آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
سعد ناجي جواد
عن الكاتب :
كاتب في صحيفة رأي اليوم

حول إصرار السيدة تيريزا ماي للاحتفال بالذكرى المئوية لوعد بلفور المشئوم


 سعد ناجي جواد

على الرغم من المآسي والظلم الذي لحق بالعرب عامة وبالشعب الفلسطيني خاصة جراء إصدار وعد بلفور المشؤوم، والذي اشر بداية مسيرة بريطانيا نحو منح أرض فلسطين للحركة الصهيونية، وتهجير أبناء البلد بالقتل والذبح والترويع، وعلى الرغم من تصاعد حملات الاستهجان والتنديد بالسياسات والجرائم الإسرائيلية اليومية بحق الشعب الفلسطيني، وفِي الوقت الذي كان يأمل فيه هذا الشعب في أن تعتذر بريطانيا عن ما تسببت به سياستها تجاه فلسطين والعرب من مآسي، تخرج علينا السيدة تريزا ماي رئيسة وزراء بريطانيا مرة أخرى بتصريح استفزازي تقول فيه أنها تفتخر بوعد بلفور وتفتخر أكثر بدور بلادها في إنشاء إسرائيل، ضاربة عرض الحائط المشاعر العربية والفلسطينية بل وحتى الدولية التي تدين إسرائيل يوميا.

لا أريد أن أثبت موقفي من إسرائيل لأني أعتقد أنه لا يحتاج إلى توضيح بعد هذه المقدمة، ولكني سأسوق للسيدة ماي وللسياسيين الغربيين أمثالها مواقف ساسة وكتاب من جنسهم ليتعرفوا على الحقيقة التي يحاولون تجاهلها.

ربما من المفيد تذكير السيدة ماي ومؤيديها أن العصابات الصهيونية لم تستهدف الشعب العربي الفلسطيني فقط، وإنما استهدفت الدبلوماسيين والقوات البريطانية . وحول هذا الموضوع وصلتني رسالة بمثابة بحث من السفير والخبير القدير بقضايا الصراع العربي الصهيوني وسام الزهاوي سأقتبس منها بعض الوثائق المهمة، مع إضافات بسيطة مني. كانت أهم هذه الجرائم اغتيال اللورد والتر أدورد موين المندوب السامي البريطاني في القاهرة عام ١٩٤٤، والذي كان رافضا لفكرة إقامة كيان يهودي في فلسطين، وكان يقول أن مثل هذا الكيان يحب أن ينشأ في بروسيا-ألمانيا، لأن جرائم النازية كانت السبب وراء تهجير اليهود، قامت عصابة شتيرن الصهيونية، والمتفرعة عن عصابة الأرغون باغتياله وسائقه البريطاني قرب منزله في حي الزمالك في القاهرة.

وتم إلقاء القبض على الفاعلين واعترفوا بانتمائهم. وتبع هذه الجريمة جريمة تفجير فندق الملك داوود في القدس عام ١٩٤٦ والتي قامت بتنفيذها عصابات الأرغون  التي كان يرأسها الإرهابي مناحيم بيغن، وذهب ضحيتها واحد وتسعون شخصا من بينهم ثمان وعشرون بريطانيا. وتعقيبا على هذه الجرائم قال ونستون تشرتشل, رئيس الوزراء البريطاني والمؤيد لإسرائيل، في مجلس العموم (إذا كان لأحلامنا بالصهيونية أن تنتهي بمجموعة من العصابات الإجرامية التي لا تختلف جرائمها عن جرائم النازية، فأن الوقت قد حان لإعادة النظر في مواقفنا السابقة. وإذا كان هناك أي أمل لمستقبل أكثر سلمية ونجاحا للصهيونية فأن على الحركة أن توقف أعمالها الشريرة وان تستأصل من يقومون بها من جذورهم).

ولكن القائمين بمثل هذه الأعمال مثل بيغن وشامير وبيريز ورابين وشارون، لم يتم استئصالهم وإنما أصبحوا روؤساء وزارات وارتكبوا مجازر أكثر وأكبر عندما شغلوا مناصبهم الرسمية هذه، وحظوا بدعم بريطانيا. . وفِي أعقاب مذبحة دير ياسين في عام ١٩٤٨ والتي قتل فيها ٢٥٠ رجلا وامرأة وأطفال قال وزير المستعمرات البريطاني في مجلس العموم في ابريل ١٩٤٨ (إن هذا الاعتداء البربري هو دليل على وحشية القائمين به. أنها جريمة تضاف إلى سلسلة طويلة من الأعمال الوحشية التي ترتكبها الصهيونية لحد هذا اليوم ولا أجد أي إدانة أو استنكار من  جانب الحكومة البريطانية). علما أن أغلب قادة المنظمات الإرهابية الصهيونية مثل الهاغانا وشتيرن وارغون وغيرهم كانوا على رأس قائمة المطلوبين من قبل الشرطة البريطانية لجرائمهم ضد جنود ومسؤولين بريطانيين في فلسطين. ثم توجوا جرائمهم بقتل المبعوث الدولي لفلسطين اللورد فولك برنادوت في سبتمبر ١٩٤٨.

ولعل أبلغ ما قيل عن نتائج وعد بلفور المشئوم والذي تفتخر السيدة ماي بصدوره، هو ما قاله وليم زاكرمان، اليهودي المعادي للصهيونية والذي انشأ صحيفة (نشرة الأخبار اليهودية Jewish Newsletter)، وسخرها لنشر أفكاره، حيث كتب في ستينيات القرن الماضي يقول (جئنا وحولنا العرب [في فلسطين] سكان البلد الأصليين إلى لاجئين يعيشون في ظروف مأساوية. وما زلنا نجرؤ لحد اليوم على شتمهم والتشهير بهم ونلوث وندمر أسماءهم. وبدلا من أن نخجل بصدق على ما فعلناه ونحاول التراجع عن بعض الشرور التي قمنا بها، نقوم بالتفاخر بجرائمنا التي ارتكبناها و نمجدها و نبررها.)

أكثر من الاستهانة بالمشاعر العربية والفلسطينية بالذات فأن إصرار السيدة ماي يستهين بشريحة واسعة من الأكاديميين والاتحادات المهنية البريطانية المتزايدة والتي تعلن كل يوم مقاطعتها لإسرائيل بسبب جرائمها اليومية تجاه الشعب الفلسطيني. ولكن اللوم لا يقع على السيدة مآي وإنما على القيادات العربية التي تقف متفرجة على تصريحها ولا تستنكره أو حتى تعترض عليه من باب إسقاط الفرض أو رفع العتب. يقول السفير وسام في نهاية رسالته، أن العرب لديهم كل الحجج التاريخية والقانونية والإنسانية والأخلاقية لصالحهم، وهي ترسانة هائلة يمكنها تنزع أسلحة الأساطير والافتراءات التي استند لها الصهاينة لتثبيت ادعاءاتهم الزائفة وتقف بوجه جرائمهم، ولكن وللأسف أنه الصمت المتزايد وعدم الكفاءة الواضحة من قبلهم هي التي مكنت أعدائهم من التملص والنفاذ من انتهاكاتهم، بل والاستمرار بها دون خجل أو خوف من أية ملاحقة.

صحيفة رأي اليوم

أضيف بتاريخ :2017/10/28

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد