آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
د. وفيق إبراهيم
عن الكاتب :
باحث استراتيجي متخصص في شؤون الشرق الأوسط

السعودية تُبيدُ مفهوم الدولة الوطنيّة

 

د. وفيق إبراهيم

آل سعود يركّزون على الوظيفة الخارجية لدولتهم على حساب تقليص الدور الداخلي «للدولة الوطنية» التاريخية فتراهم ينجدون تغطيتهم الخارجية في حالات صدامها مع قوى خارجية أخرى.

هذه المعادلة واضحة في كل صراعات الأميركيين مع تركيا وإيران وروسيا والصين وسورية والعراق وحتى أوروبا في بعض الأحيان، فالسعودية متأهبة لتقديم اهمياتها العربية والإقليمية والإسلامية والاقتصادية في سبيل خدمة الهيمنة الأميركية على العالم.

لماذا هذه المعادلة الغريبة؟

يعتقد آل سعود أنّ تمتين قوة الاحادية الأميركية يؤدي إلى توطيد حكمهم في جزيرة العرب فهم لا يحتاجون إلا إلى الحماية الأميركية من التدخلات الخارجية، أما هموم الداخل السعودي وحاجته إلى التطور فهذا شأن يتعامل معه آل سعود بأسلوب التخدير الديني والقمع بحد السيف والقتل المسبق باتهامات مفبركة والتشجيع على الاستهلاك ضمن نظام يربط بين الحداثة ونسب الاستهلاك من دون وجود قدرة داخلية على إنتاجها محلياً. هذا ما يفعله ولي العهد محمد بن سلمان الذي يطبق معادلة قوامها بناء مدن سياحية وإعادة تجميع سلع وانفتاح على الحياة الغربية من دون تأمين بناءات ثقافية موازية لها.

ما هو مفهوم الدولة الوطنية إذاً؟

هي الدولة المعبّرة عن الثقافة التاريخية للشعب وتنقسم فور استقرارها السياسي إلى دور وطني داخلي يقوم على تلبية الناس، في المأكل والمشرب والمأوى والأمن والاقتصاد. وهذا يتطلب دوراً خارجياً مواكباً يتمركز على علاقات من أنواع شتى يصل بعضها إلى حدود التحالف، وله وظيفة حصرية تتعلق بانعكاس الدور الخارجي لمصلحة ازدهار المجتمع.

فهل هذا ما يفعله آل سعود؟

مراحل تأسيس دولتهم لم يكن وطنياً صرفاً لأنهم مجموعة قبليّة صغيرة تحالفوا مع تيار ديني جديد في حينه هو «وهابية» محمد بن عبد الوهاب بدعم من المخابرات البريطانيّة، متمكنين من بناء دولة في منطقة لم يكن في كلّ تاريخها إلا دولة الخلفاء الراشدين، وفور انتقال الحكم إلى دمشق فبغداد أموي وعباسي عادت الجزيرة إلى مجموعة قبائل متناثرة لا تعرف مفهوم السلطة بل القبائل المتناثرة المتفرّقة والمتقاتلة.

تركيب السعودية إذاً لم يعبّر عن نزوع شعبي كبير نحو الدولة الوطنية، وإنما مجرد إخضاع بالقوة وجرى اختراع اسم جديد لشبه جزيرة العرب هو السعودية المنسوبة إلى مجموعة آل سعود العشائرية الصغيرة، فكيف يستطيع عرب الجزيرة القبليون القبول بالانتماء لسلطة هي عنوان قبيلة أخرى متنافسة لا تعكس حالة وطنية قديمة.

الأردن مثلاً يحمل الاسم التاريخي للمنطقة وهو شرق الأردن مضافاً اليه الانتماء السياسي.

أما في الحالة السعودية فهو ربط كلّ السكان باسم العائلة السعودية التي أصبحت بفضل البريطانيين ولاحقاً الأميركيين الدنيا والدين والسماء والأرض والحرمين الشريفين والبترول.

لقد فرض آل سعود على الوضع الداخلي للدولة أسلوباً رتيباً يقوم على الخضوع للسلطان أولياء الأمور وعلماء الدين مزوّداً بتعليم ديني يستعدي الفروع الثانية للإسلام والأديان الأخرى، مقابل تعليم مدني ضعيف جداً وأعمال فعلية في القطاعين العام والخاص، معممة بأسلوب المكرمات، دافعين السكان إلى سُبات «أهل الكهف» وتلقيحهم دائماً بأدوات فتنة جاهزة لاستعداء الآخر بما يؤدي إلى حماية آل سعود أنفسهم وفقط.

على مستوى الدور الخارجي دخل آل سعود في إطار الحماية الأميركية لدولتهم منذ 1945 مستوعبين أن إرضاء الأميركيين لا يكون إلا بوضع كامل ما تملكه السعودية في خدمتهم: النفط أولاً والواردات السعودية وإمكاناتهم الدينية والإسلامية والعربية.

وكان من الطبيعي أن يقابل الأميركيون هذا السخاء السعودي الاقتصادي والاستراتيجي والديني بحمايتهم، إنما كأسرة حاكمة تخضع للبيت الأبيض وليس كدولة قابلة للتطور.

والدليل أنّ اليابان وألمانيا الخاضعتين للنفوذ الأميركي منذ خسارتهما في الحرب العالمية الثانية هما اليوم في مصاف الدول الاقتصادية الأولى في العالم ولا تملك مثيلاً لبحار النفط السعودية، وكذلك كوريا الجنوبية المتقدّمة في عالم الالكترونيات و»إسرائيل» نفسها التي تخدم الأميركيين في الإطار الاستراتيجي هي دولة نووية وصناعية، فأين السعودية التي تضع مئات مليارات الدولارات سنوياً في الولايات المتحدة على مستويي الدولة والصناعات؟ إنها لا تنتج شيئاً لأن علاقتها بالأميركيين ليست إلا علاقة حاكم بمستتبع.

فهذه إذاً ليست دولة وطنيّة تبني الداخل من قواها الخاصة وعلاقتها بالخارج بقدر ما تُجسّدُ علاقة عائلة بدولة كبرى أقطعتها سلطاناً على ارض تستنزف مقدراتها وتسجن شعبها في القرون الوسطى، وتضع كل أمكاناتها في خدمة السلطان الأميركي الأكبر.

إن هذا الوضع ينطبق أيضاً على الامارات والبحرين وبشكل أقل على عُمان والكويت.

بالمقارنة مع سورية، فهناك دولة وطنية استطاعت من دون ثروات نفطية أو مقدرات أخرى أن ترعى علماً «مجانياً» أصاب بشكل كبير فقراءها والريفيين فيها منتجاً طبقة علمية وازنة ووضعاً اقتصادياً مقبولاً، على الرغم من الحروب المتتالية عليها. فسورية اليوم التي تحارب إرهاباً مستورداً من 70 دولة عالمية لا تزال تقاوم بنجاح لأنها تمكنت من بناء دولة وطنية يشعر فيها السوري أنه مسرحه التاريخي الذي يجب أن يدافع عنه مهما كانت الظروف. وهذا سببه التاريخ الحقيقي لسورية وليس المفبرك كحال السعودية، والدولة السورية التي عززت للمواطن مسألة انتمائه إلى أرضه.

بذلك يمكن الجزم بأنّ آل سعود معادلة يرعاها الأميركيون للزوم استمرار هيمنتهم بواسطات محلية خادعة. وإلا فليقل لنا مَن يرى عكس ذلك، لماذا هذه القمم الإسلامية والعربية والخليجية في مكة المكرمة وهي لدول اجتمعت مرات عدة في السعودية ولم تتمكن من بناء أي شيء؟ الأمر الذي يدل على أن آل سعود يؤمنون للأميركيين هذه البناءات المتنوعة لتغطية أدوارهم في الحرب على إيران وصفقة القرن وقمع الشعوب.

جريدة البناء اللبنانية

أضيف بتاريخ :2019/06/01

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد