آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
محمد عبد الرحمن عريف
عن الكاتب :
كاتب وباحث في تاريخ العلاقات الدولية والسياسة الخارجية

الخليج يحترق بأمواله.. بسندان "جباية" ومطرقة "حماية"

 

محمد عبد الرحمن عريف

الواقع أن ما تقوم به بعض أنظمة الخليج هي أساليب عفا عليها الزمن، وتجاوزتها مفردات العصر، وأسلوب الحرب بالوكالة الذي تسعى هذه الدول لاستمراره عبر تجنيد حلفاء في اليمن، لم يعد ينطلي إلاّ على السُذّج وعديمي الأفق.

لم يشفع للخليج والخليجيين عديد القمم.. ليحضر يأس خليجي وشرق أوسطي من تهديدات ترامب "التويتريّة" التي لم تأت على محمل الجد، لأنّه ليس "رجل حرب" وإنّما سمسار صفقات تجاريّة، وهذا التّوصيف ينطبق على آخِر تغريداته التي أطلقها وحذّر فيها إيران "من خوض حربٍ لأنّها ستكون النّهاية الرسميّة لها"، فالحُروب تُخاض في ميادينها وليس على صفَحات وسائل التواصل الاجتماعي، وبطريقةٍ استعراضيّةٍ مكشوفة.

نعم هو "المال مقابل الصمود والحماية"، معادلة حملها ترامب في وجه حلفاء الخليج، وهي معادلة يُقال فيها الكثير. فعليهم سدّ أيِّ نقص في الأسواق العالمية، من خلال زيادة إنتاج النفط إلى الدرجة القصوى لديهم، والتي قد تتجاوز الـ(12 مليون برميل) يومياً. وإن سبق إدانة للخارجية الإيرانية لموقف هذه الدول الداعِم للعقوبات الأميركية على صادرات النفط الإيرانية، واعتبرته دليل "تبعية عمياء لأميركا وجهل بتبعات هذا الأمر".

من الجنوب تأتي تهديدات اللجنة الثوريّة اليمنية، بين جازان ونجران وصولاً لأبها والرياض، بأنّ "هُناك 300 هدف أخر، (إماراتيّة ويمنيّة وسعوديّة) ضِمن بُنوك الأهداف على رادارات يُمكن ضربها في أيّة لحظة إذا لم تتوقّف حرب التّحالف على بلادهم". إضافة لهُجوم غامِض على أربع ناقِلات نفط قُبالة سواحل الفُجيرة وإعطابها جميعاً، ولم تنتهِ التّحقيقات لمعرفة الجِهة التي تقف خلفها، ويبدو أنّها لن تنتهي. أيضاً إطلاق صاروخ على السّفارة الأميركيّة في المِنطقة الخضراء في العاصمة العِراقيّة، وهي منطقة من المُفترض أن تكون الأكثر أماناً في العالم، ومحميّة أميركيّة مُعزّزة بقُدرات دفاعيّة مُتقدّمة جداً، وصولاً لبحر عُمان، وإن سبق العديد.

وسط هذه المخاطر عقدت الرياض ثلاث قمم (إسلاميّة وعربيّة وخليجيّة) في نهاية أيار/ مايو الماضي بمكّة المكرّمة، ما يعني أنّ الخليج بات يُدرك جدّياً أنّهم بحاجة إلى حُلفاء وتغطية (عربيّة إسلاميّة خليجيّة)، بعد أن تناقصت هذه التّغطية إلى حُدودها الدّنيا لأسبابٍ عديدةٍ أبرزها وضع الحلول كلّها في "سلّة ترامب" الابتزازيّة، وتجاهُل ذوي القُربَى واستعدائهم، والتّرفّع عليهم. فجاء تحرّكهم تحت شعار "توحيد الصف الخليجي والعربي لمواجهة التحديات والخطر الإيراني وتوحيد السياسات بما يعزّز الأمن الخليجي والعربي والمحافظة على الأمن لدول الخليج والمنطقة العربية عامة".

كل ذلك يحدث مع موافقة خليجية على إعادة انتشار القوات الأميركية. فمنطقة الخليج تمثل عصب الصادرات للنفط العالمية، وبالتالي أيّ خلل أو أيّ انعكاس سلبي يؤثر على الإمدادات العالمية سيؤثر على الاقتصاد العالمي والدول الكبرى على وجه الخصوص، فحقاً دول الخليج تفكّر ألف مرة قبل أن تقدم على أية عملية على غرار (مقبرة اليمن) قد تكلفها الكثير، فالعالم اليوم لم يعد فيه مجال للمقامرين والمغامرين، والدول التي يتمتّع قادتها بالحكمة تتصرّف حسب مقدراتها وتسعى لتحقيق أهدافها بكافة السبل السلمية المشروعة، بعيداً عن تبنّي لغة تهديد وابتزاز للآخرين.

الواقع أن ما تقوم به بعض أنظمة الخليج هي أساليب عفا عليها الزمن، وتجاوزتها مفردات العصر، وأسلوب الحرب بالوكالة الذي تسعى هذه الدول لاستمراره عبر تجنيد حلفاء في اليمن، لم يعد ينطلي إلاّ على السُذّج وعديمي الأفق، فالعالم أجمع يعلم أن أميركا تقف وراء تفجير المنطقة، وصولاً لبحر عُمان قبل أيام، حيث التطوّرات الخليجية عقب إعلان الولايات المتحدة عدم تمديد الإعفاءات الخاصة بالعقوبات على عدد من الدول التي تستورد النفط الإيراني. وقد لا يعلم حكّام الخليج أن معظم أسباب حروب المنطقة جاءت بسبب النزاع على نفطها، مباشرة أو غير مباشرة، وهنا نتذكّر ما هدّد به جهانغيري، نائب الرئيس الإيراني، دول خليجية من دون أن يسمّيها في العام الماضي بأن "أيّ طرف يحاول انتزاع حصّة إيران بسوق النفط إنما يرتكب خيانة عُظمى بحق إيران وسيدفع ثمنها يوماً ما".

إن من بين ما لا يُدركه ترامب وحلفاء الخليج "أنّ إيران وحُلفاءها استعدّت لهذه الحرب مُنذ اليوم الأوّل الذي غزت فيه بلاده جارها العراقيّ واحتلّته عام 2003"، واستِعداداتها تمثّلت في تطوير ترسانة أسلحة مُتقدّمة ذاتيّة الصّنع في مُختلف القِطاعات. وإن عزم حلفاء الخليج منح ترامب الغطاء الشرعي لأيّ اعتداء يريد القيام به ضدّ ايران من خلال عقدهم لقمم طارئة، نحو عملية حشد عربية وخليجية واسعة ضد إيران.

لقد أعلنت الدفاع الأميركية إرسال حاملة الطائرات "أبراهام لنكولن" وطائرات قاذفة إلى الشرق الأوسط، بزعم وجود معلومات استخباراتية بشأن استعدادات محتملة من قِبَل طهران لتنفيذ هجمات ضد القوات أو المصالح الأميركية. فمَن قال "إنّ إيران تُريد الحرب؟"، إيران تُريد تصدير نفطها إلى الأسواق العالميّة عبر مضيق هرمز، وهِي تفعل ذلك بكُل يُسرٍ حالياً، ولم تقُم بإرسال حاملات الطائرات، أو القاذفات العملاقة (بـ52) إلى منطقة الخليج التي هي عُضو أصيل فيها، في استعراضٍ مكشوفٍ للقُوة لم يُعطِ ثماره، ومن فعل ذلك هو ترامب، ومُني بالفشل، ومعه حلفاء في الخليج.

في النهاية يبقى أنه وفقاً لوكالة "بلومبرغ" للأنباء فإن أحد مشغّلي الناقلتين أكّد وجود شُبهة في أن الحادث ناجم عن هجوم. بينما ذكرت تقارير أخرى بأن النيران اشتعلت في ناقلة في خليج عُمان بعد هجمات تخريبية استهدفت ناقلات في وقتٍ سابقٍ بالقرب من إمارة الفجيرة، أحد أكبر مراكز تزويد السفن بالوقود في العالم. فهل حفظت قمم مكّة ماء وجه الجميع، على أمل بـ«صفقة لحل هذه الأزمة»، وإن كان على الجميع أن ينتصر في الحرب و«الانتصار في الحرب، هو تجنّبها».. لا أن يحترق الخليج بأمواله.. ليصبح بين سندان "جباية" ومطرقة "حماية".

لصالح موقع الميادين نت

أضيف بتاريخ :2019/07/01