آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
د. سعيد الشهابي
عن الكاتب :
كاتب وصحافي بحريني يقيم في لندن

قمم عبثية كبيرة بأهداف سياسية صغيرة

 

د. سعيد الشهابي

ثلاثة مؤتمرات تعقد في غضون شهر واحد في بلدين خليجيين بهدفين يكمل أحدهما الآخر. فماذا يعني ذلك؟ وإلى أين تسير أمة العرب والمسلمين في خضم رياح تعصف بسفينتها وتهدف لكسر اشرعتها وتدمير بوصلتها للتشويش على توجهها؟

في يوم الجمعة الماضي عقدت بمكة المكرمة الدورة الرابعة عشرة للقمة الإسلامية برعاية منظمة التعاون الإسلامي بدعوة من السعودية. كان الهدف الجوهري حشد تأييد الدول الإسلامية للسياسات السعوية والتمهيد للتنازلات المروعة التي تتبناها بشأن قضية فلسطين. وقبل يوم من ذلك (الخميس 39 أيار/مايو) عقدت قمة عربية طارئة في الرياض بعنوانين متلازمين: شجب «العدوان الحوثي بطائرة مسيرة على منشآت نفطية سعودية»، ويستبطن ذلك إعداد أرضية للتصدي لإيران التي تتهم بوقوفها مع اولئك «المعتدين». وفي الرابع والعشرين من هذا الشهر تعقد «ورشة اقتصادية» في البحرين تحت شعار «الازدهار من أجل السلام» هدفها انهاء القضية الفلسطينية والغاء مشروع دولتها من الاجندة السياسية الإقليمية والدولية.

قد تبدو المؤتمرات الثلاثة الممولة من قبل تحالف قوى الثورة المضادة التي تقودها السعودية «منطقية» و«ضرورية». ولم يكن غريبا أن تسخر وسائل الاعلام التابعة للتحالف المذكور للترويج لها وتبرير عقدها والتصدي لمن ينتقدها. ولكن من المؤكد أن هناك من يعترض عليها ويعتبرها تعبيرا عن سقوط مذهل للأخلاق والقيم والمبادئ.

فوالدة الشهيد محمد الدرة الذي استشهد قبل ثمانية عشر عاما ما تزال مفجوعة بابنها الذي أرداه قناص إسرائيلي قتيلا برغم صغر سنه وبراءته الطفولية وكذلك مئات الأمهات اللاتي فقدن أولادهن لاحقا. كما أن أمهات آلاف الأطفال اليمنيين الذين فقدوا حياتهم بالقصف الرهيب الذي ينفذه الطيران السعودي والإماراتي منذ أكثر من أربع سنوات يتساءلن عن مدى ضرورة المؤتمرات الثلاثة التي تعبرعن سقوط قيم المروءة والشهامة وكذلك الحكمة والعقل والمنطق. فماذا يعني ذلك كله؟
ماذا يعني عقد قمة عربية واستدعاء ملوك العرب ورؤسائهم وتعبئة الجهات الإعلامية والسياسية التابعة لقوى الثورة المضادة؟ كل ذلك من أجل «شجب عدوان الحوثيين» على المنشآت العسكرية السعودية؟ بينما لم تعقد قمة واحدة لمناقشة الاعتداءات الاسرائيلية المتكررة على لبنان وفلسطين؟ وأخيرا قررت قوى الثورة المضادة عقد «ورشة عمل» تهدف في جوهرها لالغاء سبعين عاما من نضال شعب لاسترداد أرضه من محتل غاشم، قدم خلالها التضحيات بدون حدود. لماذا هذا الانقلاب في المبادئ والسياسات والمواقف؟ الأمر المؤكد أن ما تشهده الساحة العربية اليوم من هيمنة شبه كاملة لقوى الثورة المضادة على شؤون الأمة، سياسة وإعلاما، بل ودينا، مخالف للثوابت التي اجتمعت عليها أطراف الأمة كافة حتى في أحلك الظروف.

وعندما قرر رئيس أكبر دولة عربية الخروج على ذلك الاجماع قبل أربعين عاما، اتخذت اجراءات عديدة، فأخرجت مصر من الجامعة العربية التي نقل مقرها إلى تونس، بينما استمر العمل بمبادئ عديدة من بينها عدم الاعتراف بالكيان الإسرائيلي أو التفاوض معه أو انهاء مقاطعته الاقتصادية والسياسية. فما الذي جرى في الأعوام الأخيرة لكي ينقلب المشهد رأسا على عقب، فيتم توجيه الجهود كافة ليس نحو العدو الذي يحتل أرض المعراج بل نحو القوى التي تلتزم بمقاومته بهدف تحرير الأرض وإقامة دولة فلسطين وإعادة الشتات الفلسطيني؟ لماذا تستهدف إيران بالشكل المكشوف الذي تمارسه قوى الثورة المضادة؟ لماذا يستهدف محور المقاومة ومكوناته الفلسطينية واللبنانية بشكل خاص؟ ولماذا يتواصل الصمت على حصار غزة وغض الطرف عن القصف الجوي الذي لا يكاد يتوقف حتى يبدأ من جديد؟ من الذي يضع أجندة أمة العرب والمسلمين اليوم؟

المؤتمرات الثلاثة المذكورة تعكس أزمة الأمة والمنطقة، والغياب الواضح لروح العمل المشترك من جهة وحالة التراشق الإعلامي والسياسي بين الزعماء من جهة أخرى، واضطراب المبادئ والثوابت

قمتا مكة المكرمة الأخيرتان اللتان عقدتا في الأيام الأخيرة بدعوة من السعودية كانتا من أضعف القمم واكثرها فشلا. فقد كانتا مرتبطتين بأجندة سعودية واضحة وغير مرتبطة بالقضايا الكبرى للأمة. المؤتمران أقرا حق السعودية في الدفاع عن نفسها. ولكن هل يحتاج هذا المبدأ لإقرار من أحد؟ أليس من حق كل دولة وكل إنسان وكل مخلوق أن يدافع عن نفسه؟ أليس الدفاع عن النفس حقا فطريا وطبيعيا؟ فهل جمعت السعودية المسؤولين العرب والمسلمين من أجل إقرار ذلك؟ ومن جهة أخرى لم تنجح السعودية في لملمة الصفين العربي والإسلامي اللذين ساهمت سياساتها طوال العقد الأخير في تصدعهما وتفتيتهما. بل أن البيت الخليجي نفسه أصبح متصدعا من داخله بسبب سياساتها التي تستهدف الأشقاء وتطبع مع الأعداء.

فقوى الثورة المضادة التي تتزعمها السعودية وتضم «إسرائيل» تسعى لشيطنة إيران والقوى الإسلامية الأخرى.

السعودية لم تجن الكثير من القمتين اللتين انفقت عليهما من المال والجهد الشيء الكثير، واستثمرت من مصداقيتها قدرا كبيرا. القمتان الطارئتان أظهرتا ضعف الدبلوماسية السعودية ونظرتها الاستراتيجية. فهل يعقل عقد قمة من أجل إعلان التضامن مع السعودية في مواجهة استهداف منشآتها النفطية من قبل من تسميهم «الحوثيين» وتصفهم بالهامشيين وتدعي هزيمتهم منذ الأسابيع الأولى بعد شن الحرب في آذار/مارس 2015. هل من المعقول أن تشعر دولة بالحاجة لعقد قمة من أجل استحصال إقرار المشاركين بحقها في الدفاع عن نفسها؟ في مقابل من؟ مجموعة من البشر يقطنون بلدا على حدودها، ولا يملكون من السلاح إلا النزر اليسير؟ أليست السعودية بهذه الخطوة كشفت عجزا بنيويا وأخلاقيا غير مسبوق؟

أما القمة المزمع عقدها في البحرين بعد ثلاثة أسابيع فقد فشلت قبل أن تبدأ. وكان المفترض أن تكون قمتا مكة دافعتين لورشة المنامة. ولكن هذه الورشة فشلت هي الأخرى. فقد شجعت قمتا مكة مسؤولين كالرئيس الفلسطيني، محمود عباس، إعلان مقاطعة ورشة المنامة وتوجيه دعوة للزعماء العرب بعدم حضورها. واعتبرها تآمرا على الشعب الفلسطيني قائلا: «نرفض استبدال مبدأ الأرض مقابل السلام بالازدهار مقابل السلام.. أود أن أعيد التأكيد على رفضنا المطلق للمحاولات الأمريكية الهادفة إلى إسقاط القانون الدولي والشرعية الدولية بما يسمى صفقة القرن». وغياب الفلسطينيين افقد اجتماع المنامة شرعيته تماما ونقله إلى المعسكر الإسرائيلي المدعوم أمريكيا. فإذا اضيف لذلك قرار كل من روسيا والصين مقاطعتها أيضا، فما الذي بقي منها؟ والمعروف أن دولا عربية عديدة مثل العراق ولبنان وسوريا والجزائر والأردن تعارض المشروع الأمريكي الذي يفترض أن تقره ورشة «الازدهار من أجل السلام». فمن الذي سيدعم ذلك إذن؟ وهكذا يبدو قرار عقد الورشة في البحرين غير صائب ولا يحظى بادنى قدر من النجاح، وسيكون ضرره على حكومة البحرين اكثر مما تجنيه من منفعة، الأمر الذي يثير التساؤل عن مدى قدرة حكام البحرين على صنع قرار كبير يؤثر على مستقبلهم في الحكم. ولذلك لم يعد مستبعدا إلغاء الورشة المزمعة أو تاجيلها بعد أن انسد الافق تماما أمامها.

المؤتمرات الثلاثة المذكورة تعكس أزمة الأمة والمنطقة، والغياب الواضح لروح العمل المشترك من جهة وحالة التراشق الإعلامي والسياسي بين الزعماء من جهة أخرى، واضطراب المبادئ والثوابت من جهة ثالثة. وقد كرست قمتا مكة الأزمات القائمة ولم تحلاها، بينما أكدتا من جهة أخرى تراجع الموقف السياسي السعودي وشعور قادته بالضعف برغم التظاهر بالقوة. فصراعها المسلح مع اليمن، والسياسي مع كل من قطر والأردن، يساهم في تبديد الآمال بوحدة عربية حقيقية أو توافق على الأقل حول برامج العمل المشترك. إنها نقطة سوداء في التاريخ المعاصر للأمة، لا يستفيد منها سوى أعدائها خصوصا القوة التي تحتل أراضيها وتسلبها السيادة عليها. مطلوب من زعماء السعودية والبحرين ومصر والبحرين، الدول التي تمثل، بالاضافة للكيان الإسرائيلي، قوى الثورة المضادة التوقف عن هذه المغامرات التي لا تعكس عمقا سياسيا في التفكير أو التخطيط، بل تؤكد واقعا مريرا تعيشه هذه الأنظمة وينعكس سلبا على أوضاع الأمة.

جريدة القدس العربي

أضيف بتاريخ :2019/06/03