آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
عبد الباري عطوان
عن الكاتب :
كاتب وصحفي سياسي فلسطيني رئيس تحرير صحيفة رأي اليوم

السعودية لا تخوض حربا ضد “الإرهاب”.. واللواء عشقي يبشر ببدء عملية التطبيع “الكامل” مع إسرائيل

 

عبد الباري عطوان

التحالف بين إسرائيل والمملكة العربية السعودية وليس التطبيع فقط، هو عنوان المرحلة المقبلة والوشيكة، والحرب الحالية ليست حربا على الإرهاب، وإنما على “الإعلام الحر” الذي يمكن أن يتصدى إلى هذه الخطوة ويكشف مراميها، وكل ما يتفرع عنها من خطوات أخرى، ولذلك فأن المطالبة بإغلاق قناة “الجزيرة” هو العنوان والذريعة لا أكثر ولا أقل.

ما ورد في مقابلة اللواء أنور عشقي الخطيرة مع قناة “دوتشيه فيلة” الألمانية يوم أمس، يفسر الكثير من الأمور التي غابت عن ذهن الكثيرين، وأبرزها، هذا الإصرار على نقل السيادة على جزيرتي “تيران” و”صنافير” إلى المملكة العربية السعودية وفي أسرع وقت ممكن.

اللواء عشقي أكد في المقابلة “أن السعودية بعد تسلمها السيادة على الجزيرتين ستتعامل مع اتفاقية كامب ديفيد التي لم تعد اتفاقية مصرية إسرائيلية”، وعزلت مصر عن العالم العربي والقضية الفلسطينية، وأدت إلى فتح سفارة إسرائيلية في قلب القاهرة.

وأضاف اللواء عشقي، عراب التطبيع مع دولة الاحتلال الإسرائيلي، “أن اتفاق ترسيم الحدود جعل الجزيرتين داخل حدود المملكة، ومصر والسعودية ستشتركان في السيطرة على الممر البحري الذي تمر منه السفن الإسرائيلية، والمملكة ستنسج علاقة مع إسرائيل”.
***
صحيح أن اللواء عشقي قال أن تطبيع المملكة مع إسرائيل سيأتي بعد قبول الأخيرة بمبادرة السلام العربية، ولكنه تحدث في الوقت نفسه عن مبادرة سلام إسرائيلية “تجبّ” هذه المبادرة، ومن أبرز بنودها، على حد قوله، قيام كونفدرالية تربط الأراضي المحتلة، دون أن يحدد بمن، وتأجيل البحث في قضية القدس.

اللواء عشقي أكد في المقابلة نفسها، واعذرونا عن نقل الكثير من فقراتها، أكد ما قاله بنيامين نتنياهو أكثر من مرة، وهو أن المملكة العربية السعودية لا تعتبر إسرائيل عدوا عندما قال، أي اللواء عشقي، “لو نظرنا إلى تغريدات وتعليقات أبناء الشعب السعودي على وسائل التواصل الاجتماعي نجد أنهم يقولون أن إسرائيل لم ترتكب عدوانا واحدا على المملكة العربية السعودية أي أنها ليست عدوا”، وأشار إلى أنهم مع التطبيع معها.

اللواء عشقي ليس صانع سياسات، وإنما يقول ويروج لما يملى عليه، وهو الذي اختير بعناية لهذه المهمة، وإذا أردنا فهم أقواله هذه، والأهداف التي يتطلع إلى تحقيقها، وملامح مخطط التطبيع الجديد والمتسارع، ما علينا إلا أن نقرأ تصريحات أفيغدور ليبرمان، وزير الأمن الإسرائيلي الحالي، والتي قال فيها “أن التطبيع بين العرب وإسرائيل يجب أن يتم أولا، ثم يتبعه سلام فلسطيني إسرائيلي، لأننا لا نقبل وضعا يكون فيه التطبيع مع الدول العربية رهينة لحل القضية الفلسطينية، فإسرائيل وقعت اتفاقات سلام مع مصر والأردن دون إنهاء الصراع الفلسطيني”.

اللواء كمال عامر رئيس لجنة الدفاع والأمن القومي بمجلس الشعب المصري أكد “أن تسليم جزيرتي تيران وصنافير للسعودية يقضي بتطبيقها اتفاقات كامب ديفيد من قبلها وكل ما يترتب على ذلك من التزامات”.

ما يمكن أن نستخلصه من كل ما تقدم، أن التسريع بإعادة الجزيرتين للسيادة السعودية الهدف الرئيسي منه تسريع التطبيع و”تشريع″ التحالف بين إسرائيل والمملكة العربية السعودية، فالسعودية تملك عشرات الآلاف من الجزر في البحر الأحمر والخليج العربي لا تعرف عددها، وليست بحاجة إلى جزيرتين صخريتين، وغير مأهولتين، وحتى لو كانت بحاجة إليهما، فقد عاشت بدونهما أكثر من 50 عاما، سواء عندما كانت تحت الاحتلال الإسرائيلي، أو تحت الحماية المصرية، ويمكن أن تنتظر، لو أرادت، تأجيل هذه القضية الشائكة عشر أو عشرين أو مئة عام أخرى، لتجنب إحراج الحكومة وغضب الشعب المصري الشقيق معا.

عمليات التمهيد للتطبيع مع دولة الاحتلال الإسرائيلي بدأت وبشكل متسارع من قبل الحكومة السعودية، فبعد زيارات اللواء عشقي “الأكاديمية”، والأمير تركي الفيصل الأمنية، بدأنا نشاهد ظهور “محللين” سعوديين على القنوات التلفزيونية الإسرائيلية، وربما تكون الخطوة المقبلة ظهور وزراء وأمراء.

السعوديون الذين قال اللواء عشقي أنهم يغردون بدعمهم لصداقة إسرائيل، لانها لم تعتد على بلادهم، ويؤيدون التطبيع معها، هؤلاء جنود الجيش الالكتروني السعودي الذي يقدر بالآلاف، ويعمل تحت خيمة المخابرات والمباحث، فالشعب السعودي في غالبيته الساحقة يعارض كل أشكال التطبيع مع دولة الاحتلال من منطلقات دينية وعربية ووطنية وأخلاقية، ولا يخامرنا أدنى شك في ذلك، ولكن إذا كانت تغريدة واحدة تبدي تعاطفا مع دولة قطر، أو تنتقد “رؤية 2030″ تكلف صاحبها السجن 15 عاما، وغرامة ربع مليون دولار، فإننا نفهم الحرب الحالية مع الإعلام الموضوعي والحر الذي ينحاز إلى الحد الأدنى من الحريات.
***
الأمير محمد بن سلمان الذي يقود مسيرة التطبيع والتحالف مع دولة الاحتلال الإسرائيلي زار القدس المحتلة عام 2015، مثلما أكدت صحيفة “هآرتس″ وقنوات تلفزيونية إسرائيلية أخرى، ويعقد لقاءات دورية مع المسؤولين الإسرائيليين، كان آخرها على هامش القمة العربية الأخيرة في عمان.

توماس فريدمان، الصحافي الأمريكي الذي أكد أن حكومة بلاده أخطأت عندما قصفت العراق واحتلته كرد على هجمات الحادي عشر من سبتمبر، وكان عليها أن تهاجم المملكة منبع الإرهاب الحقيقي، وكوفيء على موقفه هذا، بزيارة الرياض بدعوة من حكومتها قبل عام، والتقى معظم المسؤولين فيها، أكد بالصوت والصورة (موقع صحيفة نيويورك تايمز) أنه اجتمع خمس ساعات مع الأمير محمد بن سلمان، ولم يذكر الأمير كلمة فلسطين، أو الصراع العربي الإسرائيلي مطلقا طوال هذا اللقاء، وأتحدى أن يقدم لنا أي أحد تسجيلا للأمير بن سلمان ذكر فيه كلمة فلسطين في جميع لقاءاته المتلفزة.

ندرك جيدا أننا تعرضنا ونتعرض لهجمة شرسة من قبل الجيش الالكتروني السعودي، وبعض أدواته، مثلما ندرك أننا كنا وما زلنا هدفا للحرب السعودية ضد الإعلام، ونتعرض لعملية تشويه شرسة ومتعمدة، لن ترهبنا مطلقا.. وستزيدنا تحديا وانحيازا لقيم أمتنا وعقيدتنا، ولكننا ندرك أيضا أن الجبان يموت مئة مرة، والحر الشجاع يموت مرة واحدة… ونقطة دم شهيدة أو شهيد تسقط من أجل الدفاع عن هذه الأمة وكرامتها، أغلى واشرف من مئات، أن لم يكن آلاف المقالات.. والحياة وقفة عز في نهاية المطاف.. ومن يضحك أخيراً يضحك كثيرا.. والأيام بيننا.

صحيفة رأي اليوم

أضيف بتاريخ :2017/06/29

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد