آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
ناصر قنديل
عن الكاتب :
كاتب وإعلامي لبناني

ملفّ لا يحتمل اللفلفة... مطلوب أجوبة


ناصر قنديل

العناوين التي تثيرها قضية زياد عيتاني تتخطاه كشخص وتتخطّى براءته أو إدانته ولا يحلها الكلام الهادئ الذي يريد سحبها من التداول بالإيحاء أنّ كلّ شيء تحت السيطرة ويسير وفقاً للأصول، فليست قضيتنا إنْ جرى تحويل ملف القضية من جهاز إلى جهاز بقرار وزاري أو بقرار قضائي. قضيتنا أنّ أمامنا عملياً روايتين لا يمكن الجمع بينهما رواية صدرت عن وزير الداخلية، تقول ببراءة عيتاني وباتهام مَن حقق معه ووجّه له الاتهام بالخلفيات الحاقدة والطائفية، وما أعقب كلام الوزير من مصادر أمنية منسوبة لشعبة المعلومات، اتهام للرئيس السابق لفرع مكافحة جرائم المعلوماتية بفبركة التهمة استناداً لخبرة قراصنة، ولأهداف شخصية بعضها ملتبس وبعضها وصفه الوزير بالحقد والطائفية. وفي المقابل أمامنا رواية وردت في بيان رسمي لجهاز أمن الدولة، تتمسّك بالاتهام وتسنده لاعترافات عيتاني الموثقة والمسجلة والواردة دون ضغوط، وبحضور مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية. وأمام هاتين الروايتين لا ننحاز لإحداهما، وما يعنينا أبعد مما ينتج في القضية نفسها. فالقضية تطال أموراً أشدّ خطورة لا تحتمل اللفلفة وعلى الدولة كدولة بمؤسساتها أن تجيب المواطنين عن الأسئلة التي تطرحها.
السؤال الأول، إذا تبنينا رواية وزير الداخلية والتي تبدو مسنودة بتحقيقات شعبة المعلومات. فهذا يعني أمرين، الأول أنّ اتهامات خطيرة يمكن أن تُسند لمواطنين لبنانيين بغير وجه حق، باعتراف مرجعيات مسؤولة في الدولة، خصوصاً أنها ليست المرة الأولى التي يسقط فيها ضحايا لفبركة الاتهامات. فهل صار الوقت مناسباً لنقول إنّ كلّ الاتهامات التي تلقفها نصف اللبنانيين وصُفّق لها بحماسة في قضية اغتيال الرئيس رفيق الحريري كانت فبركات وأفلاماً هوليودية؟ فهل سيطال ضحايا هذه الفبركات اعتذار وتوضيحات تشبه الحملة التي قادها الوزير في قضية عيتاني، وما لم يحدث ذلك، يصير واجباً تصديق ما ورد في بيان أمن الدولة من تلميح للاعتبارات الانتخابية؟ فهل هناك «مواطن بسمن ومواطن بزيت» عند وزير الداخلية، وكلاهما ضحية فبركة جهاز أمني بتوجيه اتهامات تعادل التحريض على القتل، ولهم عائلات وأبناء أسيء لهم وسمعة جرى النيل منها وكرامة تمّ انتهاكها، وفي ظروف أشدّ قسوة، من تلك التي لحقت بعيتاني، الذي يستحق الإنصاف من مظلوميته إذا كانت براءته حقيقية، وإذا كانت مفاعيل عائلته الانتخابية تقف عند حدود الاحتفال ببراءته، هل يذكر الوزير يوم خرج الرئيس فؤاد السنيورة محتفلاً في مؤتمر صحافي، بحضور رئيس لجنة التحقيق الدولية ديتيليف ميليس يعلن توجيه الاتهام باغتيال الرئيس رفيق الحريري، ولاحقاً تبيّن أنّ الأسماء المعلنة، ضحايا تلفيق وفبركة وشهود زور؟
الأمر الثاني أنّ الاتهام يستند لما عرف بداتا الاتصالات، ولا زالت وزارة الداخلية وشعبة المعلومات تصرّ على الحصول عليها بصفتها صمام أمان البلد والمستند الذي لا ترقى إليه شبهة في بناء اتهاماتها وملاحقتها للمشتبه بهم، لتطلّ علينا مصادر شعبة المعلومات في قضية عيتاني، وخلفها البراءة التي طلب الوزير من اللبنانيين الاعتذار من عيتاني على أساسها، وتقول إنّ الداتا مفبركة، وإنّ ضابطاً محترفاً بمعونة قرصان يملك القدرة على تركيب ملف متكامل لا يرقى إليه الشك بالفبركة، وأمام اللبنانيين قضية مفتوحة اسمها اتهام المحكمة الدولية لمجموعة لبنانيين ينتمون لحزب الله في قضية اغتيال الرئيس رفيق الحريري والمستند الوحيد لاتهامهم هو داتا مشابهة وضعتها شعبة المعلومات بتصرف هيئات التحقيق الدولية، ونال ضباطها تنويهاً على إنجازاتهم في هذا المجال، لا زلنا نذكر الشروح التي أطلّ بها علينا بعضهم عن الدائرة الصفراء والدائرة الرمادية والدائرة الحمراء، ليقولوا لنا إنّ هذه وقائع لا يمكن فبركتها ولا التدخل فيها ولا لأيّ قرصان تصنيعها، فبربكم أيّ الروايتين نصدّق؟

المسألة ببساطة هذه المرة أنّ الضابط المتهم بالفبركة محسوب على الخط السياسي ذاته الذي يحتاج براءة عيتاني انتخابياً، والفبركة تهمة وجهت لهذا الضابط الذي شغل مسؤوليات هامة في فروع الأمن، ووفقاً لرواية أمن الدولة إذا صدّقناها، البراءة مفتعلة ومفبركة، لاعتبارات انتخابية قال جهاز أمن الدولة إنها تخدم «إسرائيل» فقط. وإن صدقنا فهذا يعني تكراراً لحكاية مشابهة قبل سنوات، عنوانها شادي مولوي الذي قامت الدنيا ولم تقعد يوم تمّ توقيفه من قبل الأمن العام اللبناني، وبدأ معها الحديث الطائفي والمذهبي المقيت، وخرج رئيس الحكومة وفي ظروف انتخابية مشابهة يومها يحتفل بإخلاء سبيله، وبعد سنوات قليلة تبيّن أنّ مولوي مسؤول تنظيم داعش علناً في لبنان، فأخبرونا بمن نثق ومن نصدق، وأيّ الروايتين نعتمد، لكن تيقنوا، أنّ اتّباع أيّ من الروايتين له تبعات، واحدة تبدأ ببراءة عيتاني وردّ الاعتبار له وملاحقة المفبركين، لكنها تنتهي بسحب اتهامات المحكمة الدولية والاعتذار من ضحايا الفبركة وشهود الزور وفتح التحقيق لملاحقة كلّ مَنْ تورّط في لعبة الاتهام الملفق، والثانية تبدأ بوقف التلاعب بتحقيق أمن الدولة وردّ الاعتبار له وللضابط المتّهم بالفبركة وملاحقة مَن أراد إلصاق هذه التهمة به، وتنتهي باستقالة وزير حاول التلاعب بملف خطير لحسابات انتخابية، فاعتمدوا رواية واحدة واتبعوها حتى نهاية موجباتها، عليكم إن طلبتم احترام اللبنانيين لكم أن تختاروا.

جريدة البناء اللبنانية

أضيف بتاريخ :2018/03/05

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد