آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
زهير أندراوس
عن الكاتب :
كاتب سياسي فلسطيني

عبد الناصر ونصر الله وما بينهما


زهير أندراوس

من المُفارقات العجيبة والغربية في حقبة الـ”ثورات العربيّة” بالإنابة والوكالة أنّ إسرائيل، التي أقامها الاستعمار على حساب الشعب العربيّ الفلسطينيّ باتت محجًّا لممثلين ومندوبين رسميين وغيرُ رسميين للدول المُسّماة في المُعجم الصهيونيّ بالدول السُنيّة المُعتدلة، وفي مُقدّمتها السعوديّة. بالمُقابل، فإنّ إيران، التي لم تتوقّف يومًا عن دعم المُقاومة والممانعة في الوطن العربيّ أصبحت العدّو اللدود، للطرفين: دولة الاحتلال ومُعسكر الـ”اعتدال” العربيّ-الإسلاميّ.
*
ومن هنا نُريد التعريج على الحملة السافرة التي تقوم بها الإمبرياليّة والصهيونيّة وأدواتهما في الوطن العربيّ لشيطنة سيّد المقاومة، الشيخ حسن نصر الله، وبطبيعة الحال حزب الله، ومرّد ذلك باعتقادنا المتواضع، أنّ الاستعمار الثقافيّ تمكّن عبر الوكلاء في الدول العربيّة من تأجيج الخلافات بين أبناء الأمّة العربيّة، حيث تحوّل العداء الطائفيّ المقيت والبغيض بين المسلمين والمسيحيين، إلى صراع مذهبيّ بين السُنّة والشيعة، وهذا الصراع يُساهم إلى حدٍ كبيرٍ في تفتيت وتمزيق النسيج الاجتماعيّ للأمّة العربيّة من محيطها إلى خليجها، ويُجزأ المجزأ، ويُقسّم المُقسّم، ويصرف الأنظار عن أنّ عدونا الأوّل والأخير كان وما زال وسيبقى الاستعمار وصنيعته الحركة الصهيونيّة، التي لا تتوقّف أطماعها في اغتصاب فلسطين التاريخيّة، بلْ تذهب إلى أبعد من ذلك، إنّها حركة كولونياليّة عنصريّة بامتياز تهدف إلى السيطرة العمليّة على الوطن العربيّ من ألفه إلى يائه. ومن المُهّم جداً الإشارة إلى مقولة أرييل شارون، رئيس وزراء إسرائيل (2001 – 2006): “جميعنا يجب أنْ يتحرّك، أنْ يركض، يجب أنْ نستولي على مزيدٍ من التلال، يجب أنْ نوسّع بقعة الأرض التي نعيش عليها، فكلّ ما بين أيدينا لنا، وما ليس بأيدينا يصبح لهم”.
*
والسيطرة على العالم العربيّ، لا تتّم بالحروب، وها هو أحد أكبر منظري الصهيونيّة، الجنرال في الاحتياط يهوشافاط هيركابي يقول: لقد قاتلنا العرب في عدة حروب وهزمناهم عسكريّاً، لكن في اثر كل حرب يتولّد مشهد سياسي أكثر تعقيداً وتزداد مشكلتنا مع العرب تعقيداً. ويُضيف: ولذلك فإنّ الحرب ضدّ العرب لن تمنح الأمن لإسرائيل، بل كلّ حرب تلد أخرى، وأنّ أفضل طريقة هو التركيز على التسوية السياسيّة، وفي هذه من الممكن أنْ نحقق الانتصار النهائيّ على العرب، ومن الممكن أنْ نأخذ من العرب على طاولة المفاوضات أكثر ممّا نأخذ منهم في الحرب. وبرأي البروفيسور هركابي: طبيعة العقل العربيّ والشخصية العربيّة تؤكّد لنا ذلك. فالعربيّ عنيد في الحروب والمواجهات، ولكنّه مَلُول في الحوار والمفاوضة ومن الممكن، ولأنَّه قصير النَفَس وفاقد للرؤية السياسيّة ومُهشم من الداخل نتيجة الهزائم العسكرية المتكررة، استخلاص مكاسب سياسيّة عديدة منه على طاولة المفاوضات. ولو أرسل مُجرم الحرب بوش قبل غزو العراق في العام 2003 هركابي: هل نغزو العراق؟ لكان جواب الأخير: لا انصح بالغزو العسكريّ، ولكن بالغزو السياسيّ، فالغزو السياسيّ في بلاد العرب يُحقق نتائج على الأرض أكثر من الغزو العسكريّ، ولو غزوت عسكريًا سيتولّد مشهد سياسيّ أكثر تعقيداً من وجود الرئيس العراقي صدّام حسين الآيل للسقوط. ويبدو أنّ الإدارة الأمريكيّة تعلّمت من درس العراق خلاصة مقولة هركابي، وبعد أنْ كانت تُهدد كلاً من إيران وسوريّة انخفضت وتيرة التهديد وأخذت الولايات المتحدة تُكثف من وتيرة الضغط السياسيّ، الذي يُركّز على سياسة التفكيك والترويض لكلٍ من إيران وسوريّة. بكلماتٍ أخرى: إنّهم يعالجوننا الآن على طريقة هركابي. لا حرب ولا عسكر بل غزو سياسيّ طويل الأمد وتغلغل ثقافيّ وتفكيك سياسيّ واجتماعيّ للبنى الاجتماعيّة والسياسيّة التقليديّة ذات النظرة غير الوديّة للتدخلات الأمريكيّة في الشؤون العربيّة، خاصّة في الشأن الثقافيّ والدينيّ والحضاريّ.

*
 وعودٌ على بدء: نقول ولا نجزم وشهد شاهدٌ من غير أهله، ونُوجّه حديثنا إلى العرب الذين باتوا يُسّمون سيّد المقاومة شيطان الله. الصحافي والمستشرق الإسرائيليّ داني روبينشتاين قال: حسن نصر الله هو شخصيّة عظيمة، تشخص لها أبصار الفلسطينيين والشارع العربيّ، بدرجةٍ تفوق عبد الناصر في زمنه، عبد الناصر صمد في حرب حزيران ستة أيام، أمّا حسن نصر الله فقد حبس رُبع سكان إسرائيل في الملاجئ أكثر من أربعة أسابيع. ونحن نعلم أنّ المقارنة والمقاربة بين الرجلين ليس في مكانها، وندري أنّ الإعلاميين الصهاينة يعملون بدون كللٍ أو مللٍ على تأليب الرأي العام العربيّ بشتى الوسائل ضدّ الرموز التاريخيّة، كما ندري أنّ الإعلام العبريّ هو ليس أكثر من كتيبة عسكريّة متطوعّة لصالح ما يُسّمى بالإجماع القوميّ الصهيونيّ، ومع ذلك نجد لزامًا على أنفسنا التذكير، هذا إنْ نفعت الذاكرة، بأنّ أحد استطلاعات الرأي العام الذي تمّ إجراؤه في إسرائيل أكّد بشكلٍ يقطع الشكّ باليقين على أنّ 80 بالمائة من الصهاينة في دولة الاحتلال، يُصدّقون كلّ كلمة يُطلقها السيّد نصر الله، بينما لا يؤمنون بتصريحات قادتهم. وفي هذه العُجالة يجب التأكيد على أنّ أنصاف المثقفين وأشباه الكتّاب، الذين يزعمون أنّ سبب تراجع التأييد لحزب الله في الشارع العربي مردّه التدّخل العسكريّ للحزب في الأزمة السوريّة لصالح النظام الحاكم، إنّما يكذبون على أنفسهم أولاً، وثانيًا، يخدمون من حيث يدرون أوْ لا يدرون الأجندة الأمريكيّة والإسرائيليّة.
*
يجب قول الحقيقة بدون “رتوش”: من وجهة نظر الإمبرياليّة فإنّ محور إيران، سوريّة وحزب الله هو الهلال الشيعيّ، وفق تسمياتهم، التي للأسف تبنّاها العديد من العرب، والمحور الثاني هو المحور السّنيّ الذي تقوده السعوديّة. وهذا الزمان وهنا المكان للتذكير مرّة أخرى أنّ قوات درع الجزيرة السعوديّة، “تحتّل” منذ عدّة سنوات البحرين بهدف الحفاظ على النظام الحاكم هناك، والقضاء على الثورة السلميّة فيها، والتي يقودها، ما العمل، وفق المُعجم الجديد، مواطنون ينتمون إلى الطائفة الشيعيّة. والسؤال: لماذا يُسمح للسعودية بالتدّخل في دولةٍ سياديّةٍ، في ما يُطالَب حزب الله بعدم التدّخل لصالح الدولة السوريّة، التي قدّمت وما زالت تُقدّم له المساعدات العسكريّة استعداداً للمواجهة القادمة مع العدو الإسرائيليّ؟ ألم يُقّر السيّد نصر الله في خطاب متلفز بأنّ المعونات العسكريّة السوريّة إبّان العدوان على لبنان في صيف العام 2006 ساهمت إلى حدٍ كبيرٍ في الانتصار على جيش الاحتلال؟ إذن: لماذا هذا الكيل بمكيالين؟
***
ولا بدّ في النهاية اللجوء إلى عبد الناصر، الذي كانت رؤيته ثاقبة جدًا، عندما أطلق مقولته المشهورة والمأثورة في الستينيات من القرن الماضي: “أنا لا أخشى على شعبنا من العدو الخارجيّ، لقد استطاع شعب مصر العظيم أنْ يتنصر في معارك التحرير في كلّ العصور، وأنْ يطرد الاستعمار، ولكن ما أخشاه هو مخاطر الانقسام وإشعال نيران الفتن باسم الدين أوْ باسم الديمقراطيّة من اللاهثين على السلطة”. فعلاً، ما أشبه اليوم بالبارحة.

صحيفة رأي اليوم

أضيف بتاريخ :2017/08/12

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد