آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
د. وفيق إبراهيم
عن الكاتب :
باحث استراتيجي متخصص في شؤون الشرق الأوسط

تشكيل الحكومة المرتقب هل يُلغي ضرورة المؤتمر التأسيسي؟

 

د. وفيق إبراهيم

مع عودة التفاؤل بتشكيل قريب للحكومة، حسب ما يكرّر السياسيون المعنيون، فإنّ كثيراً من المتخصّصين يعتقدون أنّ فرص تبلور مؤتمر تأسيسي بنيوي تغيّرت لمصلحة استقرار «الولايات الطائفية الحالية».

بداية يجب الانتباه الى أنّ المؤتمرات التأسيسية المتعاقبة التي بدأت مع تأسيس لبنان الكبير في مطلع القرن العشرين 1920 كانت تعكس صعود طوائف في التفاعلات السياسية المحلية على خلفية ولاءاتها للنفوذ الغربي أو الإقليمي فقط، ولا علاقة لصعودها بإنتاجها كفاءات مخلصة بها.

هناك العديد من الأمثلة وبدءاً من 1958 الذي عكس تحسّناً طفيفاً في أدوار «زعماء» الطائفة السنية وكذلك في مؤتمرات الطائف والدوحة الناتجة عن حروب أهلية واجتياحات إسرائيلية ودور سوري ، هذه المؤتمرات التي استفاد منها مشروع الحريرية السياسية بإنتاج دولة لها شكل دستوري إنما بعمق متسعود سعودي ديكتاتوري يحتكر القرار بشكل ديمقراطي سطحي على الطريقة اللبنانية مستحوذاً عليه في العمق. وهذا ما أدّى إلى انتزاع الصلاحيات الواسعة جداً لرئاسة الجمهورية وإلحاقها بمجلس وزراء جرت صناعته على قياس سعودي أجاد المرحوم رفيق الحريري بإلحاقه به عبر نظام تحالفات دفعت اليه الضغوط العربية والغربية والكنسية، وأسهمت في تحلقه حول «الرفيق»، فاحتكر هذا الأخير الدين والدنيا موزّعاً مبتسماً من إيرادات الدولة على تحالفاته الشيعية والدرزية والمسيحية بكرم حاتمي من حساب الدولة، أيّ من الناس، وممسكاً بطائفته السنية بأساليب إغراء متنوّعة وتحشيد بأبعاد تاريخية كانت تضُخّها مراكز إنتاج القراءات الدينية ذات البعد العثماني.

يجب هنا القطع الكامل بين مراحل صعود زعامات طوائفية كانت تدفع في مؤتمرات تأسيسية الى تحسين مواقع طوائفها في المعادلة اللبنانية، كي تتمكّن من الاستفادة من مراكز القيادة، يجب القطع بين هذه المرحلة التقليدية وبين مرحلة 1982 2006 التي لم تجسّد صعود مذهب أو طائفة بقدر ما عكست تطور فئات داخلية من الحالة المذهبية إلى الدور الوطني بواسطة أسلوب التصدي للعدو الإسرائيلي.

ما استتبع الانتقال من الولاء للطائفة إلى الحالة الوطنية التي تعني كلّ اللبنانيين.

للملاحظة فقط، فإنّ مقاتلي الحركة الوطنية اللبنانية كانوا ينتمون الى كلّ طوائف لبنان والمدارس الايديولوجية المتنوعة من الوطنية اللبنانية الى الطبقية فالقومية وتلاهم حزب الله الذي جاهد «بمحضّات إسلامية» عامة لها طابع «أممي» مواصلاً قتالاً ضارياً حتى التحرير في الألفين، بانياً قواعد اشتباك جديدة بالتنويه في 2006 مع كيان مجرم هو الأقوى في منطقة الشرق الأوسط.

قد يقول بعض «المتشدّقين» انّ تحرير الجنوب من قبل تنظيم فيه غلبة من الطائفة الشيعية إنما سببه هذا التجانس المذهبي ويقول رافضو هذا الكلام إنّ تحرير الجنوب أعاد التوازن إلى الاستقرار السياسي اللبناني الذي تسيطر عليه زعامات ليست من الطائفة الشيعية، وهذا يعني انّ حزب الله لم يضغط لإعداد مؤتمر تأسيسي يُوفرُ فيه مكاسب لزعماء الشيعة كما تفعل باقي الطوائف.

والحركة الثانية التي تستدعي مؤتمراً تأسيسياً تتعلق بانتصار حزب الله على الإرهاب في سورية، وهو أيضاً انتصار لكلّ اللبنانيين من مختلف الطوائف لأنّ هذا الإرهاب ديناميت يستهدف «المدينة الاجتماعية» في كلّ المذاهب، أنظروا فقط ماذا فعل في مناطق الغالبية السنية في سورية والعراق؟ وكم من المجازر اقترف فيها باسم التصحيح المذهبي؟

لكن ما يحدث اليوم يختلف عن تحسّن أوضاع المذاهب ومطالبتها بمؤتمرات تأسيسية ذات طابع له علاقة بالمكاسب والامتيازات.

هناك انهيار في نظام «الولايات الطائفية التاريخي» يتجسّد في عجزه عن ابتكار قواعد جديدة لتحاصصاته وتوزيع امتيازاته وتتمظهر على شكل استيلاء كامل على كلّ إمكانات الدولة، التي لم تعد تملك شيئاً فتحاول إعادة التموضع في الإقليم لكسب سُبُلِ الاستمرار.

في المقابل هناك بدايات نهوض اجتماعي كبير على غير القاعدة الطائفية، بدأ ينمو رافضاً استعمال زعامات الطوائف للأساليب التقليدية الطائفية في التحشيد، ويتمتع هذا «النهوض» بوعي له ميزتان:

طبقي ووطني بشكل يحصّنهُ عن الانجذابات خلف المشاريع الطائفية، لكنه يتأثر حالياً بغياب النقابات وأدوات تحريك الجمهور غير الطائفي لأنّ الأحزاب الطائفية استولت على العمل النقابي وجعلته في خدمة حركتها الطائفية «بستار وطني مزيّف».

ألا يتطلّب هذا السقوط لدولة الطوائف وعجزها عن تلبية حاجات المجتمع تنظيم مؤتمر تأسيسي يرعى تحوّل اللبنانيين من أبناء طوائف إلى مواطنين متساوين في الحقوق والواجبات.

وبما أنّ الطبقات لا تتنازل عن امتيازاتها بالطرق السلمية، فإنّ بوادر حراك اجتماعي ضخم لن يوقفه تشكيل حكومة هي استمرار لما سبقها من حكومات رهنت البلاد في دين عام فاق الـ 100 مليار دولار ونيّف ودمّرت الكهرباء والماء ونشرت ثقافة تعميم النفايات في كلّ شبر وزاوية وهجّرت الشباب إلى زوايا الأرض كافة.

الحكومة مقبلة إنما بالتوازي مع حراك اجتماعي متمتع بقدرة نسف دولة الطوائف التي دمّرت لبنان.

جريدة البناء اللبنانية

أضيف بتاريخ :2019/01/24

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد