آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
د. وفيق إبراهيم
عن الكاتب :
باحث استراتيجي متخصص في شؤون الشرق الأوسط

الأسانيد الخليجية لعداء إيران مجرد تلفيق واختراعات!

 

د. وفيق إبراهيم

تذهب اللغة الإعلامية المعاصرة في استعداء إيران الى حدود تصويرها عدواً تاريخياً دائماً للعرب يقاتلهم منذ المراحل التي سبقت الإسلام وحتى الآن.

لا تريد هذه المقالة الدفاع عن الدور الإيراني باختراع ترهات وأضاليل بقدر ما تنشدُ الإنارة على الحقيقة في أشداق ملتهميها، وذلك للتأكيد على ضرورة التحالف العربي الإيراني في معادلة الصراع العربي مع «إسرائيل» والأميركيين.

أولى الاختراعات الخليجية، تمنح إيران دور المسيطر على البلدان العربية منذ آلاف السنين، والحقيقة أنه لا وجود لدولة عربية قبل الإسلام أي منذ نحو 1400 عام فقط.

كانت هناك سلطات صغيرة لمشيخات عشائر تتصارع على موارد المياه، لأن غياب إمكانية الزراعة في هذه المناطق الصحراوية حال دون تشكل دول مركزية كبيرة.

لذلك خضعت شبه الجزيرة العربية لصراع بين ثلاث قوى إقليمية رومانية سيطرت على كامل المنطقة، وإغريقية يونانية منافسة وفارسية كانت تحارب الإغريق والروم وتنتمي بمفردها الى منطقة «الشرق» كما كانت تسمى آنذاك فيما الإغريق يونانيون والروم إيطاليون أوروبيون وكانت تظهر بين الفينة والأخرى دول آشورية وآرامية وفرعونية تحاول أداء دور إقليمي وتفشل.

هذا لا ينفي حدوث صراعات بين الفرس واليمن والفراعنة والآراميين انما من ضمن معادلة القتال مع الروم والإغريق.

وكما أنشأ الرومان سلطة «للغساسنة» شكلت عيناً لهم على جزيرة العرب من ناحية سورية، أسس الفرس سلطة لقبيلة المناذرة كانت عيونهم على العرب من خلال جنوب العراق.

انتهت هذه الوضعية مع ظهور الإسلام الذي قضى على ثلاث امبراطوريات: الفارسية والرومانية والإغريقية مؤسساً دولة إسلامية سيطرت على كامل المنطقة، واستمرت مع الأمويين في عاصمتهم دمشق والعباسيين في عاصمتهم بغداد.

لا بد هنا من تأكيد خلو شبه جزيرة العرب من أي دولة ذات طابع تاريخي، كان هناك مجرد مشيخات صغيرة متناحرة ومتحاربة في معارك البحث عن المياه.

ومنذ سقوط الدولة العباسية تعاقبت الدول الإسلامية من مماليك وأخشيديين وأيوبيين وعثمانيين، لم يكونوا من شبه الجزيرة أو من العراق والشام ومصر، كانوا غرباء في خدمة الدول الإسلامية وانقلبوا عليها، وحدهم الفرس في عصر الدولة العثمانية تمكنوا من بناء دولة قوية حكمتها عائلة «صفوية» من اصول تركية كانت تتنازع على السلطة مع أولاد عمها بني عثمان وعندما خسرت الصراع في تركيا تراجعت إلى إيران وأسست دولة في القرن السادس عشر.

ونجحت في تحويل إيران إلى المذهب الشيعي منذ ذلك التاريخ وذلك للمزيد من معاداة الدولة العثمانية الصوفية المتحولة بدورها إلى المذهب الحنفي.

فأين هذا العداء العربي الفارسي الذي لا أصول تاريخية له؟

يبدو أن العثمانيين أمروا كل علماء المسلمين في ذلك الوقت باستهداف إيران بذريعة أنها خرجت عن الإجماع السني، كما فرض الأتراك المذهب الذي ينتمون إليه على المناطق كلها التي كانوا يحتلونها، ما أسس لحذر بين فئات المسلمين، علماً أن العثمانيين تخلوا عن الصوفية لأنها تلحظ أن يكون خليفة المسلمين من الهاشميين وذهبوا إلى مذهب آخر يتيح لهم الخلافة.

هذا هو التاريخ فماذا عن السياسة؟

قضى الاستعماران الفرنسي والبريطاني على الدولة العثمانية متوزعين مناطق احتلالها وبعد اكتشاف النفط اصبح بإمكانهم تأسيس دول عربية لا تحتاج الى الزراعة وبوسعها تحلية مياه البحر.

وهكذا اتسمت مرحلة 1850 1960 بإنشاء دول السعودية والكويت والإمارات وقطر، كما جرى تقسيم سورية وتشذيب مصر والعراق واختراع دول شمالي أفريقيا.

فكيف يمكن أن يكون هناك عداء بين دول عربية لم تكن موجودة بعد وإيران التاريخية؟

أصبح هناك قاسم مشترك بين الفرس والعرب وهو خضوعهم للمستعمر البريطاني والفرنسي نفسهما ولاحقاً الأميركي، القاسم الآخر انهم لم يتقاتلوا مرة واحدة في المئة سنة الماضية كانوا فيها مثال النعجة المطيعة للمستعمرين.

للأمانة التاريخية جابه حكام إيران من الصفويين الأتراك في أواخر القرن السادس عشر محاولات عثمانية متواصلة لاحتلال إيران من خلال العراق.

فلماذا إذاً تخترع الدول العربية الحديثة المولد عداء تاريخياً مع إيران التاريخية؟ إنه الاستغلال العثماني الذي فاقم من حجم الفتنة السنية الشيعية لتكريس احتلاله للمناطق العربية.

يتبين بالاستدلال التاريخي أن مرحلة النصف الاول من القرن العشرين وحتى 1980، اتسمت بعلاقات ود وجوار بين إيران الشاهنشاهية والدول العربية الحديثة وذلك بسبب الولاء المشترك للغرب.

وتحوّل هذا التقارب الى تحالف كانت تؤيد فيه طهران بلدان الخليج وتقف في وجه الحركات القومية العربية، سورية والعراق ومصر وتؤيد الأميركيين والإسرائيليين.

هذا لا ينفي وجود نوع من الاستعلاء الفارسي التاريخي على عرب البداوة كحال استعلاء الفرنسيين على البلجيك أو الالمان على السلاف، هذه نوادر يرويها التاريخ، لكنه لا يتوقف عندها.

وتدفع إلى البحث عن الحقيقة وتبدأ بنجاح الثورة الإسلامية في إيران في 1979 فوقع الطلاق الإيراني مع السياسة الأميركية منعكساً بسرعة إلى عداء خليجي عراقي مرحلة صدام لإيران أدى إلى دعم النظام العراقي في هجوم اجتياح إيران بعمق مئة كيلومتر بتمويل خليجي ودعم أميركي كامل، فهل هذه حرب عربية؟ وما هي أسبابها؟ أعلنت الدولة الإيرانية الجديدة أنها مع تحرير كامل فلسطين وتعادي النفوذ الغربي في العالم الإسلامي. ومنذ ذلك التاريخ تقف دول الخليج في وجه إيران وتحرض الغرب على تدميرها الى حدود بدء تطبيع مع «إسرائيل» في حلف معادٍ لها، لذلك فإن الاسباب الخليجية العربية لاستعداء إيران موجودة في الصراع الأميركي الإسرائيلي مع طهران، وليس في اي مكان آخر، وما العرب هنا إلا أدوات تسهل للمستعمر سيطرته على المنطقة مقابل استمرارها في سلطاتها ووظائفها النفطية.

فكيف يمكن التغاضي عن الدعم الإيراني للمقاومات الفلسطينية واللبنانية والمساندة العسكرية والتمويلية لسورية والعراق في قتال الإرهاب؟

لعل هذه أسباب إضافية تكشف دواعي العداء الأميركي الإسرائيلي وبالتالي الخليجي لإيران.

فهل يستيقظ العرب ويتحالفون مع إيران للتحرّر من نفوذ غربي يسطو على ثرواتهم؟

هذه عناوين استراتيجية كبرى تخرج عن قدرات دول قرون أوسطية تعمل في خدمة الأميركي على حساب أمن شعوبها واستقرارها.

جريدة البناء اللبنانية

أضيف بتاريخ :2019/01/23

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد