آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
سعد ناجي جواد
عن الكاتب :
كاتب في صحيفة رأي اليوم

رسالة مفتوحة إلى رئيس إقليم كردستان السيد مسعود البارزاني من مواطن عراقي بسيط

 
سعد ناجي جواد

السيد الرئيس ، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اسمح لي أن أخاطبك خطابا هادئا اخويا. ولولا خشية أن يحرضك على شخصي الضعيف بعض من  حولك ممن يحاولون تأزيم الأمور، لخاطبتك بصيغة أخي العزيز والكريم السيد مسعود، ولكني فضلت أن أخاطبك بهذه الصيغة الرسمية كي تعلم باني أكن لك كل الاحترام، مع كل ملاحظاتي على ما يجري في الإقليم ، وإني لا أريد من رسالتي هذه سوى إيصال صوت مواطن عراقي بسيط إليك، راجيا أن تتقبل كلماتي بصدر رحب، كما هو معروف عن شخصك الكريم.
ابتداءا اسمح لي يا سيادة الرئيس أن أقول باني ومنذ بدأت الكتابة عن القضية الكردية في العراق منذ أكثر من أربعة عقود، كنت دائما مدافعا عن الحقوق الكردية المشروعة. وكتاباتي منشورة.  وكنت أقول رأيي هذا بصراحة في كل المحافل التي كنت أتحدث فيها. وإني أصريت على تدريس مادة القضية الكردية على طلبتي في الدراسات العليا في جامعة بغداد، كلية العلوم السياسية أيّام كنت أحد منتسبيها وقبل الاحتلال،  كي اجعل طلابي متفهمين لها وبعيدين عن التعصب تجاهها. وكنت، ولا أزال، اشدد على ضرورة حل الخلافات بين المركز والأحزاب الكردية بالطرق السلمية وبالحوار الهادئ. ولم أكن اذكر اسم والدكم الملا مصطفى إلا وسبقته بكلمة المرحوم، وأنت تعلم ماذا كان يعني هذا في ظل النظام السابق. كما كتبت في التسعينيات مقالا صريحا حول القضية الكردية في جريدة الثورة العراقية، الجريدة الرسمية للدولة والحزب، وتكرم الأخ الدكتور صباح ياسين، الذي كان رئيسا للتحرير ، بنشرها دون حذف أو تعديل. وكان صدى المقالة واسعا بحيث أن إذاعة ألبي بي سي العربية إذاعاتها كخبر أول في نشرتها معتقدة أنها تمثل توجها سياسيا جديدا للحكومة آنذاك، في حين أنها كانت راءا شخصية بحتة. وكان هذا بعد ندوة تلفزيونية من تلفزيون بغداد تحدثت بها بنفس الصيغة. والله يعلم كم عانيت من جراء طروحاتي هذه. وكم هو جمت، وكم عاشت عائلتي في قلق من جراء هذه الآراء . مثلما حصل عندما ألقيت محاضرة عن نفس الموضوع في ندوة للجمعية العراقية للعلوم السياسية في نفس الفترة في فندق بغداد. وكيف أن الهجوم الأكبر على آرائي الصريحة جاء من أخوة أكراد كانوا موالين للحكومة آنذاك، ومن زملاء لي في المهنة. ولم ينقذ الموقف سوى حديث الدكتورة الفاضلة هدى عماش، التي كانت الندوة برعايتها، والتي قالت في ختامها ردا على ما هوجمت به، هذا هو الدكتور سعد الذي نعرفه ونعرف صراحته وإخلاصه للعراق، ونحن نستمع له ونستفيد من آرائه. وللتاريخ فاني سمعت رأيا مشابها من ديوان رئاسة الجمهورية عندما تقدم أحد المسؤولين آنذاك ، بشكوى ضدي على طريقة مناقشتي للقضية الكردية لرئيس الديوان مباشرة. وفي مناقشة حادة لرسالة عن القضية الكردية في كلية الدفاع الوطني/ جامعة البكر، وبحضور قياديين بعثيين كبار، شاركني فيها الأخ الغالي الأستاذ الدكتور كمال مظهر أحمد، شافاه الله. قوبلت بهجوم أشرس، مما حدا بالدكتور كمال أن يرد على المهاجمين قائلا إذا كُنتُم غير راضين عن الدكتور سعد فأعطونا إياه ونحن نعطيكم خمسة آلاف بدلا عنه بل وأكثر إذا أدرتم. كما كان بعض  من يعرفني من أمثال الدكتور كمال وغيره مثل العم المرحوم فؤاد عارف والعم الغالي المرحوم حسيب صالح والأخ العزيز المرحوم حبيب محمد كريم والأخ الحبيب وصاحب الفضل الكبير علي أثناء دراستي المرحوم حسين فيض الله الجاف، وغيرهم من الأحياء الذين لا أحب أن أذكرهم خشية أن يؤخذوا بجريرة رسالتي هذه، يطلقون عليّ لقب العربي المستكرد اعتزازا منهم بمواقفي.

إن هذه المقدمة الطويلة هي ليست لمدح نفسي حاشا لله، وإنما لكي أثبت لشخصك الكريم أني كنت ولا أزال أقف مع شعبي الكردي في العراق، بل وفِي كل أنحاء كردستان، داعما بصدق ومحبة مطالبه في الحصول على كل حقوقه المشروعة والوطنية، في وقت كان فيه الكثير من المنافقين الذي يدّعون اليوم دعمهم لمطالبكم  يصرحون عكس ذلك.

إن تصريحاتك الأخيرة يا سيادة الرئيس حول استقلال كردستان العراق وحول الانفصال عن العراق استفزتني، ليس لأني استنكر هذا الهدف، وإنما للأسباب التي طرحتها كمبرر للمطالبة بهذا الحق المشروع. فأنت قلت بان العراق لم يعد دولة وليس له سيادة وأن التجربة المريرة التي عاشها الأكراد في العراق هي ما يجعلهم يعملون بهذا الاتجاه. وان من الأفضل العمل على أن نكون جيراننا وليس شركاء في وطن واحد. وأن دولة العراق لم يعد لها وجود، إلى غير ذلك من التبريرات التي يكررها أيضا قياديين كبار من الأقليم. وأسمح لي بهذا الخصوص أن أقول أن ما تقوله عن عراق اليوم هو صحيح مائة بالمائة. ولكن يا سيادة الرئيس اسمح لي أن أصارحك أن من أوصل العراق إلى هذه الحالة المزرية من قتل يومي لأبناءه وفساد مستشري وسياسات طائفية مقيتة وتدخلات إقليمية مدمرة وتمزق داخلي ليس فقط الاحتلال الأمريكي البغيض، الذي ساندته الأحزاب الكردية كافة ومنها الحزب الذي ترأسه، واسميتموه تحريرا، ولا الأحزاب والشخصيات الطائفية والفاسدة التي مزقت البلاد وأفرغت خزائنه وموارده  و أودعتها في جيوب الفاسدين، عربا وأكرادا وغيرهم، وإنما أيضا السياسات الخاطئة التي انتهجتها كل الأحزاب المشتركة في العملية السياسية منذ عام ٢٠٠٣ ومنها الأحزاب الكردية. بل وأسمح لي أن أقول أن الأحزاب الكردية، والتي كانت تمتلك القدرة والقوة والتماسك وحسن التنظيم والتجربة التي كان يمكن من خلالها إصلاح العملية السياسية الفاشلة والخاطئة، لم تفعل شيئا يذكر في هذا الاتجاه. بل وأسمح لي أن أقول بصراحة أكثر، أن الأحزاب الكردية ساهمت هي الأخرى بإيصال البلاد إلى هذه الحالة التي تشتكي القيادات الكردية منها اليوم. وكمثال أنا أؤيدك يا سيادة الرئيس أن سياسة السيد نوري المالكي كانت خاطئة بل و مسيئة للعراق، ولكن من مكن السيد المالكي من الاستمرار في الحكم لثمان سنوات ؟ أليست هي الأحزاب الكردية التي دعمته؟ الم يقف السيد جلال الطالباني عندما كان رئيسا للجمهورية في وجه سحب الثقة منه بطلب من دولة إقليمية مجاورة؟ ألم تقوموا في اجتماع أربيل بدعم موقفه الضعيف بعد انتخابات عام ٢٠١٠ وتمت مساومته على دعمه مقابل تنازلات للإقليم وليس إصلاح الوضع السياسي في العراق؟ وحتى بعد خروج السيد المالكي من الحكم ألم يقم السيد نيحرفان البارزاني وعندما قدم إلى بغداد للقاء السيد العبادي أن خرج من مكتبه و ذهب مع الوفد المرافق له لمكتب السيد المالكي للقاء به على أساس أنه لا يزال الرجل القوي وربما يعود إلى الحكم ثانية؟
ولا أريد أن أقول كيف تعامل السيد المالكي مع هذه الزيارة التي كانت خارج البرنامج ، خشية أن تعتبر تجريحا مني وهذا ليس هدفي. ثم ألم يكن حل الجيش العراقي أحد أهم الأسباب التي أوصلت العراق إلى هذا المنحدر والذي يقول سيّء الصيت بريمر بأنه جاء بمقترح من شخصيات وأحزاب عراقية منها الأحزاب الكردية، وإذا كان هذا الكلام كذبا كما صرحتم فيما بعد، فمن الذي اعترض على صفقات تزويد العراق بالأسلحة، كما حصل مع صفقة طائرات الفانتوم الأمريكية، والتي لم يُسَلم منها سوى خمسة طائرات فقط، ومن اعترض على صفقة التسليح التي وقعتها حكومة السيد المالكي مع روسيا؟  أليست حكومة الأقليم والأحزاب الكردية؟ علما بأن الجيش العراقي كان له دورا مشرفا ليس في الحفظ على سيادة العراق فقط، وإنما مع حزبك بالذات في آب عام ١٩٩٦، ولولا تدخله لاستطاع الطرف الأخر أن يصفي حزبكم تماما.

ثم هل حدث أن طالب نواب الكتلة الكردستانية في البرلمان في أي وقت من الأوقات  بمعاقبة الفاسدين وأحالهم للقضاء؟ وكيف يقف البرلمانيون الأكراد موقف المتفرج أو الداعم للفاسدين عندما يتم مناقشة مثل هذه الأمور في البرلمان؟ وأستطيع أن أعطيك أمثلة أخرى لدعم رأيي الذي يقول وبصراحة أن الأحزاب الكردية مسؤولة أيضا وبنفس القدر شأنها شأن الأحزاب الطائفية في تمزيق وأضعاف العراق وجعله بلدا هزيلا مفككا بدون سيادة كما صرحت سيادتك.

ثم كيف يمكن أن تتصور يا سيادة الرئيس أن الحالة ستكون حالة حسن جوار وصداقة بعد الانفصال وأنتم تصرون على إلحاق أراض إلى الدولة المزمع أقامتها، سُميت (متنازع عليها) من قبل الدستور، الذي هو أساس الماسي والذي تشتكون منه الآن وأنتم من كان لكم اليد الطولى في كتابته . إلا تعتقد أن كل منطقة من هذه المناطق، ستكون قنبلة بل قنابل موقوتة و مشاريع مفتوحة لحروب دامية لا تبقي ولا تذر و لعقود قادمة؟ وهل تعتقد أن العراق صاحب الحضارات العريقة وصاحب العقول الخلاقة سيبقى على هذه الحالة المتردية وأنه لن ينهض ثانية بعربه وأكراده وتركمانه وكافة مكوناته الأخرى؟

لقد عاش العرب والأكراد في العراق، وبغض النظر عن السياسات الحكومية، أخوة متحابين . وكانوا أطرافا متساوين في الأحزاب الوطنية التي ناضلت وضحت بدمائها من أجل العراق، وتزاوجوا وتناسبوا واختلطت دمائهم وأنسابهم بعضها ببعض، والأكراد قبل العرب يذكرون كيف تعامل أبناء المحافظات العربية مع من كان يُرَحل إلى مناطقهم من الإخوة الأكراد. واليوم يلهج العراقيون العرب الذين لجاءوا إلى كردستان العراق بالشكر عن حسن تعامل أخوتهم الأكراد معهم، على الرغم من الشروط التي وضعتها إدارة الإقليم على دخولهم والإقامة فيه. ويشهد الله بأني لم أشعر بأني أعيش في العراق الذي أعرفه وأحبه، كما كان قبل الاحتلال البغيض، إلا في الأيام القليلة التي عشتها في دهوك قبل أشهر بدعوة كريمة من جامعتها. وأن الحب والمشاعر الأخوية الصادقة التي غمرني بها أبناء هذه المحافظة الحبيبة من أساتذة وموظفين وبسطاء كادحين هي أحد الأسباب التي دفعتني لكتابة هذه الرسالة.

أن الدعم الخارجي يا سيادة الرئيس يحب أن لا يخدعكم مرة أخرى. فلقد جربتم دعم بريطانيا وشاه إيران والولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي وفرنسا وتركيا وبعض دول الخليج وأطراف أخرى سابقا، ولم ينوبكم منه سوى الكوارث. وحتى الدعم الإسرائيلي اليوم فأنه لا يختلف عن غيره، وأؤكد لك ياسيادة الرئيس أن هدف إسرائيل هو ليس دعم استقلالكم وطموحاتكم القومية المشروعة، وإنما لإبقاء العراق مفككا وضعيفا ولإجباره على توقيع معاهدة صلح  وإقامة علاقات دبلوماسية معها، وإذا ما تم ذلك، لا سامح الله، فستتخلى عنكم كما تخلت عنكم في عام ١٩٧٥ وكما فعل غيرها.

أرجو أن لا أكون قد أزعجتك بصراحتي هذه يا سيادة الرئيس. وأرجو أن تكون متأكدا أني كتبت ما كتبت من دافع محبتي الكبيرة لشعبي الكردي في العراق وليس لدي أي هدف أخر. وأنا على يقين أن كل عراقي محب للعراق، عربيا كان أم كرديا أو من أي مكون أخر يشعر مثلي. وأتمنى من كل قلبي أن تركز سيادتك، وكل المسؤولين في الإقليم، على إصلاح العملية السياسية في العراق، وعلى إرساء الديمقراطية الحقيقة فيه، وفِي الإقليم ، وأن تعمل على إنهاء معاناة موظفيه المعيشية وأن تعمل كل الأحزاب الكردية على إنهاء الفساد في كل العراق وأن يكون الهدف هو بناء عراق ديمقراطي تعددي فدرالي قوي وموحد ينعم كل من يعيش فيه بالأمن والأمان والحريّة والكرامة والرفاه. وأن يظل الشعار الذي تربي عليه جيلنا (عاشت الإخوة العربية- الكردية) خالدا في ذاكرتنا خلود العراق الحبيب.
وأسلم بخير يا سيادة الرئيس

صحيفة رأي اليوم

أضيف بتاريخ :2017/08/12

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد