آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
عبد الوهاب الشرفي
عن الكاتب :
‏‏‏محاسب قانوني معتمد ، رئيس مركز الرصد الديمقراطي (اليمن) ، كاتب ومحلل سياسي .

هل سيغلق الاعتراف والرواية السعودية ملف خاشقجي؟ وهل نحن أمام نهاية للازمة أم أمام بداية لها؟

 

عبدالوهاب الشرفي

أخيرا جمال خاشقجي – رحمه الله – قتل رسميا , وقتل داخل القنصلية , و تقول الرواية السعودية أنه قتل نتيجة شجار أثناء المناقشة , وتم إعفاء مسئولين هما العسيري من الاستخبارات العامة والقحطاني من الديوان الملكي واعتقل 18 شخصا على ذمة القضية .

الرواية السعودية  تمثل مخرجا قانونيا وفق ماهو متاح لن تخلي ساحة السعودية بالكامل باعتبار أن جريمة ارتكبت وتم معاقبة فاعليها وانتهى الأمر , إذ أن فاعلية هذه التخريجة لابد يكون نسبيا في كل الحالات , وستكون نسبيته أعلى في حال أنها تخريجة تم التنسيق لها مع الأمريكيين و الأتراك أو ستكون ذات نسبية ضعيفة للغاية في حال أنها تخريجة سعودية فقط أو سعودية أمريكية وليس للجانب التركي أي حضور فيها .

الأمر الملكي صدر أيضا بتشكيل لجنة برئاسة بن سلمان ولي العهد لإعادة هيكلة الاستخبارات العامة في السعودية وهذا يعني أنه ما من تفكير في الوصول لإزاحة ولي العهد من منصبه ولو بعد حين , وأن السعودية ستقف عند هذه النقطة المتمثلة في المسئولية الإدارية لمن أقالتهم و المسئولية الجنائية لمن أوقفتهم وهو ما يمكن تصور الموقف السعودي الذي سيتبنى رسميا وسيتم الانطلاق منه للفترة القادمة من الأزمة , ولا مجال للوصول بها أرفع من ذلك وبلوغا لولي العهد الذي تحمل الجريمة مزاج وقوفه ورائها لاعتبارات هيمنته المفرطة على القرار في المملكة .

أسئلة كثيرة ستكون في صدام مع هذه الرواية السعودية لعل أولها وأهونها في ذات الوقت ماهو النقاش الذي أرسل له 15 ضابطا سعوديا إلى تركيا والرجل ليس مطلوبا ولا ملاحقا وتقدم للقنصلية لانجاز معاملة وليس غير ذلك , ولا وجود لمعاملة أو نقاش يتطلب هذه التوليفة من التخصصات التي ضمها الفريق الذي أرسل إلى تركيا !! .

ساقت تركيا ولو بصفة غير رسمية رواية بشعة للجريمة , واعتمدت عليها في تحشيد الموقف المساند لها والضاغط على السعودية والذي تمكنت به من تفتيش القنصلية ومنزل القنصل بالطريقة التي اختارتها , وهذه الرواية السعودية لن تستقيم مع ماساقته تركيا من صورة للجريمة الوحشية التي ارتكبت بحق خاشقجي بحسب تسريبات المصادر الأمنية التركية , والتسليم بالرواية السعودية من قبل الأتراك سيرتد سلبا عليهم وسيضرب الصورة التركية بقدر كبير يؤثر على موقفها في المتابعات القادمة للقضية وعلى موقفها من أي قضايا أخرى قادمة أيضا وسيحدث ذلك حتى ولو كانت كل تلك الروايات تسريبات وليست رسمية أقلها في أنها تركت العالم تتلاعب به تصريحات وحشية نسبت لمصادر أمنية تركية ولم توضح أي شيء بشأنها رغم غزارتها وبشاعتها و إدراكها أن الكثير من الدول اتخذت مواقفها انطلاقا منها وهو أمر ضارب للصورة التركية لاريب .

تظل الجثة هي العماد في الأسئلة التي ستكون في صدام مع الرواية السعودية و في حماية الأتراك من التأثيرات السلبية عليهم تبعا للرواية السعودية , وما أن انتهى الأتراك من تفتيش القنصلية و منزل القنصل حتى أطلقوا حملة بمئات الإفراد الأمنيين للبحث عن الجثة في اسطنبول ومحيطها ما يعني أن الجثة لم يتم العثور عليها في القنصلية أو منزل القنصل , وبالرواية السعودية لم تعد مسألة العثور على الجثة لإثبات قتل خاشقجي في ظل الرواية السعودية السابقة بأنه خرج من القنصلية وإنما أصبح العثور عليها مسألة متعلقة بمصداقية الرواية الرسمية السعودية أنه قتل نتيجة شجار أو الرواية المسربة تركيا بأنه صفي وبطريقة وحشية .

لم تعد مسألة العثور على الجثة مسألة إثبات القتل كما قلت فالقتل ثبت بالرواية السعودية وبالاعتراف فالوصول للجثة بات أحد التزامات السعودية أيضا حتى لو فشلت الحملة التركية الواسعة للبحث عنها في العثور عليها  , فمن قتلوه هم بقبضة الأمن السعودي حسب الإعلان السعودي وهم من يفترض أن يرشدوا إلى أين اخفوا الجثة , وهنا يمكن تحديد ما إذا كان هناك تنسيق سعودي تركي بشأن الرواية السعودية وأن تركيا آثرت أن تتحمل التبعات السلبية التي ستلحقها نتيجة تلك الرواية على تفجر الموقف بينها وبين السعودية  أم أن الأمر ( الرواية )  سعودي وحسب , وهو أمر سيتحدد من خلال تمسك تركيا بضرورة الوقوف العلني على الجثة وليس الوقوف الشكلي بأن يتم إخراج خبر بأنه تم مواراة الجثمان الثرى بحضور أهله وذويه أو نحو ذلك .

في حال تمسك تركيا باستكمال التحقيق و الوقوف العلني على الجثة تكون الرواية السعودية هي رؤية السعودية لمواجهة الأزمة بعيدا عن الأتراك وهذا يعني تطور الأزمة بين الجانبين بشكل كبير سيصل لقطع العلاقة رسميا و لتصاعد حاد في الحرب الباردة بينهما في ملفات المنطقة و تطرف أكثر في التموضع المقابل لكل منهما في التحالفات الإقليمية والدولية .

الرواية السعودية تقفل باب المسئولية عن القتل فالسعودية تحملت ذلك رسميا وبالطريقة التي رأتها مناسبة , لكنها ستنقل الأزمة لجوانب أخرى حول الجثة في حال أنها خرجت من تركيا أو أنها لم تخرج لكن لم يتمكن البحث التركي من العثور عليها , وحول التحقيق ومحاكمة الفاعلين وتسليمهم للجانب التركي باعتبار الجريمة تمت على أرضيها حتى وان كان القتل قد تم داخل القنصلية فحصانتها ستسقط بالنسبة لوقت  ارتكاب جريمة بعد الاعتراف السعودي بأنها تمت داخلها .

بالنسبة لتركيا ليس من مسئوليتها أو مقبولا منها أن تسعى لإثبات مسئولية بن سلمان عن الجريمة فهذا سيظل اهتمام الرأي العام وغير التركي بالدرجة الأولى فهي أما أن لاتناقش الرواية التركية و مجال الأزمة سينتقل للوقوف على الجثة و التحقيق ومحاكمة الجناة أو أن تناقشها وترفضها لأسباب غير أنها لاتطال بن سلمان وهنا ستصل المسألة لقطع علاقتها مع المملكة للأسباب التي ستبديها ترتيبا على الرواية السعودية , واختيار السعودية عدم السماح بوصول المسئولية لولي العهد سيكون أمر اختارت السعودية مواجهة العالم دونه وستواجه كثير من الضغوط في هذا الجانب دون شك على الأقل من جانب الرأي العام .

لأسبوعين وقضية خاشقجي تشغل العالم ولم تنحسر إثارتها طوال الفترة الماضية لكن يبدوا أنها أيضا حتى بهذا الاعتراف السعودي بأن من فعلها هم سعوديون وداخل القنصلية السعودية لن تنتهي القضية ولن يحد من أثارتها بل من المحتمل أن تتصاعد تلك الإثارة على الأقل لفترة قريبة قادمة . وهذه الرواية والقرارات السعودية التي صدرت ليل الأمس طرحت سؤال هو هل نحن أمام نهاية لازمة خاشقجي أم أمام بدايتها ؟ وما يمكن الجزم به أنها لم تنتهي بعد .

صحيفة رأي اليوم

أضيف بتاريخ :2018/10/21

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد