آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
صالح السيد باقر
عن الكاتب :
كاتب إيراني

طهران لا ترضى بأقل من رحيل ترامب أو عودته للاتفاق النووي

 

صالح القزويني

البعض يتصور أن اجتماع اللجنة المشتركة للاتفاق النووي في فيينا يوم الجمعة الماضية أنهى الخلاف بين إيران من جهة والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأميركية من جهة أخرى، وانه نزع فتيل التوتر والتصعيد في المنطقة بالاستجابة لمطالب الحكومة الإيرانية بضرورة تنفيذ الجانب الأوروبي لما وقع عليه وتعهد به في الاتفاق النووي.

غير أن الواقع لا يشير إلى ذلك، خاصة وأن مساعد وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي الذي ترأس الوفد الإيراني في اجتماع فيينا أعلن بعد انتهائه بأنه كان خطوة نحو الأمام ولكنه لا يلبي كامل طموح إيران، وبالرغم من أنه لا ينبغي استباق الموقف النهائي لطهران مما جرى في فيينا، ولكن من المؤكد فإن الاجتماع لم يرتق إلى مستوى الآمال التي علقتها إيران على الدول الأوروبية لإنقاذ الاتفاق النووي.

يمكن تلخيص ما جرى في فيينا بعبارة واحدة هي (وقف مؤقت لإطلاق النار)، بينما إيران تدعو إلى وقف دائمي للعمليات القتالية، من خلال تطبيع كامل للعلاقات السياسية والاقتصادية، إن لم يكن بينها وبين الولايات المتحدة فبينها وبين الدول الأوروبية، وذلك أضعف الإيمان.

غاية ما قدمته الدول الأوروبية لإيران في فيينا هو تفعيل آلية (اينستكس) وهي القناة التي تستخدمها الدول الأوروبية من أجل تزويد إيران بالدواء والغذاء لكي لا تطالها العقوبات الأميركية، مما يعني أنها لم تضيف شيئا على ما منحه ترامب لإيران، حيث أن إدارته أعلنت منذ اليوم أن العقوبات لا تطال أية صفقة للغذاء والدواء بين إيران وسائر الدول، بينما إيران تطالب برفع كامل للحظر وخاصة الحظر على تصدير النفط الإيراني وكذلك وصول عائدات البضائع والسلع الإيرانية إلى طهران.

بدأت أزمة الاتفاق النووي بعد انسحاب ترامب منه، وكانت طهران قد أعلنت أنها ستنسحب من الاتفاق إذا انسحبت واشنطن منه، غير أن إصرار الدول الأوروبية على طهران بضرورة بقائها في الاتفاق على أن تعوضها ما تفقده جراء الحظر الأميركي جعل طهران تتراجع عن قرارها، ومع أن الحكومة الإيرانية كانت تثق بالترويكا الأوروبية على أن تلعب دور البديل للولايات المتحدة، غير أن مماطلتها وامتناعها عن القيام بأية خطوة عملية لتجاوز الحظر على إيران جعل طهران لا تثق بالترويكا ولا بعموم الدول الأوروبية.

غير خاف على احد أن التوتر بدأ  يتفاقم ويتصاعد في المنطقة بعد انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي، مما يجعل العالم أمام حقيقة بالغة الأهمية هي أن التوتر سيستمر في المنطقة وربما يتصاعد وينفجر إذا استمرت الولايات المتحدة في ممارسة الضغوط على إيران، لأن واشنطن لم تكتف بالانسحاب من الاتفاق وفرض الحظر على طهران وإنما هددت كافة الشركات ودول العالم بالعقوبات إذا تعاملت مع إيران، لذلك فان السبيل الوحيد لوقف التوتر هو عودة واشنطن للاتفاق النووي.

بعد إسقاط إيران للطائرة الأميركية اتضحت معالم السياسة التي ينتهجها الرئيس الأميركي تجاه إيران، فهو في الوقت الذي يسعى فيه إلى ممارسة أقصى درجات الضغط على إيران فإنه لا يريد أن ينعكس ذلك على  الوضع في المنطقة، لأن تداعياته تنعكس بشكل سلبي على الوضع الأميركي، بمعنى آخر أن ترامب في الوقت الذي يمارس فيه أشد الضغوط على إيران فإنه لا يريد أن تنبس ببنت شفة أو تبدي أية رد فعل تجاه سياسته، لأنها إذا أبدت أي رد فعل فانه ينعكس على الوضع في المنطقة الأمر الذي ينعكس على الوضع الأميركي، مما يعرض مستقبله وفوزه في الانتخابات الرئاسية القادمة للخطر.

طهران تعي جيدا مالذي يسعى له ترامب لذلك انتهجت بدورها سياسة الضغط عليه ورفض إملاءاته، لعله يستسلم في نهاية المطاف ويقرر العودة الى الاتفاق النووي خشية هزيمته في الانتخابات القادمة، لذلك فان الوقت ليس مفتوحا أمام طهران لتتردد في ممارسة الضغوط ضد ترامب من خلال تحريك الأوراق التي تمتلكها، وإنما الفرصة الوحيدة التي أمامها هي هذه الشهور المتبقية لإجراء الانتخابات الأميركية.

إن فوز ترامب في الانتخابات القادمة دون العودة للاتفاق النووي يضع الوضع في المنطقة على كف عفريت، إذ أن ترامب سيشعر أنه ليس لديه ما يخسره وبالتالي وبما انه وعموم حزبه (الحزب الجمهوري) لايطيقان “التمرد” الإيراني عليهما، فمن المحتمل جدا ان يقرروا شن الحرب أو توجيه الضربات لإيران.

إيران من جانبها تبذل ما في وسعها للحؤول دون وقوع الحرب، ولكن في نفس الوقت لا يمكنها أن ترى أن حقوقها تصادر والحكومة الأميركية تمنعها من تصدير نفطها والحصول على عائدات النفط ولا تبدي أية ردود فعل، لذلك فإن الضمانة الوحيدة لمنع وقوع الحرب هي عودة ترامب للاتفاق النووي أو رحيله عن السلطة وعدم فوزه في الانتخابات القادمة، لذلك فإنها تعمل جاهدة لتحقيق أحد هذه الأمرين.

صحيفة رأي اليوم

أضيف بتاريخ :2019/07/01