آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
حسين مرتضى
عن الكاتب :
إعلامي لبناني

وجهة نظر

 

حسين مرتضى

مع استمرار تعثر ولادة الحكومة اللبنانية، يبقى الحرمان هو المسيطر في البقاع اللبناني. جبال وسهول تعجّ بالحرمان والتهميش، بلدات في محافظة بعلبك الهرمل، ولا يد تمتدّ لانتشال المنطقة من بؤسها وحرمانها، مقارنة بكلّ الجهود التي تبذل في مناطق أخرى.

شمس الحكومة العتيدة التي لم تشرق بعد، ستواجهها تحديات كثيرة قد لا تُعدّ ولا تحصى، وتحديداً في ملف إنماء منطقة بعلبك الهرمل، وهو ما يجعل أهالي تلك المنطقة تلفهم حالة من الريبة وعدم الثقة، بإنجاز أيّ من التزامات الدولة في ما يخصّ إخراجها من التهميش والحرمان. الريبة والشك يصلان حدّ أن لا أحد يعوّل على إدراج المنطقة ضمن ملف المساعدات الاستثمارية التي اُطلقت خلال مؤتمر «سيدر» حتى لو استوفى لبنان الشروط التي فُرضت عليه. والواضح انّ حظوظ منطقة بعلبك الهرمل من أموال «سيدر» ضئيلة، وتكاد تكون معدومة، بعد مقترحات المشاريع التي قدّمها كلّ من نادر الحريري والوزير جبران باسيل في ذلك المؤتمر.

ما جرى في المؤتمر أنّ لبنان حصل على 11 مليار دولار كقروض بفوائد كبيرة، والخطير بالأمر أنّ كلّ المشاريع تتطلب تشريعاً من مجلس النواب، واذا اُقرّت هذه المشاريع وجزء كبير منها سيُقرّ في المرحلة المقبلة ، يحق لهذه الشركات والمستثمرين أن تعيّن في كلّ وزارة مندوباً لها، تحت ذريعة تسريع العمل الإداري ليخرج عن الروتين، أيّ أنّ هذا المندوب سيكون حاكماً في الوزارة ومشرفاً على المشاريع، والمشاريع التي أقرّت تتنوّع بين طرقات ومياه وطاقة وصرف صحي وتجهيز سدود، وستغيب المشاريع المنفذة عن منطقة بعلبك الهرمل، ومع ذلك فإنّ أهالي بعلبك الهرمل سيسدّدون جزءاً من هذه الديون المقدّمة في مؤتمر «سيدر» من دون الاستفادة من أيّ مشروع فيها.

منطقة بعلبك الهرمل التي يعيش 40 من سكانها بلا مياه، ما يعني أنّ التصحّر فيها دخل على خط الأزمات، وتتقلص المساحات الخضراء فيها والممتدّة على طول مجرى نهر الفاكهة البالغ طوله نحو 3000 متر من منبعه في اللبوة، مروراً ببلدات النبي عثمان والعين والفاكهة وجبولة والبجاجة، وصولاً إلى بساتين رأس بعلبك. فمئات الدونمات استسلمت لليباس، ضمن منهج تحاول فيه بعض القوى السياسية إيهام أهالي المنطقة أنّ الأمن الإنساني ينحصر بمقياس الجوع والغذاء، لكون أهالي بعلبك الهرمل يعتمدون على الزراعة كمورد رزق رئيسي، وأنّ نقص المياه وتصحّر الأرض هو ما يجب أن يشغل بالهم، وأن لا يتعدّى حلمهم إلى الحق المكتسب بالعدالة الاجتماعية والتنمية المستدامة.

وإنْ تحدّثنا عن المستشفيات فيها فقد باتت غير معروفة إن كانت مستشفيات خاصة أم حكومية، وبعض الجهات تعاطت مع مستشفى بعلبك الحكومي كأنه خارج الأراضي اللبنانية، أما الكهرباء فحدّث ولا حرج، والصرف الصحي متعطل، وأزمات شتى… فكم سيتحمّل البقاعيون بعد مزاج الحكومات اللبنانية، التي تطيح بأيّ مبادرات، وتخرق سقوف الانتظار في بيوت الأهالي البسيطة، ولا تلتفت إلى حجم ما يتكبّده البقاعيون اقتصادياً وسياسياً. لم يعد مقبولاً استمرار تهميش وحرمان منطقة تحتلّ 30 من مساحة لبنان، وهي السلة الغذائية الكبرى للبلاد، كما أنها الخزان البشري الذي ساهم في مقاومة كلّ أشكال الاحتلال التي مرّت في تاريخ البلاد، من عثمانيين وفرنسيين، وقدّم الآلاف من الشهداء في مواجهة الكيان «الإسرائيلي» والتكفيريين.

في المحصّلة، المنطقة التي تنال منذ الاستقلال نصيبها من الحرمان والمعاناة، وتحمّلت الجزء الأكبر في مرحلة التحرير ودحر الاحتلال، ساهمت في استضافة أكثر من ثلث النازحين السوريين في لبنان، وساهمت في ردّ العدوان التكفيري من خلال تكاتف أبنائها مع الجيش والمقاومة، وتستحق الالتفاتة الأهمّ من الحكومة المقبلة، وعلى من يصيغ البيان الوزاري المقبل أن يدرج التزامات واضحة وتعهّدات صريحة من قبل رئيس الوزراء وحكومته بإنماء منطقة بعلبك الهرمل، وإلا فإنّ أيّ حكومة مقبلة، لن تلتفت إلى خاصرتها الشرقية، وسيبقى بصرها محصوراً في مناطق أخرى، لاعتبارات سياسية ومذهبية نعلمها جميعاً.

جريدة البناء اللبنانية

أضيف بتاريخ :2019/01/29

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد