة الأولى يمتلك وليا للعهد هذا العدد من المناصب الحساسة والمهمة(ولي العهد، نائب رئيس الوزراء، وزير الدفاع، رئيس مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية، رئيس المجلس الأعلى لشركة أرامكو)، فضلا عن مناصب أو مؤسسات  يمتلكها أخوانه أو شخصيات مقربة منه. من ضمن ذلك، جهاز الأمن الوطني المربوط بالديوان الملكي، الذي تم تأسيسه في 22 أبريل 2017.

استئثار محمد بن سلمان بمناصب عديدة وصلاحيات واسعة، إضافة إلى حدة القمع التي طالت الكثير من أصحاب الرأي والإصلاحيين والنشطاء منذ إمساك أبيه بالعرش السعودي، وخلو رؤيته(رؤية 2030) من بنود لتحسين حالة حقوق الإنسان(مشاركة سياسية، حرية التعبير، تسهيل إنشاء مؤسسات المجتمع المدني)، تجعل الكثير من المراقبين للشأن السعودي، والمهتمين لمجال حقوق الإنسان، لا يتفاءلون بالتعيينات والتغييرات الجديدة التي شملت تغيير اسم “الادعاء العام” إلى “النيابة العامة” في 17 يونيو، وربطها بالملك، بدلا من ربطها بالسلطة القضائية. مجموع التغييرات التي حصلت بعد عزل مقرن بن عبد العزيز إلى يوم 21 يونيو 2017، تجعل أغلب الصلاحيات في يدي سلمان بن عبد العزيز وابنه محمد ولي العهد.

بحسب السلوك المتبع لدى ملوك السعودية، والصلاحيات الواسعة التي يتمتعون بها، وإمكانياتهم شبه المطلقة للتغيير والإضافة في الأنظمة، على الأرجح أن الفقرة التي تم تعديلها في النظام الأساسي للحكم بإضافة العبارة التالية:”ولا يكون من بعد أبناء الملك المؤسس ملكاً وولياًً للعهد من فرع واحد من ذرية الملك المؤسس″، من أجل طمأنة الفروع الأخرى من أبناء عبد العزيز، سيتم إعادة تفصيلها- فقرة النظام الأساسي للحكم- على “مقاس″ محمد بن سلمان بعد وصوله لعرش الْمُلْك، بحيث يمكنه توريثه لأحد أبنائه. مع العلم أن سلمان نفسه عمل بخلافها عبر تعيين ابنه وليا للعهد(وهما من فرع واحد)، بخلاف ما تقوله العبارة التي تمت إضافتها في الفقرة المجري عليها التعديل.

صحيفة رأي اليوم

أضيف بتاريخ :2017/06/23

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد