آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
د. وفيق إبراهيم
عن الكاتب :
باحث استراتيجي متخصص في شؤون الشرق الأوسط

هل «إسرائيل» قادرة على حماية السعودية؟

 

د. وفيق إبراهيم 

يخشى آل سعود من عجز الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن تجديد ولايته الرئاسية في الانتخابات المرتقبة في 2020 ويصابون برعب وصول الديمقراطيين إلى البيت الأبيض، مستذكرين معاناتهم مع الرئيس الأميركي السابق أوباما الذي يتهمهم علناً بتغطية الهجوم الجوي على نيويورك في 2001 ودعم الإرهاب في الشرق الأوسط.

هذا الذعر السعودي لم يعد ضعيفاً بعد الإخفاقات الكبيرة للرئيس الأميركي دونالد ترامب في المجالات العالمية عموماً والخليجية حصراً.. يكفي انّ رعونته تتسبّب بابتعاد أصدقاء أميركا عنها قبل أعدائها.. في أميركا الجنوبية وكندا وأوروبا وجنوب شرق آسيا وفي الشرق الأوسط.

حتى أنه أزعج «كلّ العالم» مانحاً «إسرائيل» تأييداً أميركياً فريداً من نوعه وغير مسبوق لكسب أصوات مؤيديها في إطار أهمّ قطاعين غير عالميين في «الداخل الأميركي» المصارف والإعلام، وبالتالي اللوبيات اليهودية المؤيدة لـ «إسرائيل» في الولايات المتحدة الأميركية.

هناك أسباب إضافية لخيبات آل سعود، منها عدم حسم ترامب أياً من تهديداته الصاخبة، لوّح بتدمير كوريا الشمالية وسرعان ما هادنها ذاهباً نحو تدمير سورية واليمن حانقاً على الصين وروسيا مسيئاً إلى الأوروبيين، ومتمادياً بشكل مهين جداً على آل سعود وملكهم وولي عهدهم ودولتهم التي وصفها بالعاجزة عن الصمود لأسبوع واحد من دون الحماية الأميركية، ومستنتجاً بأنّ عليهم أن يدفعوا مقابل الحماية، فبدا على شاكلة كاوبوي يعترض قطاراً ويسطو عليه وسط إعجاب السائق والميكانيكيين العاملين على متنه.

هذا ما يقلق آل سعود، لكن ما يؤدّي إلى انفجارهم هو تراجع ترامب عن وعوده لهم بضربة كبيرة لايران تنهيها من الوجود السياسي والإقليمي.

فأصيبوا بدوار كبير لأنّ إيران هي التي أسقطت طائرة أميركية مسيّرة وسط عجز أميركي عن الردّ وذهول سعودي خليجي لا يعرف الأسباب وربما لم يسأل عنها.

ولم تتجرأ السعودية على الكشف عن تذمّرها فقد تتعرّض لردود فعل ترامبية عدوانية، كانت على وشك الظهور بعد تصريح مسيء اعترف فيه ترامب بأنّ بلاده التي تنتج 12 مليون برميل نفط يومياً ليست بحاجة للنفط الخليجي… وقد تستفيد من انقطاعه بارتفاع لأسعار نفطها.

وكان ترامب وعد الأميركيين بعدم رفع أسعار الوقود حتى لو ارتفعت أسعار النفط، متجنّباً بذلك إمكانية تذمّر الطبقات الشعبية والوسطى فيه، فلا تنتخبه.

هذه التداعيات السريعة استدعت إنتاج محاولات سعودية للخروج من حالة مراوحة قد تؤدّي إلى إسقاط دولة آل سعود، لكنها تعرف أنّ أيّ معادلة جديدة قد تلجأ إليها لن تستطيع فيها الخروج من عباءة التغطية الأميركية، لذلك فإنّ ما يتوجب عليها هو التنقيب عن حلول لحمايتها ضمن المدى الأميركي.

باعتبار أنّ استجلاب بديل خارج عن نظام الوصاية الغربي ـ الأميركي، ينتج على الفور غضباً أميركياً يستبدل سلمان بسعودي آخر، يوجد منه مئات المتربّصين، وينتظرون مجرد إيماءة أميركية صغيرة للتحرك والانقضاض.

لقد «اكتشف» آل سعود أنّ الكيان الإسرائيلي المحتلّ هو الوحيد الذي يستطيع تأمين حماية لهم، من دون أن يستثير غضباً أميركياً، للعلاقة البنيوية الحميمة بين الطرفين، بما يؤدّي إلى استعمال القوة الإسرائيلية القادرة بدورها على جذب التغطية الأميركية أيضاً… وهذا ثمنه تطبيع خليجي ـ عربي مع «إسرائيل» وإعلان حلف عسكري لكلّ ما يهدّد السعودية في اليمن والعراق…

يبدو هنا أنّ التطبيع قد لا يكفي… فتنتفض المروءة السعودية لإبداء استعدادها لتمويل حروب «إسرائيل»، وفتح أسواق العرب والعالم الإسلامي لصادراتها الالكترونية والصناعية وبيع الأسلحة وفواكه فلسطين المحتلة، وزيتونها المبارك الذي أصبح مدنّساً بالرعاية الإسرائيلية، لذلك اعتبرت السعودية أنّ «صفقة القرن» هي المدخل الملائم لارتباط عميق مع «إسرائيل» على مستوى حلف سياسي وعسكري لأنها تعرف استحالة إنهاء القضية الفلسطينية مع وجود موقف فلسطيني موحد يرفض صفقة القرن، حتى أنّ الرئيس محمود عباس المعروف بعلاقاته العميقة بالخليج لم يتمكّن من الخروج عن الإجماع الفلسطيني رافضاً بدوره صفقة القرن، ويدرك أيضاً أنّ إمكانية بيع فلسطين من دون موافقة سورية هي مضيعة للوقت.

وبما أنّ الاهتمام السعودي الحالي يتركّز على إيران ويليها اليمن وصولاً الى العراق، فاعتبر آل سعود أنّ الحلف القطري مع «إسرائيل» بموافقة أميركية، يعزز من إمكانية حرب خاطفة على إيران أو منعها على الأقل من التمدّد نحو الخليج.. كما أنّ بوسع «إسرائيل» تأمين مساهمة كبيرة في العدوان على اليمن بمساهمات من قصف جوي «إسرائيلي» ينطلق من فلسطين المحتلة عبر البحر الأحمر إلى الحديدة فصنعاء وصعدة مروراً بالطبع على الساحل السعودي الصديق، المطلّ على أعالي البحر الأحمر في مواجهة فلسطين المحتلة.

وهكذا تؤدي صفقة القرن كما يعتقدون إلى نتيجتين اثنتين: تطبيع إسرائيلي مع الخليج، وحلف عسكري لحماية السعودية والإمارات.

إنّ هذا التبسيط السعودي مثير للسخرية: فـ «إسرائيل» لا تقاتل إلا من أجل «إسرائيل» ويهمّها بالطبع بناء حلف مع السعودية، يفتح لها أبواب العرب، لكن مسألة الحرب على إيران لن تجرؤ عليها، لقوة إيران ووجود حزب الله وسورية على حدود فلسطين المحتلة.

لمجمل هذه الأسباب، فإنّ المستفيد من صفقة القرن، هو إسرائيل فقط، التي ترفع من معدلات التطبيع مع الحكومات إنما وسط ارتفاع في نِسب الرافضين لها بين الشعوب العربية والإسلامية.

فهل تستطيع «إسرائيل» حماية السعودية وأدوارها؟

إنّ التهديد الفعلي الذي يتعرّض له آل سعود هو في تمسّكهم «بأسْر» جزيرة العرب في القرون الوسطى ومنع سكانها من التطوّر السياسي والعلمي والصناعي في إطار نظرية بائدة تزعم أنّ شبه الجزيرة بما تحتويه من ناس وموارد إنما هي ملك لآل سعود يوزعونها وفق حاجاتهم، كما أنّ استسلامهم للأميركيين ومعاداتهم للعراق وإيران واليمن، هي سياسات عقيمة من شأنها زعزعة ملكهم فقط، من دون نسيان فلسطين التي باع حليفهم ترامب مسجدها الأقصى للإسرائيليين ولم ينبس السعوديون ببنت شفة.

هذا ما يكشف أنّ الحلف السعودي ـ الإسرائيلي لا نتيجة له إلا دعم «إسرائيل» في مشاريع إلغاء القضية الفلسطينية.. وهذا أمر يكافحه الشجعان في فلسطين وسورية والمنطقة العربية والإسلامية حتى إسقاطها نهائياً.

جريدة البناء اللبنانية

أضيف بتاريخ :2019/06/28

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد