آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
محمد لواتي
عن الكاتب :
رئيس تحرير يومية المُستقبل المغاربي

بين إيران وأميركا حرب أم مُباحثات؟


محمّد لواتي

المشكلة لدى أميركا إنها لم تفهم بعد أن العالم يتغيّر من الأحادية القطبية إلى الثنائية القطبية كما تحاول أميركا التصدّي لها بحصار روسيا،لأن دخول الصين  بالفيتو في مجلس الأمن الدولي  يعني أنها هي أيضا شريكة فيها وبقوّة اقتصادية تتجاوز بعد سنة2019 القوة الاقتصادية الأميركية إن لم تكن تجاوزتها فعلاً مع بداية السنة الحالية.

جاءت تصريحات ترامب للحوار مع إيران فجأة ولاغية لما قبلها من التهديد والوعيد مطالباً إيران بالتفاوض  ومن دون شروط

حين يتراجع المسؤولون الأميركيون عن قولهم الذي طالما ردّدوه وأسّسوا له منظمات إرهابية وهو"تغيير النظام في طهران'' ويؤكّدون أنهم لا نيّة لهم في ذلك الآن  يبدو أنهم  فهموا اللعبة الخطرة التي حاولوا أن يلعبوها مع إيران، وأنهم بالتالي هم اليوم أمام منطق غير المنطق الذي فهموه من أدواتهم في المنطقة ومعهم بالتأكيد إسرائيل .. وهنا يمكن التأكيد على أن لا حرب ستكون بين إيران والولايات المتحدة الأميركية.. إيران مهمة لأميركا سياسياً واقتصادياً  بينما إيران ليست في حاجة إلى أميركا سياسياً ومواقفها ثابتة تجاه إسرائيل، تحتاج أميركا لإيران لأسبابٍ عدّة أهمها: أخذ ضمان منها لضمان الأمن الإسرائيلي المُهدّد من زاويتين على الأقل،الزاوية الإيرانية، وزاوية حزب الله. بالإضافة إلى الأهمية الاستراتيجية لإيران لوجودها على( الجغرافيا  السياسية في منطقة  حسّاسة جداً وخاصة بالنسبة  لقربها من إسرائيل "القاعدة الأميركية المُتقدّمة") والحيوية التي تقدّمها أيضاً لاقتصاديات العالم،عبر مضيق هرمز وذلك كله مهم لأميركا ولو مؤقتاً، لكن ترامب بأفعاله غير المسؤولة يهدّد العالم بسبب العقوبات التي يوقّعها ضد الكل، سواء على إيران أو على أوروبا وروسيا والصين ..

ثم إن إيران دولة كبيرة ومهمة في منطقة مُلتهبة، ولا يمكن إلغاؤها من أية تسوية في المنطقة.. إنها باختصار تساوي من حيث القيمة للمصالح الأميركية في منطقة الشرق الأوسط وتساوي لوحدها مجموع دول الخليج، وتزايد  نفوذها في المنطقة (من اليمن إلى غزّة) يُهدّد المصالح الأميركية حسب أميركا.. ربما وبلا توصيف أخلاقي فإن الحصار الأميركي لإيران اقتصادياً  يبدو أكثر خطأ ارتكبه " دولاند ترامب،" فهو بالأساس  حصار غير واقعي  مادامت إيران على علاقة استراتيجية مع روسيا والأقرب من هذا مع الصين، ربما أميركا لم تقرأ جيّداً الفقرات المهمة التي وردت في خطاب الرئيس بوتين  في خطابه السنوي الأخير للأمّة، حيث أكّد صوتاً وصورة إن أمن أصدقاء روسيا من أمن روسيا، وأوضح ذلك  بعضه بأهم إنتاج للمؤسّسة العسكرية بصواريخ لا مثيل لها  بإمكانها الوصول إلى آخر نقطة في الكرة الأرضية. مثل  صاروخ سامارت  وهذا ما حذّر منه"كيسينجر" بالقول "أعتقد إننا نمر بمرحلةٍ صعبةٍ جداً بالنسبة للعالم بأسره".

ذلك أن المشكلة لدى أميركا إنها لم تفهم بعد أن العالم يتغيّر من الأحادية القطبية إلى الثنائية القطبية كما تحاول أميركا التصدّي لها بحصار روسيا،لأن دخول الصين  بالفيتو في مجلس الأمن الدولي  يعني أنها هي أيضا شريكة فيها وبقوّة اقتصادية تتجاوز بعد سنة2019 القوة الاقتصادية الأميركية إن لم تكن تجاوزتها فعلاً مع بداية السنة الحالية، وفضلاً عن هذا الصعود للقطبين الصيني والروسي  يمكن التأكيد  على أن المدخل للتعددية القطبية  يكون قد بدأ في 2007 انطلاقاً من خطاب  الرئيس بوتين في مؤتمر ميونيخ  للأمن. وكان على أميركا أن تقرأ جيّداً  ما جاء في هذا الخطاب  وما  تلاه من الفيتو المزدوج في مجلس الأمن ..

ربما  باراك أوباما كان أقرب إلى الفهم لهذا المُتغيّر من "دولاند ترامب" حين أشار على دول الخليج إلى التصالح مع إيران وإلى فهم واقعهم خارج الاعتماد على أميركا، لكن ترامب كرجل غير سياسي والحامِل لفكر المقاولات ذهب بعيداً في توجيه السياسة الخارجية الأميركية بالاعتماد على  التغريد، وفي أغلب الأحيان خارج السرب ربما يكون قد دفعه سوء التقدير لمواقف كيم جيم أون، بما ظن أنه انتصار لسياسته بعد الاجتماع المباشر مع زعيم كوريا الشمالية والتفاؤل المُفرط بنزع السلاح النووي لكوريا الشمالية، بحيث ظنّ أن قوله أوامر وأن المُستمِع إليه ما عليه إلا أن ينفّذ غير أن ذلك بدا وهماً، وهذا ما  أكده لوديريان "في الوقت الراهن كوريا الشمالية لم تحقّق النتائج المُنتظرة..".

ولو قرأ جيّداً مواقف زعيم كوريا الشمالية وهو الذي يحمل على ظهره أكثر من  70 عاماً من المُعاناة من السياسة الأميركية وما أصاب أمّته من هذه السياسة يعلم يقيناً إن ما يؤمن به  ترامب ما هو إلا مجرّد هُراء ... إن نسيان التاريخ  يعني الإفلاس في كل شيء  قد يحدث هذا أميركياً، أما في كوريا فأمر مستحيل ..  وربما ذلك مُتاح لمَن يُدير شؤون بلده بسياسة الأوهام، لكن هذه المرة جاء بدعوته لإيران بالحوار بما هو غير قابل أصلاً لتقبّل الأوهام جاء بدعوته التهديدية ضد إيران ،  وبكلام لا ينطق به إلا مَن كان عديم الحسّ الإنساني حيث  قال ((إياك أبداً أن تهدّد الولايات المتحدة مرة أخرى وإلا فستواجه عواقب لم يختبرها سوى قلّة عبر التاريخ)). فجاء الرد سريعاً  وعلى لسان الجنرال  سليماني((  إن الرئيس الأميركي دونالد ترامب يجب أن يوجّه إليه هو الحديث عندما يهدّد طهران)) وأشار ساخراً إلى أن "أدبيات ترامب لا زالت أدبيات الملاهي ونوادي القمار.". وكان ترامب بتهديده يقول (ما أريكم إلا ما أرى ) وهنا  يمكن التنبيه إنه إذا كان يقصد بتهديده هذا ضرب إيران  نوويا فإنه لم يفكّر في روسيا وهي على علاقة استراتيجية مع إيران ولن تقف  مكتوفة الأيدي ، فضلاً عن الصين وباكستان أيضاً... ولم تكتف إيران  برد  قاسم سليماني فقد أكّدت وزارة الخارجية الإيرانية استحالة أية مفاوضات بين طهران وواشنطن في الوقت الحالي، "لأن واشنطن أثبتت عدم مصداقيتها ".

وجاء رد إيران  عملياً من مناصريها في اليمن بضرب البارجة السعودية في البحر الأحمر كدليل واقعي على أن مضيق هرمز وباب المندب تحت القبضة الإيرانية  والتي هدّدت  بإغلاقه في حال منع تصدير نفطها.. وهذا دليل عملي على أن لإيران أوراقاً هي أقوي من أوراق ترامب  وعملائه في المنطقة ، هنا تأكد للإدارة الأميركية  أن اللعب مع إيران يعني  اللعب بكل مصالح أميركا  فضلاً عما يصيب العالم من مخاطر لا يمكن تقدير محتواها.. إذن أميركا بقيادة دولاند ترامب لم تعد تلعب من فوق الشجرة بل على الجغرافيا المؤدّية للانهيار.. أمام هذه الحفر التي سقطت فيها وهي أصلاً هنا لا تواجه إيران  بل تواجه التاريخ  الذي ظل يلعب لصالح إيران ولشعبها وللجغرافيا  فيها التي لا تقبل التجزيئية كما لا تقبل المشي فوقها للغزاة إلا حفاة عُراة، ما دفع ترامب إلى العودة إلى وعيه ولو جزئياً وبعد أن عرف  أن ما يقوم به ضد إيران هو فعل خاسر وربما سيكون الأسوأ في تاريخ أميركا..

جاءت تصريحات ترامب للحوار مع إيران فجأة ولاغية لما قبلها من التهديد والوعيد مطالباً إيران بالتفاوض  ومن دون شروط  مسبقة ووفقاً لليد الممدودة للحوار( للتفاوض)  وفي أيّ مكان تريده إيران ورد ذلك في مؤتمر صحفي مشترك بينه وبين رئيس الوزراء الإيطالي جوزيبي كونتي، عقد في البيت الأبيض، قائلاً  : "يمكنني لقاء أي واحد.. أنا أؤمن بلقاءات.. لا سيما في حالات يوجد فيها خطر حرب ".وتابع "بالطبع سألتقي مع الإيرانيين إذا كانوا يريدون اللقاء"، مضيفاً أنه سيصرّ على عدم طرح أية شروط مسبقة لمثل هذا اللقاء. والسؤال  هنا  هل هو مجرد كلام أم هو تعبير عن المخاوف التي أملاها رد إيران القوي؟ والإجابة عن السؤال يجيب عنه تراجع بومبيو(وزير الخارجية)  على شروطه الثلاثة بعد ساعة من الإعلان عنها  ما يدل على أن الموقف الإيراني ليس ألعوبة أمام تهديد صارِم يضع العالم اقتصادياً على المحك أيعلى أبواب أزمة عالمية خاصة في ضوء الحرب التجارية التي يمارسها ترامب.. وهنا  تساءل الكثير من السياسيين  والمحللين عن هذا التراجع ، وذهب البعض منهم في استهزاء إلى المفاوضات بين المؤسّسات الأميركية الثلاث   (البنتاغون، والمخابرات، البيت الأبيض )  للاتفاق على رؤية موحّدة  ، لكن فجأة  يتغيّر المشهد في هذا التناقض ويصرّح  وزير الخارجية "بومبيو" إن الحوار ممكن  ومن دون شروط مسبقة "خلاصة القول .. إن  أميركا  أمام  اختيارين  أحلاهما  مرّ، إما قرع طبول الحرب  وإما القبول بإيران  كلاعبٍ إقليمي أساسي.

لصالح موقع "الميادين نت"

أضيف بتاريخ :2018/08/04

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد