آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
بسام أبو شريف
عن الكاتب :
أحد المستشارين السابقين للراحل ياسر عرفات . وهو من مؤسسين الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين . صاحب وثيقة أبو شريف حول السلام .

بين الإستراتيجية الدولية والإستراتيجية الإقليمية ماهي إستراتيجية محور المقاومة بعد العدوان الثلاثي على سورية؟

 

بسام أبو شريف

الكتابة حول هذا الموضوع الهام،
  لا بل الأهم بالنسبة للأمة العربية، يحتاج الآن وأكثر من أي وقت مضى وظرف خلا إلى قاموس بارد الأعصاب ، ولا أقول هادىء الأعصاب .

وهذا القاموس لايحتوي على مفردات الحلم ” الذي لابد منه ” ، والأمل ” الضروري ”  والشعور الصادق والإيمان القاطع ، قاموس بارد برودة السلاح الصامت،
 ففي هذا العالم لاتتحرك الأمور إلا من خلال التناقض والصراع (يمكن لنا أن نستعير كلمة تنافس للتعبير عن ذلك).

التنافس للاستحواذ على أكبر كمية من المقدرات والمواد اللازمة للصناعة والسيطرة على أوسع مساحة ممكنة من الأسواق للبضاعة المصنعة والمنتجات الزراعية والصناعية ، وهو ما يسميه رأسماليو الغرب ، كما عرفها الاقتصادي Maximization of profit
SAMUELSON
وهذا يعني أن النظام الاقتصادي الرأسمالي يسعى لبلوغ أعلى قمة في تراكم الأرباح ، لكن لايحدد صمويلسون لمن تذهب هذه الأرباح ، في مجتمعه تذهب الأرباح للاحتكارات التي تستغل مقدرات الشعوب والعمال فيبلادها والعمال المستوردين من أجل تحقيق  قمة الربح.

والمنافس أو المصارع لهذا القطب الرأسمالي  يسعى أيضا للوصول إلى قمة الربح والاستحواذ على أوسع الأسواق، وأكبر كمية ممكنة من المواد اللازمة للصناعة والتطور، ولكن بطريقة أقل احتكارا ووحشية، لا بل يذهب الطرف الذي يقود هذا النهج إلى حد الشراكة مع الشعوب وتبادل السلع وتقليل نسبة الربح المضاف لأسعار المنتجات، لكنه يبقى في إطار الصراع والتنافس الدوليين، الطرف الذي يسعى للفوز بالحصص الأكبر من مصادر الطاقة والمواد الأولية والأسواق.

ويتنافس القطبان في الارتقاء بقوتهما العسكرية حماية لمصالحهما ولوضع خطوط حمراء للمدى الذي يمكن تحمله في الصراع والتنافس، وهذا مايسمى سباق التسلح، ويزود القطبان حلفائهما – سواء ضمن نظام التبعية والنهب الذي يتبعه القطب الأول ( وتقوده الولايات المتحدة )، أو الشركاء حسب نظام القطب الثاني لحماية بلادهم والدفاع عنها، ومنع القطب الأول من الهيمنة عليها ( بقيادة روسيا والصين ).

المعارك التي دارت وتدور على أرض سوريا هي نموذج كامل لهذه العملية، فقد اصطف القائد الأميركي ومعه حلفاؤه وأتباعه ومرتزقته للهيمنة على سوريا بعد أن احتل ودمر العراق وجيشه العربي بينما تصدت دمشق مع حلفائها وقائد المعسكر المنافس ” روسيا ”، للعدوان وخاضت المعارك المعقدة والمتشابكة، ولا شك أن معارك الطرفين على الأرض السورية هي الأعقد في تاريخ الصراع والتنافس العالميين ، وسنذكر هنا بعض الأمثلة لندلل على مانقول، في أول زيارة خارجية لرئيس الولايات المتحدة الأميركية جمع من الجزيرة والخليج أكثر من تريليون من الدولارات ثمنا لأسلحة واستثمارات في البنية التحتية للولايات المتحدة، ومليارات لاستثمارها في مؤسسات تطوير الأسلحة، وأوحى لأتباعه الذين يسيطرون على ثروات شعوبهم بإنفاق مئة وخمسين مليار دولار لشراء أسلحة من دول أوروبية تدور في فلكه.

ظن الكثيرون على ضوء ما تناقلته وسائل الإعلام أن روسيا زودت الجيش العربي السوري بنظام دفاعي جوي جديد، بعد غارة الكروز إثر مسرحية خان شيخون، لكن الضربة الأميركية البريطانية الفرنسية الأخيرة أثبتت أن اس 500 لم يسلم للجيش العربي السوري. وأنه يواجه ترسانة الامبريالية الحديثة ( بعضها يجرب لأول مرة في تاريخ صناعاتهم الحربية ) بأسلحة قديمة وفاقدة للعدو بعد سلسلة غارات إسرائيلية على موقع دفاع جوي يعود تاريخه لثلاثين سنة خلت .

نظام اس 300 مكلف وصاروخه مكلف وسوريا لاتملك خزائن الجزيرة العربية ، وروسيا لاتستطيع استنزاف موازنتها، لكن روسيا باعت للملك سلمان نظام اس 400 بمبلغ 15 مليار دولار، وباعته لإيران ببئر نفط وقع تحت تصرف روسيا لتسدد به ومن إنتاجه ثمن المنظومة.

لقد وصلت وقاحة الامبريالين في معركتهم للهيمنة على سوريا إلى حد شن حرب مباشرة على الجيش العربي السوري بعد أن فشلت جيوش المرتزقة التي مولتها خزائن الجزيرة والخليج.

ويمكننا أن نقول ( استنادا لمعلومات دقيقة ) ، أن محمد بن سلمان دفع ثمن الغارة التي أطلق الغرب فيها 120 صاروخا كلفتها مئتي مليون دولار – ناهيك عن فاتورة الاستثمار والإبحار والتهيئة والاستعداد لقد دفع محمد بن سلمان في واشنطن وباريس ولندن الفاتورة، ومن المضحك المبكي أن ترامب لم يتمالك نفسه عندما طلب منه محمد بن سلمان عدم سحب القوات الأميركية من سوريا، فقد قال ترامب ليتراجع عن قرار سحب قواته : ” إذا طلب منا السعوديون عدم سحب قواتنا فلن ننسحب ”، هل لاحظ أحد أنه أثناء قوله هذا الكلام كانت يده اليمنى تتحرك تلقائيا كأنها تعد الدولارات ؟!!! ، ارجعوا للصورة أو الفيديو .

مايهمنا هنا قوله أنه رغم ذلك فان لروسيا مصالح، فقد رمت بثقلها في سوريا في اللحظة التي وقعت فيها دمشق وموسكو اتفاق منح روسيا احتكارا للتنقيب واستخراج النفط والغاز من الساحل السوري، لكن قوات الولايات المتحدة وعملائها جاثمة على آبار نفط وغاز سوريا في شمال شرق سوريا، وارتكبت واشنطن مجازر الرقة التي مازال أهلها مدفونون تحت الرماد حتى الآن لتسيطر على مناطق النفط والغاز، وهذه ورقة مساومة كبيرة.

وفرنسا تضرب ليكون لها حصة، ولتدخل نادي الحل السياسي، وبريطانيا كذلك، ولاننسى ” إسرائيل ”، التي ترى أن تطويع الموقف السوري سيأتي من خلال دورها في الحل السياسي في سوريا.

بين قوى التنافس والصراع تدور الآن معركة مساومات على فاتورة إعادة إعمار سوريا ؟!!!، فرنسا قلقة لأنها تريد حصة ، لذلك تشارك في العدوان وتتصل بموسكو لتشرح نواياها بالمشاركة في الحل ” أي حصتها من الغلة ”، وكذلك بريطانيا، ولا شك أننا سنشهد تبادلا بين صراخ الدعوة للحل السياسي وبين أصوات المدافع إلى أن تصل المفاوضات المعلنة وغير المعلنة إلى معادلة ما !!!، هذا من جانب الحصص والأرباح وجني نتائج الاستثمارات.

هل ينهي هذا صراعا قام لأهداف أبعد من الحصص في الساحة السورية، فالمخطط وضع أساسا لتطويع سوريا ودفعها من خلال “المعارضة ”، التي تخيلوا هم في بادىء الأمر أنها ستربح المعركة لإبرام اتفاق سلام تعترف بموجبه بإسرائيل وثم الاتفاق على شراكة في الجولان (الجولان غني بالنفط)، الشركة الإسرائيلية التي تنقب عن النفط في الجولان، هي الشركة الوحيدة التي أصر روتشيلد على أن يكون في مجلس إدارتها (راجع غوغل)،المخطط كان بهدف أساسي هو شطب قضية فلسطين، وحسم أمر إسرائيل وتمددها على كامل الأرض الفلسطينية وأن تكون القدس عاصمتها، وأن يوطن الفلسطينيون (حسب مشروع كوشنر ومحمد بن سلمان) في الدول المحيطة ، وفي أرض تمتد من “رفح للعريش” !!.

ضمن هذا استراتيجيا كيف تفكر قوى المقاومة التي رفعت شعارات مواجهة ولواء التحرر ودحر العدوان وتحرير فلسطين؟

لقد اتخذ محور المقاومة إلى جانب مشاركته الفاعلة في إسناد الجيش العربي السوري مواقف واضحة أهمها :-
رفض مخطط ترامب
رفض موقف ترامب من القدس
الإصرار على مقاومة الاحتلال الصهيوني
تحرير فلسطين

مثل هذه المواقف الصائبة في ظل صراع وتنافس استراتيجي دولي ” شرحنا باختصار حدوده ”، تحتاج إلى رسم استراتيجية تمكن محور المقاومة من الاستفادة من ظروف وفرص الصراع والتنافس الدوليين، الإطار الواسع لهذه الإستراتيجية يبرز من خلال الحرب التي بدأت إسرائيل بشنها على إيران، فرد إسرائيل على الموقف الاستراتيجي الإيراني الرافض للاحتلال الإسرائيلي والمؤيد للحق الفلسطيني، هو إعلان الحرب على إيران بدءا بقواعدها ومجموعاتها وخبرائها الموجودين على الأراضي السورية (والدلائل ظاهرة رغم أن نشاط إسرائيل العدواني بقي خارج إطار الضوء في معظمه)، إذا كانت إسرائيل قد بدأت بترجمة إستراتيجيتها الخاصة بالحرب على إيران وهي تعلم مدى توافق وانسجام  ذلك مع إستراتيجية الامبرياليين وعملائهم في المنطقة فان من واجب محور المقاومة رسم إستراتيجية للهجوم الدفاعي مستندين إلى تناغم ذلك مع الحرب ضد الإرهابيين والإرهاب ، فإسرائيل هي أكبر قوة إرهابية على وجه الأرض ، وليس إيران – ( فالإستراتيجية الأميركية الإسرائيلية والسعودية وعملائهم يحاولون شن الحرب على إيران تحت تهمة الإرهاب، فحري بالمقاومة أن تصحح الصورة عمليا بالتصدي لأكبر قوى إرهابية – إسرائيل، فلسطين هي الدليل الأكبر على إرهاب إسرائيل، وهو معلن ولا داعي لفرق تفتيش وتحقيق).

قضية فلسطين التي تحاول إسرائيل وإدارة ترامب تصفيتها وإنهاءها أعقد كثيرا من أن يتمكنوا  من تنفيذ مآربهم بصصدها ـ وإذا كان الاتفاق السابق بين الغرب والشرق على إبقاء إسرائيل متفوقة عسكريا على كل الدول  العربية من خلال تزويدها بتسليح هجومي مدمر، ومن خلال عدم تزويد أي دولة عربية بأنظمة دفاعية قادرة على منع إسرائيل من تدمير الدول المحيطة بها، أو الدول المعادية لها، فالولايات المتحدة التي تزود إسرائيل على سبيل المثال لطائرات ف35 ، التي لا تلتقط على شاشات الرادارات تبقي إسرائيل متفوقة إلا في حالة واحدة، هي أن تقوم روسيا بتزويد دول عربية حليفة بالسلاح المضاد المناسب فتفقد إسرائيل تفوقها.

وفي هذه الأيام يهيمن القلق على الحكومة الإسرائيلية من ناحيتين : ناحية تزويد روسيا للجيش العربي السوري بنظام دفاعي يبطل مفعول التفوق الجوي الإسرائيلي، ويقضي على نسبة لا بأس بها من صواريخها الذكية، والناحية الثانية التي تقلق اسرائيل هي مواقف ترامب ” الذي حسب تحليلهم ”، أن الضربات التي وجهها العدوان الثلاثي على سوريا قد حققت الهدف المنشود من وراء الحرب التي شنت على سوريا، وأن اتفاقا سياسيا يجب أن يتلو ذلك، فإسرائيل تعتبر استمرار الحرب على أرض سوريا أمر ضروري لاستنزاف سوريا وإبقائها غارقة في بحر من دماء ابنائها، وبذلك لن تتمكن من توجيه أي جهد ضد إسرائيل، قاعدة الامبريالية وهي تسعى لتحويلها إلى ساحة حرب مع إيران، ويخشى الإسرائيليون مما يمكن أن تتوصل إليه واشنطن وموسكو من اتفاق على حل في الساحة السورية يضمن مصالح الدولتين دون إشراك إسرائيل كطرف في هذا الحل. فترة القلق هذه ضبابية الرؤية لإسرائيل ولواشنطن أيضا.

فالرئيس ترامب غريق في محيط الفضائح والاتهامات الموجهة له، وأخطرها تلك التي وجهها لهكومي رئيس الأف بي آي، الذي طرده ترامب من وظيفته قبل فترة قصيرة، فاتهامات كومي قد تضع ترامب في قفص اتهام ” تعطيل أو عرقلة العدالة ”، وهذا يقلق إسرائيل ، حيثما برز أمر يقلق إسرائيل تنشغل دوائر تل أبيب في هذا الأمر، وفي هذه الفترة تغرق الحكومة الإسرائيلية في تقييم الضربة الجوية الثلاثية ونتائجها السياسية، وتغرق في قلق احتمال تزويد روسيا لسوريا بنظام الدفاع الجوي اس 300 ، وقلق تنامي قوة محور المقاومة.

( ومن التجربة نستطيع أن نتوقع أن تخطط إسرائيل وتنفذ ضربات للمؤسسة العسكرية السورية لتظهر الفارق بين ضرباتها وضربات الغرب، ولتتابع حربها ضد إيران، وقد تشهد الأيام القريبة القادمة هذه الهجمات التي قد يشار إلى الطائرات التي نفذتها بصفة ” مجهولة الهوية ”).

وهنا تبرز أيضا الفرصة لمحور المقاومة للبدء بتنفيذ استراتيجي الهجوم الدفاعي، وستنقلب كثير من المعادلات السابقة أمام ذلك.

صحيفة رأي اليوم

أضيف بتاريخ :2018/04/19

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد