آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
طلال سلمان
عن الكاتب :
طلال سلمان (مواليد 1938) هو صحافي لبناني كبير مؤسس جريدة السفير اللبنانية اليومية. شكل منذ عقود مرجعية إعلامية في الشؤون العربية واللبنانية تحظى بالتقدير، وبالتأثير في الرأي العام.

“غزة هاشم” ترسم ملامح المستقبل.. وإسرائيل توسع مجال هيمنتها.. عربياً!

 

طلال سلمان

لولا “غزة هاشم” لنسي العرب فلسطين، قضيتهم التي كانت مقدسة وصارت مطروحة في مناقصة مفتوحة بين العدو الإسرائيلي وراعيه الأميركي الذي جعله التخاذل العربي الخصم والحكم.. وباب التنازلات سعياً إلى “الحل” أي حل، ولو كان ثمنه ضياع فلسطين.

فالسلطة التي لا سلطة لها في الضفة الغربية لا تملك قرارها، فهي مرتهنة للمحتل الإسرائيلي الذي ما زال جيشه معززاً بشرطته هو “السلطة” الفعلية: ينسف بيوت المقاومين الذين يصنفهم “إرهابيين”، ويعتقل الرجال والنساء، الشباب والصبايا والفتيات الصغيرات اللواتي تشربن روح المقاومة من شراسة الاحتلال واعتداءاته اليومية على الشعب الفلسطيني.

و”الوسيط” الأميركي حليف حقيقي للعدو الإسرائيلي، لا يكتفي بتزويده بالسلاح المدمر وأسرار تصنيعه، طائرات وحوامات ودبابات و”صواريخ ذكية” بل يفتح له أبواب العواصم العربية المغلقة.. والدور الآن على الخليج العربي بدوله المختلفة، كبيرتها والصغيرة، وآخرها عُمان وسلطانها قابوس.

وكان السلطان قابوس يعتمد تحييد سلطنته عن الصراعات العربية ـ العربية، كما عن صراع بعض الدول مع الغير… وكانت دبلوماسيته تتقدم دائماً للعب دور الوسيط بين “الأخوة ـ الأعداء”، أو بين بعضهم في الخليج العربي وبين إيران، ويتعاطى بموضوع العلاقات مع العدو الإسرائيلي بحذر..

فجأة استفاق المواطنون العرب على زيارة سرية معززة بالصواريخ لرئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو ومعه عقليته والسلطان يُقبل عليها مصافحاً ومرحباً بحرارة.. وعند باب الخروج يصرح بأن هذه الزيارة تأتي في سياق توطيد العلاقات مع إمارات الخليج العربي، ثم يضيف بحماسة: أن أبواب العالم العربي باتت، بأكثريتها مفتوحة للصلح مع إسرائيل، وهذا يطمئن على المستقبل!

أول الغيث جاء من دبي التي أعلنت إسرائيل رسمياً، أنها ستفتتح قريبا قنصلية لها فيها.. وينتظر أن تلتحق بها مملكة البحرين قريباً، خصوصاً وان “وفوداً شعبية” منها قد زارت دولة الاحتلال الإسرائيلي بذريعة، الصلاة في المسجد الأقصى..
*****
لكن هذه المشاهد لا تقدم الصورة الكاملة عن الصراع العربي ـ الإسرائيلي بعنوان فلسطين فثمة حقائق راسخة تُكتب يومياً بالدم، لا يمكن حذفها أو تجاهلها..

فلقد صيرت المقاومة الباسلة والصمود العظيم “غزة هاشم” أخر قلعة لإرادة الأمة العربية في الصمود ومواجهة العدوان الإسرائيلي المفتوح على شعبها الفلسطيني، غارات طيران متواصلة، ومدفعية جيشه والصواريخ المدمرة لا توفر جامعة أو مدرسة فضلاً عن بيوت الفقراء ودور العبادة ومخيمات النازحين… ومع ذلك يخرج فتية غزة كل يوم جمعة إلى الشريط المكهرب الذي أقامه العدو الإسرائيلي حداً بين القلب والعين وقد حملوا “أسلحتهم الثقيلة” من الحجارة المباركة، ليقذفوا بها المستوطنين المسلحين والجنود المختبئين في دباباتهم أو في منصات إطلاق الصواريخ.

يحمل شهداء الغد من فتية غزة شهداء اليوم وجرحاهم الذين يرفضون الخروج من الميدان، ويركضون بهم إلى أي “مكان آمن”، ليعودوا بسرعة إلى ميدان المواجهة..

يجلس “العرب” في “الدول” المحيطة بغزة على اقفيتهم أمام شاشات التلفزة، يتفرجون على المذبحة الجديدة صامتين، وقد يقرأ بعضهم آيات من القرآن الكريم أو من الإنجيل المقدس طلباً للرحمة للشهداء… ثم يتنهدون: أهي على أرواح الشهداء في غزة أم على فلسطين كلها، أم على الأمة جميعاً؟!
*****
يعود بنيامين نتنياهو من زيارته الرسمية لسلطان عُمان، قابوس ذي العمامة، مبتهجاً ليعلن أن معظم العربية باتت مفتوحة أمامه.

يشد السلطان على يدي السفاح وقد افترت شفتاه عن ابتسامة نادرة، ثم يصافح زوجته بحرارة ملحوظة (وهو العازب الأبدي)، قبل تبادل الهدايا..

تفسد “الحرب الجديدة” على غزة فرحته بهذا الفتح الجديد في آخر نقطة من الجزيرة العربية، خصوصاً وأن وزير دفاعه ليبرمان قد اختار الحرب على غزة طريقا لمنافسة نتنياهو على رئاسة وزارة الاحتلال، فأمر بدك المدن والقرى والمخيمات بوصفها منصات للصواريخ.. لكن الرد جاء أعنف مما توقع فحقق أصابات مباشرة داخل الكيان الإسرائيلي، بل وعطل صواريخه… وهي مفخرة الصناعة الأميركية والمتراس الذي يحتمي به كيان العدو..

هل تقطعت أواصر القربى بين الدول العربية، وانصرفت كل دولة منها إلى ترتيب شؤونها ومصالحها على حساب سائر إخوانهم من العرب وفلسطين بالذات؟!

وهل باتت قوة العدو الإسرائيلي ضمانة لبعض الكيانات العربية التي انشئت على حساب حلم الأمة بالوحدة، أو بالاتحاد، أو بالتضامن، وهذا أضعف الإيمان؟

أن العرب يقاتلون، الآن، العرب: من اليمن إلى سوريا فإلى العراق فإلى ليبيا في الشطر الأفريقي من الوطن العربي..

والدول العربية، عموماً، تشتري أكثر من حاجتها لحماية كياناتها، وبعضها شرعي وله حيثيته التاريخية، وبعضها الآخر مصطنع ومبتدع لأغراض الخارج ومصالحه..

بل أن العديد من الدول العربية “محميات”، يحرسها الخارج ويرعاها لأنها تحقق له بعض مصالحه أو تحميها.. من أهلها الأقربين!

هل باتت الولايات المتحدة الأميركية (وضمنها إسرائيل) هي “مرجعية العرب” في الحرب والسلم.. في الحاضر والمستقبل، علما بأنها تنظر إلى الكيان الإسرائيلي، وكـأنه ولاية أميركية قوية مزروعة في هذا الوطن العربي لتبدل من طبيعته وهويته وتجعله مجرد جهة جغرافية: فهو “الشرق الأوسط”، الذي لا أهل له كانوا على امتداد التاريخ أهله، ولا هوية له في الماضي أو في الحاضر، ولا مستقبل له إلا بالقرار الإسرائيلي، وهو هو القرار الأميركي.

والسؤال الحقيقي، في هذه اللحظة: إلى أين سوف ينتهي العرب؟ والى ماذا ستنتهي دولهم المقتتلة والتي تستنفذ مواردها في الاقتتال في ما بينها، من سوريا إلى العراق، إلى اليمن، إلى ليبيا الخ..

أنهم، عموماً، يستظلون الحماية الأميركية، وهي هي أميركا التي تسلح إسرائيل بأحدث وأقوى الأسلحة وتدعم اقتصادها وتفتح لها العواصم المغلقة في وجه تمددها بهدف الهيمنة على المنطقة جميعا؟!

تلك هي المسألة، التي ستبقى جرحاً مفتوحاً ينزف كرامة الأمة ومستقبل كياناتها التي اصطنعها ـ بمعظمها ـ الأجنبي، وما زال يصادر قرارها أو يتحكم به حتى اليوم؟

صحيفة رأي اليوم

أضيف بتاريخ :2018/11/23

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد