آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
د. هشام أحمد فرارجة
عن الكاتب :
أستاذ العلوم السياسية في جامعة سانت ماري في كاليفورنيا بالولايات المتحدة الأمريكية

لعبة شد الحبلْ هل قمة ترامب-كيم أضحت محتومة؟


د. هشام أحمد فرارجة

  لقد اعتاد الأمريكيون، ومعهم العالم كله إلى حد كبير، على أن يذهبوا للنوم على خبر ما من البيت الأبيض، حتى ليستفيقوا على خبر مغاير في الصباح الباكر، أسلوبا ومضمونا. هكذا كان الحال مؤخرا عندما أكد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بعد ظهر الثالث والعشرين من أيار أن مؤتمر القمة بينه وبين رئيس كورية الشمالية، كيم يونج أون سينعقد كما هو مخطط في الثاني عشر من حزيران القادم في سنغافورا، حتى ليعود عن هذا التأكيد ويرسل رسالة قاسية إلى الرئيس الكوري الشمالي صبيحة اليوم التالي، معلنا فيها إلغاء مؤتمر القمة. ولم تكد تمضِ أربع وعشرون ساعة على هذه الرسالة، حتى ليعود ترامب عن موقفه الأخير، ويؤكد من جديد أن القمة سيتم عقدها في المكان والزمان المحددين مسبقا كما كان مخططا.

  وكون الصراع مع كورية الشمالية يعتبر الأكثر تعقيدا حسب ما يعتقد الكثيرون من المسؤولين والمحللين الأمريكيين، فانه يعتقد أن انعكاسات هذه الخضات والتقلبات في مواقف ترامب سوف يكون لها بالغ الأثر على نفسية ومعنويات المواطنين الأمريكيين بشكل عام. فهم لم يعودوا قادرين على فهم ما يجول في خاطر رئيسهم، مما يبعث الكثير من البلبلة في أوساط الرأي العام ووسائل الإعلام، على حد سواء. وإزاء هذه التقلبات المتسارعة، يتساءل البعض أن ما كانت هذه التقلبات تشكل تعبيرا عن قدرات فذة يتمتع بها ترامب في إبرام الصفقات، بحيث يريد أن يكثّف من أدوات الضغط على كورية الشمالية بإعلانه إلغاء مؤتمر القمة، أو نتيجة طبيعية لمواقف من ليس لديه خبرة ولا تجربة في السياسة الخارجية من قبل.

  أيا كان الحال، لا أحد يستطيع أن يجزم يقينا أن مؤتمر القمة المزمع عقده قد أصبح أمرا حتميا. فحالة الغموض سوف تبقى تحيط بهذا الملف حتى آخر لحظة من موعد انعقاده. وحتى في حال انعقدت القمة، سوف تبقى حالة الضبابية أعظم من حيث النتائج المأمول تحقيقها لكلا الطرفين. فالمسافات جد متباعدة بين ترامب يطمح في أن يخرج بطلا فذا يستحق جائزة نوبل للسلام، كما يعتقد، من ناحية، ونظام سياسي في كورية الشمالية يسعى جاهدا لإبعاد شبح الولايات المتحدة عن شبه الجزيرة الكورية، من ناحية ثانية. أن طموح ترامب بأن ينجح في تجريد كورية الشمالية من ترسانتها العسكرية ومن مشروعها النووي مقابل وعود بمساعدات خارجية، لهو وهم لا يمت للواقع الحقيقي بصلة. فواضح أن الكوريين الشماليين متنبهون لهذه الأساليب الأمريكية التقليدية في السياسة الخارجية. بل والأكثر وضوحا أنهم يقودون حملة علاقات عامة تعكس مرونة واتزانا في صنع السياسة، إدراكا منهم، ربما، بحتمية المواجهة مع إدارة ترامب المتقلبة. فالحروب لا يتم خوضها على أرض المعركة، فحسب، وإنما أيضا في نفوس المتابعين والمهتمين والمتضررين. فحتى الآن، أصبح جليا للمواطن الأمريكي العادي أن كورية الشمالية قد قامت بعدة مبادرات حسن نية، كإطلاق سراح ثلاثة مواطنين أمريكيين كانوا محتجزين لديها، وأيضا بتدمير مراكز اختبار للسلاح النووي، وبحضور إعلاميين من مختلف أنحاء العالم، بمن فيهم من الولايات المتحدة نفسها. وبات واضحا لدى المواطن الأمريكي العادي أيضا أن المتقلب في المواقف والسياسات هو رئيسهم الذي ينام بمزاج ويصحو بمزاج آخر.

  هذه المنافسة في العلاقات العامة سوف يكون لها أثرها الكبير على مجريات الأمور، تبعا لما قد تتمخض عنه القمة من نتائج، هذا إذا ما تم عقدها. فلا شك أن قدرة البيت الأبيض على إقناع الرأي العام الأمريكي والحلفاء بضرورة شن هجمات عسكرية على كورية الشمالية سوف تكون محدودة للغاية. ومما لا شك فيه أن أصدقاء كورية الشمالية، خاصة جمهورية الصين الشعبية، لن يقفوا مكتوفي الأيدي حيال تدهور من هذا القبيل، خاصة بعد أن نجحت كورية الشمالية في إرسال رسائل قوية باستعدادها للمرونة والأخذ والعطاء. ولا شك أن روسيا سوف يكون لديها ما تقول وتفعل حيال أي إخلال ذات شأن في طبيعة النظام العالمي القائم.

  تكفي الإشارة هنا إلى أن أحدى النتائج المباشرة لإعلان ترامب إلغاء قمته مع كيم كانت تسارع القيادتين في كورية الشمالية وكورية الجنوبية لكي تلتقيا مرة ثانية للتنسيق عند الخط الفاصل في المنطقة منزوعة السلاح. فكيف يا ترى سوف يكون التنسيق بين البلدين لو أصبحت الحرب على الأبواب بالفعل؟ في الغالب، سوف يكون إخراج القوات الأمريكية من كورية الجنوبية هو أحد المطالب، ولربما أحدى النتائج الرئيسية التي على الولايات المتحدة التعامل معها.

فلا لعبة شد الحبل التي قام بها ترامب بتأكيد عقد القمة، ومن ثم إلغائها، ومن بعد أعادة التأكيد على عقدها، سوف تنجح في إبرام صفقة أفضل. لا ولا لهاثه وراء الأضواء في قمة غير مسبوقة، إذا ما انعقدت أصلا سوف ينقذ الموقف ويخفف من حدة التوتر في واحدة من أكثر قضايا العالم تعقيدا منذ الحرب العالمية الثانية. بل على العكس! أن ما يقوم به ترامب باستمرار تقلباته في المواقف هو الدخول في لعبة شد الأعصاب، والتي قد يصبح هو شخصيا إحدى ضحاياها الأوائل، وذلك بسبب عدم خبرته في السياسة الدولية. واضح أن كورية الشمالية قد درست واستوعبت مفاتيح شخصية ترامب الرئيسية. فتعبيرا عن فهم دقيق لمواطن الضعف في شخصية نرجسية تتمحور حول ذاتها، سارعت كورية الشمالية مباشرة عندما قام ترامب بإلغاء مؤتمر القمة إلى إطلاق المديح لترامب ووصفه بأشجع الرؤساء الأمريكيين بسبب إقدامه على عقد القمة، الأمر الذي حدا بترامب مباشرة للعدول عن موقف الإلغاء.

  ففي لعبة شد الحبل التي سرعان ما تحولت إلى لعبة شد الأعصاب بسبب فهم كورية الشمالية لشخصية ترامب، في العادة ما تكون الغلبة لمن يتمتع بطول النفس ولمن يتسم بالثبات في المواقف.

صحيفة رأي اليوم

أضيف بتاريخ :2018/05/31

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد