آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
عبد الباري عطوان
عن الكاتب :
كاتب وصحفي سياسي فلسطيني رئيس تحرير صحيفة رأي اليوم

“الفتنة” انتصرت “جزئيا” في اليمن..


 عبد الباري عطوان

حتى قبل أربعة أيام، كانت الكتابة عن اليمن عملية سلسلة ميسورة، لان الصورة واضحة، هناك عدوان عسكري يستخدم احدث الطائرات والصواريخ والذخائر، وشعب فقير معدم، ثلاثة أرباعه يواجهون المجاعة والكوليرا، يواجه ومستشفياته ومدارسه وأسواقه ومجالس عزائه، القصف منذ ما يقرب من ثلاثة أعوام، من الجو البحر والأرض، ويواجه حصارا خانقا يمنع عنه الحد الأدنى من الإمدادات الإنسانية، وتحالف “عربي” فشلت كل خططه وحروبه، ويخسر ماء وجهه، وانقلب سحره عليه، وبات يدور في متاهة دموية لا يعرف كيف يخرج منها.

اليوم الصورة مختلفة كليا، اختلطت الأوراق ونجحت الفتنة للأسف، وتمزقت الوحدة الوطنية التي كانت تجمع تحالف مضاد استطاع الصمود، واقترب من الانتصار، ونجح في تجنيد العالم، أو معظمه، إلى جانب قضيته وشعبه، ووضع التحالف المضاد له بقيادة المملكة العربية السعودية في موضع الاتهام بارتكاب جرائم حرب أمام العالم بأسره، الأمر الذي يجرمه قانونيا، ويضع على عاتقه تبعات مالية وأخلاقية وتعويضات بعشرات، أن لم يكن بمئات المليارات.

عقد التحالف الحوثي المؤتمري انفرط، وبات من الصعب رتقه، أو إصلاحه، لأن الثقة انهارت، ودخلت على الخط المملكة العربية السعودية والإمارات، وامبراطوريتهما الإعلامية، لاستغلال هذه الفرصة الذهبية التي عملوا على إنضاجها طوال السنوات الماضية، وضخوا عشرات المليارات من الدولارات لشق الجبهة الداخلية، وشراء الولاءات، وحققوا نجاحا كبيرا نرى ثماره اليوم واضحة للعيان، ومن يلومهم؟ أليست الحرب خدعة، وكل خياراتها مفتوحة؟
 
*
لا نريد البحث في جذور الخلاف وتطوراته وتوجيه اللوم إلى طرف دون آخر، لأننا نجزم بأن الطرفين ارتكبا أخطاء كارثية والمسألة نسبية، ولأننا نقف على مسافة واحدة من الجميع، ونحب أهلنا في اليمن بالقدر نفسه، وسنظل، أيا كان الخندق الذي يقفون فيه، لأننا على ثقة بأنهم سيتجاوزون هذه الأزمة، وكل الأزمات التي ستتفرع عنها، ويلتئمون في وطن واحد، تسوده المحبة والتعايش المشترك، مثلما فعلوا دائما.

يخطيء من يعتقد أن اليمن سيركع للمؤامرة، ويرفع الرايات البيضاء، ويقبل التبعية، ويغفر بسهولة لمن قتل أبنائه، ودمر ارثه الحضاري والإنساني، ويخطيء أكثر، إذا اعتقد أن الأزمة ستنتهي، واليمن سيستقر من خلال الانتصار العسكري، وعبر فوهات مدافع الدبابات، أو صواريخ الطائرات، وصفقات يجري عقدها في الغرف السوداء المظلمة، في هذه الدولة أو تلك، لأن من يقفون خلف هذه الصفقات يخدمون مصالحهم، ويستخدمون اليمنيين كأدوات.

الحوثيون أضعف من أن يحكموا اليمن وحدهم، ولكنهم أقوى من أن ينهزموا حتى لو أصبح أعضاء التحالف العربي مئة عضو، وانضم إليهم حزب المؤتمر والعديد من القبائل المنضوية تحت مظلته، ولن يلقي السلاح حتى لو خسر صنعاء وانكمش في صعدة.

الرئيس علي عبد الله صالح الذي كان أطول زعيم يحكم في تاريخ اليمن (33 عاما)، ويعتبر من دهاة اليمن والعرب، لن يغادر اليمن، ولن يستسلم مطلقا، ولن يتحول إلى كم مهمل ومهمش هو وأنصاره، والمسيرات الضخمة التي نظمها في ميدان السبعين في آب (أغسطس) الماضي، وحشد فيها الملايين بمناسبة الذكرى 35 لتأسيس حزبه أحد الأدلة.

الوفاق، وليس الصفقات، هو العنوان الأبرز للأمن والاستقرار في اليمن، وإنهاء العدوان هو المخرج الوحيد للتحالف العربي السعودي، جميع أبناء اليمن هم عرب أقحاح بل هم أصل العرب وأكرمهم وأشرفهم، ولا يمكن أن يكونوا فرسا أو إيرانيين، وربما نعيد التذكير للمرة الألف بأن الحوثيين عرب، وهاشميون، ولا يمكن، ولا يجب أن يتخلوا عن عروبتهم، وارث آل بيتهم، وأن أخطأوا في نظر البعض، فيجب أن ننبههم أن أخطائهم نابعة من قلة التجربة، وليس لسوء نوايا.


الرئيس علي عبد الله صالح وحده، والحوثيون وحدهم، وجماعات “الشرعية” في الرياض، وأنصار الحراك في الجنوب، فرادى كانوا او متحزبين، لن يحكموا اليمن إلا بالتوافق والتفاهم ووضع مصلحة اليمن فوق كل الاعتبارات، وبعيدا عن الارتماء في أحضان القوى الخارجية، عربية كانت أو غربية، وحان الوقت ليتعلم الجميع من دروس هذه الأزمة، داخل اليمن وخارجه، وأبرزها أن هذا الشعب سيقاتل أعداءه حتى النهاية، رابطا الأحجار على معدته الفارغة، ورافعا رأسه إلى أعلى.

اليمن كان وسيظل الأرضية الأخصب للتعايش والمشاركة، واقتسام لقمة العيش المغموسة بالكرامة وعزة النفس، ومن يريد حكمه بالطائفية، أو الاستقواء بالخارج، عربيا كان أو أعجميا، هو واهم ولا يعرف اليمن وتاريخه حتى لو كان من أبنائه.
*
ربما لا يعجب ما نقوله الكثيرين داخل اليمن وخارجه، ولكن هذا لا يهمنا، ولن يدفعنا للانحياز والتخندق مع هذا الطرف أو ذاك، فالجميع ارتكب أخطاء في حق اليمن وأهله، باستثناء القلة، والجميع يتحمل المسؤولية، عن أي اقتتال قادم، وإشعال فتيل حرب أهلية بين أبناء البلد الواحد، والجبهة الواحدة، وبما يفيد الأعداء ويخدم مخططاتهم.

نعترف أن “الفتنة” انتصرت جزئيا في اليمن هذه الأيام حتى الآن، على الأقل، وبدأت تعطي ثمارها المرة، ولكنها ستكون عابرة لن تكسر إرادة الشعب اليمني، ولن تدفعه للرضوخ والاستسلام والتنازل عن ثوابته، والركوع عند أقدام من اعتدوا عليه، فالحكمة اليمنية ستنتصر في نهاية المطاف مثلما انتصرت دائما على مؤامرات اكبر من الحالية بكثير.

ما زالت هناك مساحة ولو ضئيلة للتراجع، والعودة إلى العقل، والتنازل للشقيق، وإعادة رص الصفوف لإنهاء العدوان، وإنهاء الحصار، فهل يفعلها الأشقاء في اليمن؟ ويحقنون الدماء، ويتجاوزون الفتنة؟ هذا ما نأمله ونتمناه.. ونكتفي بهذا القدر، ولنا عودة في الأيام المقبلة حتما.. وحسبنا الله ونعم الوكيل.

صحيفة رأي اليوم

أضيف بتاريخ :2017/12/04

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد