آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
د. وفيق إبراهيم
عن الكاتب :
باحث استراتيجي متخصص في شؤون الشرق الأوسط

ألغاز السياسة اللبنانية بين ثبات المعادلة واهتزاز التسويات!

 

د. وفيق إبراهيم 

تتعرّض التسوية التي تتكئ عليها الحكومة الحالية لارتجاجات عنيفة، تضعها أمام احتمالات خطيرة، لأسباب يعزوها البعض الى الخلافات التي نشأت بين قوى متحالفة في مرحلة مناقشة الموازنة الحالية.

وينسبها بعضهم إلى خلافات حول تعيينات في المجلس الدستوري وإدارات أخرى ونقابات.

فيما يجزم آخرون أن هذه العناوين ليست الا ستاراً تمويهياً يحجب مشروع انتفاضة للمارونية السياسية تسترد بها امتيازاتها السياسية التاريخية التي خسرتها لمصلحة الحريرية السياسية التي استطاعت بين 1990 و2005 السيطرة على لبنان السياسي باتجاهاته الداخلية وتغطيته الخارجية المتجسدة في رعاية اتفاق الطائف من الأميركيين والسعودية وسورية.

فما هي هذه التسوية المعرضة للتضعضع وهل هي قابلة للانهيار!

لا بد من الاشارة إلى أن المعادلة السياسية هي النظام الطائفي اللبناني بركنيه الداخلي المذهبي والخارجي العربي الاقليمي الدولي. لذلك فإن الغاء هذه المعادلة القائمة يحتاج الى جهود جبارة تنتج من حراك جماهيري طوائفي يعزل مؤقتاً التأثير الخارجي  أو يستجيب لقسم منه محولاً النظام من الطائفي الى المدني، وبشكل تدريجي.

أما التسوية فهي اتفاق بين فريقين سياسيين أو أفرقاء على إنتاج القرارات السياسية والاقتصادية في الحكومة على شكل موالاة مقابل فئات أخرى ليس لها مكان أساسي في لعبة التحاصص ولا تنتمي فعلاً إلى المعارضة، إنما تجد نفسها مضطرة إلى رفع الصوت للتذكير بحقوقها المزعومة في المكاسب والامتيازات على طريقة الوزير وليد جنبلاط والانعطافات الفلسفية لسمير جعجع وصراخ سامي الجميل.

للتذكير، فإن هذه التسوية إنما تمّت بسلسلة لقاءات بين الوزير جبران باسيل رئيس التيار الوطني الحر وصهر الرئيس ميشال عون وبين نسيب رئيس الحكومة نادر الحريري برعاية فرنسية في باريس، جرى فيها الاتفاق على سيطرة الفريقين على الإنتاج السياسي والتعيينات والوظائف والصفقات بينهما على قاعدة احترام الحقوق الشيعية في الجهاد الإقليمي والمصالح الداخلية.

وهذا أدى بالطبع الى غضب جنبلاطي جعجعي كتائبي، لكنه لم يتجرأ على إدراك حدود المعارضة السافرة، لذلك كان هذا الفريق يحظى بـ الفتات لإخماد لهيبه الداخلي وإحباط محاولاته لتأجيج تغطياته الخارجية.

لقد بدأ الخلاف الجديد يظهر في مرحلة مناقشة الموازنة متمظهراً على شكل محاولات الوزير باسيل اتخاذ مواقف متناقضة مع الحريري وحتى منقلبة على اتفاقات سابقة بينهما.

فالتدببر رقم 3 الذي يعتبر أن كل العسكريين والقوى الأمنية في حالة حرب واستنفار دائمة لا تنقطع ولها مقابلها المادي أدى إلى اتفاق على حصره بالقوى الحدودية العاملة فقط، لكن التحركات الاحتجاجية للمتقاعدين والعاملين من العسكريين أحدثت أثراً في الرئيس عون الذي كان قائداً للجيش وهزّت مشاعر النائب شامل روكز الذي كان لواء في الكتائب المقاتلة للجيش، فتراجع تيارهما الوطني الحرّ معاوداً تأييد التدبير رقم 3 والإبقاء عليه.

كما انفجرت خلافات شخصية بين الفريقين على تقاسمات اقتصادية عديدة ومشاريع لتطوير مرافئ والحد من الهدر على جمعيات ومواقع وهمية تتوزعها فئات محسوبة على قوى التسوية وبكاملها من دون استثناء.

هنا تحديداً يمكن إضافة الخلافات على التعيينات في الإدارة المقبلة للمجلس الدستوري على قاعدة أن الرئيس الحريري لا يستطيع التخلي عن فكرة الارضاء النسبي لجنبلاط وجعجع، في حين أن باسيل مصر على الاستحواذ على كامل الحصص المسيحية وقسم من حصة حلفائه منهم ولو استطاع لطالب بحصص للسنة المستقلين.

إنما ماذا عن التفسير الثالث حول انتفاضة مارونية لاسترجاع الامتيازات المنهوبة؟

هناك حركة باسيلية لا يخفيها وزير الخارجية نفسه حول ضرورة إعادة المسيحيين إلى المساهمة الأساسية في أنتاج القرار السياسي، وهذا مطلب موضوعي في إطار النظام الطائفي المعمول به. حتى أن محللين يعتقدون أن استمرار اقصاء المسيحيين تدريجياً عن السلطة يؤدي إلى ازدياد هجرتهم بما يسمح بتوطين الفلسطينيين وقسم من السوريين على أساس إنهاء آخر دور سياسي يؤديه مسيحيون في الشرق. وهم فئة أصيلة منه وليست مستوردة مع حركة استيلاء المماليك والعثمانيين على المنطقة.

فأي من هذه الاحتمالات يندرج فيها الصراع بين أفرقاء التسوية؟

وهل تنهار؟

الاحتمالات الثلاثة شديدة الترابط وبشكل لا يمكن فيه لأي تحرك سياسي إلا الذهاب للسيطرة على التحاصصات، وحركة الإنفاق من المال العام على الجمعيات والتوظيف العشوائي والهدر في الأملاك البحرية والعامة والجمارك والتعيينات وصولاً إلى حقوق الطوائف ودورها في المعادلة.

لكن الإرباك في هذه الارتجاجات هو تزامنها مع الحصار الأميركي على إيران وبداية التوتر في منطقة تمتد من اليمن حتى لبنان مع ارتفاع حدة الصراع السعودي الخليجي من جهة والإيراني من جهة أخرى.

أما الأكثر خطورة، فمواكبته ايضاً لعودة فعلية للإرهاب إلى الساحة اللبنانية، يحاول المسؤولون عزوه إلى ذئاب منفردة متجاهلين أن الانتشار الافرادي للذئاب هو أيضاً سياسة من المخططين للعودة الى الإرهاب بأشكال مؤذية، فلبنان قبلاً الذي كان يعتمد على تنشيط السياحة الصيفية لا يعرف أن هذه العمليات تضعف وبمعدلات كبيرة مجيء السياح العرب والمغتربين اللبنانيين!

وهذه أسباب تشجع على احتمالين متناقضين، الاستفادة منها لتخريب التسويات لجهة القوى غير المشاركة فيها، أو ضبط الخلافات والتعامل لسد التدهور الامني من قبل القوى التي تتشكل منها التسويات. وهذا ما يعمل عليه حزب الله مع فريقي التسوية العوني والحريري لأنه يستشعر بخبرته الأمنية إمكانية إعادة بناء مأوى اجتماعي سياسي للارهاب في أكثر من منطقة في لبنان، لذلك يعمل على إبقاء التسوية مع تشذيبها من بعض الشرود الإقليمي للحريري وضبط مزاريب الهدر وكبح بعض القوى التي تحرض أطرافاً إقليمية ودولية على فريقين وهما الحريري بسبب الهدنة التي يعمل بها مع حزب الله، وحزب الله نفسه، بسبب صعوده الإقليمي وانعكاساته الداخلية.

فهل تسقط التسوية؟

إنها تتجه إلى ترميم ما تبقى منها واضافة متمردين إليها إنما في اطار احجامهم الفعلية.

وهذا لا يعني توقف باسيل عن مشاريعه المترابطة في استعادة حقوق الموارنة واحتكار حزبه الوطني الحر لكامل الحصص المسيحية، واخيراً بناء الظروف الملائمة لانتخابه رئيساً لجمهورية لبنان. وهذا يتطلب مزيداً من التسويات مع الحريريين والاعتماد الدائم على الخارج والله.

جريدة البناء اللبنانية

أضيف بتاريخ :2019/06/10

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد