آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
عبد الباري عطوان
عن الكاتب :
كاتب وصحفي سياسي فلسطيني رئيس تحرير صحيفة رأي اليوم

ستة أسباب وراء انخراط السعودية في مفاوضات مباشرة مع الحوثيين بعد رفض مطلق

 

عبد الباري عطوان

 

مع اقتراب عاصفة الحزم السعودية من دخولها عامها الثاني (بقي 16 يوما على اكمالها عامها الأول) دون تحقيق أي من النتائج التي انطلقت من أجلها، وبات قصف طيرانها لأهداف مدنية يعطي نتائج عكسية تماما محليا ودوليا، بدأ الطرفان، أو الخصمان، السعودي والحوثي يتخليان عن عنادهما،  والكثير من شروطهما السابقة، ويقبلان التفاوض وجها لوجه للتوصل إلى تسوية سياسية قد تنهي الحرب في اليمن.

 

التنازل الأكبر جاء حتما من قبل المملكة العربية السعودية، التي كانت ترفض رفضا قاطعا أي تفاوض مباشر مع تيار أنصار الله الحوثي، أو الرئيس علي عبد الله صالح، وتصر على أن تكون أي مفاوضات مباشرة، أو غير مباشرة، مع الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي وممثليه الذي انطلقت عاصفة الحزم من أجل إعادته إلى عرشه، ولكن الأمور تغيرت، ولا نعرف ما اذا كان الرئيس هادي على علم بهذه المفاوضات أم لا.

 

جولات من الحوار تحت مظلة الأمم المتحدة في جنيف ومسقط، وبترتيب من قبل المبعوث الدولي إسماعيل ولد الشيخ، فشلت في تحقيق أي نجاح، ولذلك صعد التحالف الحوثي الصالحي من مواقفه، وقرر رفض أي حل سياسي، وتصعيد العمل العسكري، وأن أي مفاوضات مقبلة يجب أن تكون مع الأصل، أي الحكومة السعودية، وليس مع اتباعها.

 

ستة أسباب رئيسية تقف خلف هذا الانقلاب في الموقف السعودي بالجنوح إلى التفاوض وجها لوجه مع أنصار الله الحوثيين:

 

الأول: فشل عاصفة الحزم وغاراتها المكثفة على مدى أكثر من 12 شهرا في فرض الاستسلام على التحالف الحوثي الصالحي ، وتصاعد اعداد الخسائر في صفوف القوات السعودية، سواء على الحدود اليمنية، أو في ميادين القتال داخل اليمن، وذكر لي أستاذ جامعي مصري يشرف على رسالة دكتوراه لطالب سعودي أن عدد القتلى السعوديين في هذه الحرب وصل إلى حوالي ثلاثة آلاف جندي وضابط، حسب ما ذكره له هذا الطالب الذي رفض ذكر اسمه لأسباب معروفة، وعندما جادلته، أي الأستاذ، بأن الرقم مبالغ فيه، أكد أنه أثار الشكوك نفسها لتلميذه بسبب الفارق الهائل مع العدد الرسمي فجاء الجواب بتأكيد صحة العدد، وأنه، أي التلميذ، ضابط عسكري سعودي متقاعد ويعني ما يقول.

 

الثاني: تصاعد الانتقادات للغارات السعودية في اليمن، والحصار الموازي لها في اوساط الدول الغربية، واتهام البرلمان الاوروبي للمملكة بارتكاب جرائم حرب، ومطالبته حكومات بلاده بفرض حظر على بيع اسلحة للسعودية.

 

ثالثا: تصاعد حالة التململ في الداخل السعودي من جراء اطالة امد الحرب في اليمن، وتحولها الى حرب استنزاف عسكري ومالي وبشري، وتصاعد مشاعر الكراهية للمملكة في أوساط الرأي العام العربي والعالمي، وانهيار التحالفات التي تم انشاؤها لتوفير الغطاء الإسلامي والعربي لهذه الحرب، قبل أن تنشأ.

 

رابعا: النفقات المالية الهائلة على هذه الحرب، والتي تقدرها بعض الأوساط بمليارات الدولارات شهريا، تشمل تغطية نفقات القوات العربية المشاركة فيها، وتعويض المعدات والذخائر والغارات الجوية لأكثر من مئتي طائرة، وبلغ عددها ثمانية آلاف طلعة جوية، وتقديم مساعدات مالية لحكوماتها، ودول اخرى مثل مصر وباكستان والصومال وجيبوتي وجزر القمر، لكسب ودها، أو حيادها على الاقل.

 

خامسا: ظهور تنظيمي الدولة الإسلامية و القاعدة كقوتين رئيسيتين في الساحة اليمنية، خاصة في المناطق الواقعة خارج سيطرة قوات التحالف الحوثي الصالحي في جنوب اليمن، فمدينة عدن باتت تعيش حالة من الفوضى الدموية بعد تحريرها ، وانسحاب قوات الحوثي منها، والرئيس عبد ربه منصور هادي بات معتقلا في قصر المعيشيق الذي يقع على قمة تلة في عدن، ووصلت التفجيرات إلى مدخله، وبات أطول عمر لمحافظ عدن لا يزيد عن بضعة أسابيع، بسبب الاغتيالات والعمليات الانتحارية والسيارات المفخخة، والشيء نفسه يقال عن قادة الأمن والشرطة، مضافا إلى ذلك خوف أمريكا من قيام دولة  أو إمارة إسلامية عند مدخل باب المندب تهدد خطوط الملاحة الدولية التجارية والعسكرية.

سادسا: تصريحات الجنرال مسعود جزايري نائب رئيس هيئة أركان القوات المسلحة الإيرانية اليوم (الثلاثاء) مع وكالة “تنسيم” للأنباء التي قال فيها أن إيران قد تدعم الحوثيين بنفس أسلوب دعمها للرئيس بشار الأسد في سورية، أي إرسال مستشارين عسكريين، وهذا يعني تحول اليمن إلى سورية ثانية.

أما إذا انتقلنا إلى الأسباب التي دفعت التيار الحوثي للقبول بالمفاوضات المباشرة مع السلطات السعودية فيعود ذلك إلى حصوله على اعتراف و”شرعية” سعودية كقوة رئيسية في الساحة اليمنية، ولكون الدعوة وصلته من الرياض، وإجراء المفاوضات على أراض سعودية، ولأنه يدرك جيدا أن الحرب ستنتهي بحل سياسي في النهاية، والاستمرار في الحرب، في ظل لجوء الطرف الثاني الى السلم “تكتيك” ذكي لتقليص الخسائر وتجنب معركة صنعاء، طالما ان هذا الحل السياسي يحقق مطالبه في إبعاد الرئيس هادي وتأسيس مجلس رئاسي، وحكومة وحدة وطنية، ومرحلة انتقالية.

السؤال الذي يطرح نفسه بقوة الآن هو عن التبعات التي يمكن أن تترتب على المفاوضات هذه على خريطة التحالفات داخل اليمن، أو على صعيد التحالف العربي الذي يشارك في الحرب بقيادة السعودية.

نشرح أكثر ونسأل عما إذا كان الطرف الحوثي قد اطلع حليفه الرئيس علي عبد الله صالح مسبقا على هذه المفاوضات والاتصالات بشأنها، وطمأنته بأنه لا يتحرك منفردا؟ وهل اطلعت السلطات السعودية من جانبها حلفاءها الخليجيين الذين يشاركونها عاصفة حزمها، وحربها البرية في اليمن على توجهها الجديد وتراجعها بالتالي الجديد عنادها في رفض التفاوض مع الحوثيين ونحن هنا نتحدث عن دولة الإمارات العربية المتحدة على وجه الخصوص التي تكبدت قواتها خسائر بشرية تحتل المرتبة الثانية بعد حجم الخسائر السعودية؟

***

ما يجعلنا نطرح هذه الاسئلة معرفتنا بمحاولات سابقة عديدة لشق التحالف “الحوثي الصالحي”، تارة بمحاولة إبعاد الرئيس علي عبد الله صالح “ثعلب اليمن” عن الحوثيين من خلال توظيف ابنه أحمد علي عبد الله صالح في إطار هذا المخطط، وذهاب الأخير إلى الرياض على متن طائرة إماراتية خاصة للقاء الأمير محمد بن سلمان ولي ولي العهد، ولكن اللقاء انهار بسبب المعاملة السيئة والمهينة للضيف اليمني، مثل الاصرار على تفتيشه، وتهديده، بالفاظ قوية بـ”تكسير” رأسه ورأس أبيه، الأمر الذي دفعه إلى مغادرة القصر غاضبا، وتارة أخرى باللقاء على انفراد بوفد التحالف الحوثي، بعيدا عن الرئيس صالح ووفده أثناء اجتماعات مسقط في بداياتها الأولى.

مصادر يمنية أكدت لنا أن احتمال شق صف التحالف “الحوثي الصالحي” واردة، لأن التحالف بين الجانبين تكتيكي وليس استراتيجيا، ولفتت انظارنا إلى أنه لو حدثت مصالحة سعودية حوثية فعلا، فانها قد تعمل على تهدئة الحرب على الحدود السعودية الجنوبية، ولكنها لن تنقل الهدنة إلى الداخل اليمني، بدون التفاوض مع صالح وحزبه، لأن القاعدة الشعبية والعسكرية للرئيس السابق ما زالت قوية في المناطق اليمنية الأخرى خارج محافظتي صعدة وعمران الشماليتين، والرئيس صالح دخل حالة مزاج انتحارية هذه الأيام، ولم يعد يفكر بالحسابات السياسية، وأي محاولة للالتفاف عليه ستجعله وانصاره أكثر شراسة، اللهم إلا إذا تأكدت الأنباء المسربة بقوة في الأيام الأخيرة، ومن أوساط سعودية حول تدهور صحته، وهنا يكون الحديث مختلفا.

من الصعب علينا إصدار أحكام مسبقة أو متسرعة لكن ما يمكن قوله في هذه العجالة ان مجرد دعوة السعودية لوفد حوثي للتفاوض للوصول إلى اتفاق، كلي أو جزئي، للتهدئة يعني اقتناعها بأن الحل العسكري في اليمن غير ممكن أن لم يكن مستحيلا، وأن الجناح الذي يطالب بالعقلانية والمراجعة فيها، وأسرتها الحاكمة، بدأ يجد آذانا صاغية، وما علينا إلا الانتظار لمعرفة الخيط الأبيض من الأسود، وسط هذه الحرب المغلفة بسحب سوداء كثيفة من التشاؤم والغموض.

 

صحيفة الرأي اليوم

أضيف بتاريخ :2016/03/09

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد