آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
عبد الباري عطوان
عن الكاتب :
كاتب وصحفي سياسي فلسطيني رئيس تحرير صحيفة رأي اليوم

لماذا يُهدّد نتنياهو بقَصف قصر الأسد في دِمشق والقوّات الإيرانيّة في سورية هذه الأيام؟


عبد الباري عطوان

إذا أردنا أن نفهم حالة “الرّعب” التي تَسود النّخبة الحاكمة في دولة الاحتلال الإسرائيلي هذه الأيام، ووصلت إلى درجة التهديد علانيّةً بقَصف قصر الرئيس الأسد في دِمشق، والتجمّعات العسكريّة الإيرانيّة في سورية، ما عَلينا إلا مُتابعة التصريحات التي أدلى بها روبرت فورد، آخر سُفراء أمريكا في سورية، وأحد أبرز مُؤيّدي “الثورة السورية” وداعميها.

السفير فورد وفي مُقابلة مع صحيفة “ذا ناشيونال”، أكّد أن الرئيس الأسد انتصر، وأن الحرب التي انطلقت لإسقاطه وحُكمه قبل سبع سنوات بدأت تَقترب من نهاياتها بشكلٍ مُتسارعٍ، وقال المستر فورد الذي يَعمل حاليًّا زميلاً في مَعهد الشرق الأوسط في واشنطن “أن الرئيس الأسد لن يَخضع لأي مُسائلة لتحمّل المَسؤوليّة عَمّا حَدث في سورية، وأن حُكومته في المُستقبل لن تَقبل بالإدارات المَحليّة، وأن “الدولة الأمنيّة” باقيةٌ ولن تتغيّر”.

توقّعات السفير فورد هذه ربّما تُفسّر لنا، ولغيرنا، حالة الرّعب الشّديد التي دَفعت بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي للسفر إلى سوتشي للقاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قبل أسبوع، طالبًا منه إنقاذ إسرائيل، والوقوف إلى جانبها إزاء التغييرات الاستراتيجيّة التي تجتاح سورية هذه الأيام، وتَصب في مصلحة صُعود إيران كقُوّةٍ إقليميّةٍ عُظمى.
*
ما يُريده نتنياهو من الرئيس بوتين، وكرّره علانيّةً للأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، الذي زار تل أبيب قبل يومين، مَنع النّفوذ الإيراني من التّغلغل في سورية، وإقامة مصانع صواريخ دقيقةٍ في شمالها، وأيضًا في جنوب لبنان، مَعقل “حزب الله”، وإلا فإن الطائرات الإسرائيليّة ستَقصف قصر الأسد، ومواقع الخُبراء العَسكريين الإيرانيين فيها.

الرئيس بوتين، وحسب تقارير الصّحف العِبرية، التي أكّدتها صحيفة “برافدا” المُقرّبة من الكرملين، كان هادئًا في مُواجهة حالة الانهيار والهِستيريا التي كانت باديةً على ضَيفه الإسرائيلي، وردّ عليه بأسلوبٍ أكثر برودة، بالقول “أن إيران دولةٌ حليفةٌ استراتيجيّة مع روسيا في الشرق الأوسط، ولن نتنازل عن هذا الحليف من أجل عُيون إسرائيل، وأن موسكو تعتمد على هذا التحالف مع إيران في مُواجهة حلف الناتو العربي الإسلامي، الذي تتزعّمه السعودية، ويَضم الممالك العربية، وتُديره أمريكا من واشنطن”، ورشّ الرئيس بوتين أكياسًا من المِلح على جُرح القَلق الإسرائيلي عندما شدّد على “أن موسكو ستستمر في تعزيز الدّور الإيراني في سورية، وتثبيت سُلطة الرئيس الأسد، وتَسليح حزب الله”.

لا نَعرف بأي حق يُطالب نتنياهو موسكو والأمم المتحدة بمَنع إيران من إقامة مَعامل للصّواريخ في سورية ولبنان، وإجبارها على سَحب قوّاتها من الأولى، فهل يُريد نتنياهو أن تكون سورية ساحةً مَفتوحةً أمام الطائرات الإسرائيليّة لتَقصف ما شاء لها القصف من الأهداف دون أن يكون لديها أي قُدرةٍ للدّفاع عن النفس؟

هل اعترضت سورية وإيران على القُبب الحديديّة الإسرائيلية ومَنظوماتها الصاروخيّة التي تُموّلها جُيوب دافع الضرائب الأمريكي، وهل احتجّت موسكو على إرسال عشرات الطائرات الأمريكية من طِراز “إف 35″ الأحدث في الترسانة العسكرية التي لا تَرصدها الرادارات؟

إنّها قمّة الوقاحة والاستكبار، وكان الرئيس بوتين مُحقًّا في عدم الاستجابةَ لها، فهو لا يَعمل مُوظّفًا لدى نتنياهو، ولا يتلقّى الأوامر منه، فروسيا العُظمى وخُبراؤها ذوو الخِبرة الميدانيّة العالية جدًّا في ميادين الدّفاع والسياسات الاستراتيجيّة، ليسوا بحاجةٍ إلى نتنياهو وأمثاله لكي يُلقي عليهم دروسه، ويقول لهم ما يجب أو ما لا يَجب فِعله، أو كيفيّة إدارة سياستهم الخارجية ومَصالحهم في منطقة الشرق الأوسط.

روسيا لا تَقف إلى جانب إسرائيل أو غيرها، مِثلما يُطالبها نتنياهو، وإنّما إلى جانب مصالحها، وهي لا يُمكن أن تنسى أو تتغافل، أن الأخيرة، أي إسرائيل، الحليف الأوثق لواشنطن في المنطقة والعالم.

إنّنا نَخشى أن تكون هذه اللّهجة التهديديّة الواضحة التي وردت على لسان نتنياهو، سواء أثناء لقائه مع بوتين، أو مع الأمين العام للأمم المتحدة، هي مُجرّد تمهيدٍ لخُطط إسرائيلية للعُدوان على سورية أو لبنان أو الإثنين معًا، تحت ذرائع التهديدات الإيرانية لأمنها، و”أن هذا العُدوان هو من قبيل الدّفاع عن النّفس″ في مُواجهة الخَطر الإيراني.

وما يَجعلنا لا نَستبعد هذا الاحتمال، أن حبل مَشنقة الفساد يَقترب من عُنق نتنياهو، وربّما يَدفعه إلى إشعال فتيل الحرب لإبعاد الأنظار عن التحقيقات التي تُوشك على إدانته وتوجيه الاتهام إليه، وعَزله من منصبه، واقتياده إلى السجن، ألم يَلجأ إيهود أولمرت، رئيس الوزراء السابق، إلى الخُطّة نفسها عندما اعتدى على لبنان في تموز (يوليو) عام 2006؟
إسرائيل في حالةِ ذُعرٍ وخَوف، ونتنياهو فاقد أعصابه، وعلى حافّة الانهيار، والحِزام الإي

راني المُمتد من مزار شريف في أفغانستان حتى الضاحية الجنوبية لبيروت على ضِفاف المُتوسّط، يترسّخ ويَزداد قوّةً، والحرب في سورية تَقترب من نُقطة النّهاية بشكلٍ مُتسارع.
*
هل سيَجرؤ نتنياهو على الهُروب إلى الأمام، وقَصف سورية وقَصر رئيسها، والقوّات الإيرانيّة على أرضها؟ فليُجرّب، ولكن ربّما يُفيد تَذكيره بأن عامين ونصف العام من قَصف طائرات “عاصفة الحزم” من الطّراز الأمريكي نفسه، لم تَفرض الاستسلام على اليمن الفقير المُنهك، الذي يَملك أسلحةً انتهى عُمرها الافتراضي قبل نصف قرن، إن لم يكن أكثر، فهل ستَنجح طائراته في فَرضه، أي الاستسلام، على سورية الذي صَمد جَيشها لأكثر من سَبع سنوات، أو إيران، التي تَملك ترسانةٍ صاروخيّةٍ تَضم أكثر من 200 ألف صاروخ، إن لم يكن أكثر، إلى جانب مِئة ألف صاروخ لدى “حزب الله”.

ثم نَسأل نتنياهو أن يُسمّي لنا حربًا واحدةً انتصر فيها جيشه في لبنان؟ ألم يَنسحب هذا الجيش مَهزومًا من جنوب لبنان، ومن طرفٍ واحد عام 2000؟ ثم في عام 2006؟

ليست الأسلحة الحديثة وَحدها التي تَحسم الحُروب، إنّما الإرادة القويّة، والاستعداد للقِتال حتى الشهادة، والقيادة القادرة على إدارة الحرب بشكلٍ فاعلٍ، وهذهِ العناصر الثلاثة تتوفّر لدى السوريين والإيرانيين وحزب الله وحُلفائهم.

مرّةً أُخرى نقول.. فليُجرّب نتنياهو حَظّه.. والأيام بيننا.

صحيفة رأي اليوم

أضيف بتاريخ :2017/08/29

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد