آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
عبد الباري عطوان
عن الكاتب :
كاتب وصحفي سياسي فلسطيني رئيس تحرير صحيفة رأي اليوم

بعد استعادة المسجد النوري الكبير ومعظم الموصل: أين اختفى البغدادي وأركان قيادته؟


عبد الباري عطوان

استعادة القوات العراقية السيطرة على ركام الجامع النوري الكبير في قلب الحي القديم من مدينة الموصل يعني أن “الدولة الإسلامية” أو داعش، أوشكت على خسارة عاصمتها العراقية، وفي طريقها لخسارة عاصمتها السورية “الرقة”، بالنظر إلى حصارها الخانق وتقدم قوات سورية الديمقراطية المسلحة والمدعومة أمريكيا، ويتشكل معظمها من عناصر كردية.

دولة الخلافة الإسلامية التي أعلن أبو بكر البغدادي قيامها في تموز (يوليو) عام 2014 من على منبر الجامع النوري الكبير، وأحدث بذلك هزة ضخمة في منطقة الشرق الأوسط برمتها، تقترب من نهايتها، وربما تدخل التاريخ الإسلامي كأقصر دولة خلافة إسلامية عمرا، أي أقل من ثلاث سنوات فقط.

يعتقد الكثيرون ان عمليات “تضخيم” و”مبالغة” جرت بشكل متعمد لقوة هذه “الدولة” عسكريا واقتصاديا بما في ذلك حجم الحاضنة الإسلامية لها في العراق خاصة، ونحن نتفق مع هذا الاعتقاد جزئيا، ونتهم الولايات المتحدة بالوقوف خلفه لتبرير خططها لحشد ستين دولة في التحالف الذي أقامته لمواجهتها، تماما مثلما فعلت عندما ضخمت قدرات الجيش العراقي وأسلحة الدمار الشامل التي في حوزته كذريعة لغزو العراق واحتلاله.

الولايات المتحدة عادت إلى العراق وسورية ومنطقة الشرق الأوسط عموما، من نافذة هذه “الدولة”، وأرسلت اكثر من خمسة آلاف جندي إلى العراق تحت غطاء تدريب الجيش العراقي، ومساعدته في محاربتها واجتثاثها من جذورها، واستخدمت هذا “البعبع″ لتغيير النظام للمرة الثانية في بغداد، وإطاحة حكومة رئيس الوزراء نوري المالكي المتهمة بالفساد والطائفية في حينها.
***
هناك سؤالان رئيسيان يطرحان نفسيهما مع تواتر أنباء الخسائر الضخمة لـ”الدولة الإسلامية” في الموصل والرقة: الأول هو حول مصير قياداتها وعلى رأسهم “الخليفة” أبو بكر البغدادي، والثاني يتركز حول خيارات هذه الدولة ومستقبلها.

بالنسبة للسؤال الأول يمكن القول بأن هناك سوء فهم يتعلق بهيكلية قيادة هذه الدولة، بمعنى أن من يديرون شؤونها و”المواطنين” تحت حكمها، ووصل عددهم إلى تسعة ملايين شخص في بداياتها، لم يكونوا مطلقا في الواجهة، ويفضلون أن يكونوا بعيدين كليا عن الأضواء، ومعظم هؤلاء من الوية وعقداء الحرس الجمهوري وأجهزة الأمن العراقية في زمن الرئيس العراقي الراحل صدام حسين الذين “تمشيخوا”، أو تحولوا إلى الإسلام السياسي المتشدد، وباستثناء ثلاثة شخصيات قيادية هي الخليفة البغدادي، وأبو محمد العدناني “وزير الإعلام”، وأبو عمر الشيشاني “وزير الدفاع″، لم يظهر أي من القيادات الأخرى على شاشات التلفزة، أو في الأشرطة التي بثتها “الدولة” على وسائطها الإعلامية، طوال السنوات الثلاث الماضية.

ولذلك من الصعب التعرف على هويات هذه القيادات في حال قتلها في المعارك الحالية باستثناء أبو بكر البغدادي الذي أعلن عن مقتله أو إصابته عدة مرات في السنوات الثلاث الماضية، كما أن مكان تواجد هؤلاء ما زال سرا، ولا نستبعد أن يكونوا قد غادروا، أو معظمهم، إلى مناطق خارج العراق وسورية، دون أن يتعرف عليهم أحد.

أما إذا انتقلنا إلى خيارات التنظيم في حال اجتثاثه من المناطق التي يسيطر عليها في الموصل والرقة خاصة، فيمكن حصرها في ثلاثة خيارات:

الأول: أن يحلّ التنظيم نفسه، ويعترف بالهزيمة، وانهيار دولة خلافته، وهذا خيار مستبعد في نظرنا.

الثاني: أن تنزل عناصر التنظيم وقياداته إلى تحت الأرض في سورية والعراق خاصة، وتلجأ إلى العمل السري، وتركز خصوصا على الإرهاب، وهذا الخيار يظل هو الأكثر ترجيحا والأكثر خطورة.

الثالث: أن ينسحب معظم مقاتلي التنظيم وقياداته الميدانية باتجاه “الولايات” التي تم تأسيسها في السنوات الماضية، أو أخرى بايعت دولة الخلافة وقائدها أبو بكر البغدادي، مثل ولاية سيناء (مصر) وخراسان (أفغانستان)، واليمن، والساحل الإفريقي (بوكوحرام)، والمغرب الإسلامي، وسرت (ليبيا) والقائمة تطول.
***
هناك مؤشرات عديدة تؤكد أن قيادة “الدولة الإسلامية” أدركت، وفي ظل الحصار الخانق الذي كان مفروضا عليها، وتجفيف مواردها المالية، (خسرت 80 بالمئة من دخلها العام وحوالي 100 بالمئة من عوائد النفط والغاز)، وضخامة التحالف المنخرط في الحرب لاجتثاثها، أدركت أنها ستخسر معركة الاحتفاظ بالمدن التي تسيطر عليها، وهرّبت العديد من قياداتها الميدانية إلى “الولايات” الموجودة في الدول الفاشلة لتأسيس مناطق قيادية بديلة، واليمن وليبيا وأفغانستان والساحل الإفريقي على وجه الخصوص.

 هزيمة “الدولة الإسلامية” في الموصل والرقة لا تعني نهايتها، بل ربما انطلاقها في بداية مرحلية جديدة أكثر خطورة، لأنها بذرت بذور عقيدتها المتطرفة بقوة، وفي فترة زمنية قصيرة، وستنقل إمبراطوريتها الإعلامية معها إلى الأماكن القيادية البديلة، بعد أن “تحررت” من أعباء الأعمال الإدارية الباهظة التكاليف ماليا وبشريا.

الحرب ضد هذه “الدولة” لن تنته بسقوط الموصل أو الرقة، وربما تبدأ وبصورة أخرى على أنقاضهما، ولذلك حذار من المبالغة في الاحتفال وتكرار ما حدث بعد سقوط بغداد في أيدي قوات التحالف الأمريكي مع تسليمنا مسبقا بأن الظرف مختلف، والمقارنة ليست في محلها.

صحيفة رأي اليوم

أضيف بتاريخ :2017/06/30

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد