آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
طلال سلمان
عن الكاتب :
طلال سلمان (مواليد 1938) هو صحافي لبناني كبير مؤسس جريدة السفير اللبنانية اليومية. شكل منذ عقود مرجعية إعلامية في الشؤون العربية واللبنانية تحظى بالتقدير، وبالتأثير في الرأي العام.

عن الصراع بين طهران وواشنطن.. من مصلحة العرب إلا يكونوا طرفاً فيه

 

طلال سلمان


يستحضر الوضع القائم في منطقة الخليج العربي، الآن، وقد بلغ ذروة الاحتدام بين الولايات المتحدة الأميركية والجمهورية الإسلامية في إيران، مشهداً قريباً مما واجهته مصر عبد الناصر في مثل هذه الأيام من 26 تموز 1956 حين أعلن جمال عبد الناصر قراره التاريخي بتأميم قناة السويس، وإعادتها إلى ملكية مصر وسيادتها.. هذا مع اختلاف الظروف والأدوار والرجال.

التشابه في الحصار الغربي الشديد الذي فرض على مصر عبد الناصر آنذاك والذي تطور في اتجاه العنف حتى عقد التحالف الجهنمي بين بريطانيا (العظمى آنذاك) وفرنسا التي كانت تحاول أن تستعيد أمجادها الغابرة، لا سيما بعد تفجر ثورة المليون شهيد في الجزائر 1 تشرين الثاني (نوفمبر) 1954، والعدو الإسرائيلي الذي كان ينتظر مثل هذه “اللحظة التاريخية” للتخلص من ثورة التحرر العربية التي كان جمال عبد الناصر رمزها وقائدها.

لا إيران هي مصر طبعاً، ولا الإمام الخميني أو نائبه خامنئي هو جمال عبد الناصر، ولا الولايات المتحدة الأميركية هي بريطانيا + فرنسا.. لكن ثمة تطوراً استراتيجيا خطيراً حصل في الفترة الفاصلة بين تموز 1956 وتموز 2019، أبرز معطياته: سقوط المسافة (النظرية) التي كانت تفصل بين الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل، حتى باتت واشنطن تعني تل أبيب والعكس صحيح، لا سيما في ما يتصل بالعرب (أو ما تبقى منهم في خط الاعتراض على واقع الإذلال المهين).

بل أن الواقع يدل على العكس تماماً: فأكثرية الدول العربية، بدءاً بالممالك والسلطنة والإمارات الخليجية، ليست مستقلة فعليا، لا سيما وأنها مرتهنة لثرواتها (النفط والغاز) التي تستثمرها وتديرها شركات أميركية أصلاً، ثم أن هذا الواقع يفرض تبعية واضحة للقرار الأميركي… فالولايات المتحدة الأميركية شريكة أساسية، سواء بالاستخراج أو برعاية تسويق ما يفيض عن حاجتها، ثم أنها “مستودع الأموال” التي تجنيها هذه الدول من ثرواتها الطبيعية، وهي تستثمر داخل هذه الأقطار ذاتها في “رعاية” مشاريع التنمية ومشاريع إعادة بناء “دول الرمال” هذه التي كانت تعيش حتى الأمس، في القرون الوسطى: شركات المقاولات الكبرى فيها، أو في بعض الدول الأوروبية الصديقة، هي التي تتولى اعمار الصحارى، وعلى قاعدة خطط تصنعها شركاتها ومكاتب الدراسات فيها، وهي تساعد في “رعاية” المؤسسات الأمنية الأساسية (الجيش وقوى الأمن والمخابرات)، ثم أن جامعاتها هي وبالتوجيه الرسمي ـ مقصد خريجي طلاب الدراسات العليا (الطب والهندسة والعلوم الخ)..

وبالتالي فإن السلطة “تؤمرك” نخبها، وقواتها المسلحة، فضلاً عن رهن اقتصادها وخطط تطور عمرانها لبرامج مثل “المملكة 30″، وهو المشروع الذي تبناه ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، والذي يفترض به أن يكون القاعدة لإعادة بناء دولة أبناء عبد العزيز آل سعود التي قامت بحد السيف، وعاشت خارج التاريخ، حتى عهد قريب.

ولا شك أن ولي العهد، وبرعاية من أبيه الملك سلمان، يسعى لفتح نوافذ في مملكة الصمت والذهب ويجتهد لان يدفع بهذا المجتمع الذي ظل مغلقاً ومبعداً عن التقدم والتحضر واقتحام العصر بالعلم، خصوصاً وان إمكانات دولته خرافية، وشعبه عومل حتى اليوم كرعية قاصرة تعيش في خدمة الأسرة المالكة: شبابا رهائن لدى “الحرس” ونساؤه في العتمة ورجاله رهن مطاردة “الخويان”..

وجاهل من ينكر أن مملكة السيف والذهب قد غدت “دولة شرعية” بغض النظر عن أسلوب إقامتها والملوك الجهلة الذين حكموها بحد السيف ولم يسمحوا حتى لأبنائهم بطلب العلم لبناء مستقبل أفضل واستعانوا بخبرات عربية من أقطار أخرى… ولكنها تتحرك الآن لاستدراك ما فاتها من أسباب التحضر للحاق بالعصر، فتخفف من “صلاحيات المطاوعة” الذين كانوا يطاردون الرجال في الشارع لأنهم يدخنون مثلاً، أما النساء فكان ممنوعاً عليهن الخروج من المنازل إلا بصحبة “محرم”، فإذا ما لمحن “المطاوعة” يحاولن الاختفاء ولو بالدخول في الجدران.

على أن هذا كله لا يعني أن “المجال العام” قد فتح حقاً أمام أهل البلاد: فالحرية لا تقتصر على السماح للمرأة بالخروج بالمنديل بدل الحجاب، والجلوس في المقهى، والذهاب إلى مهرجانات الغناء المنظمة والمتنقلة بين المناطق والجهات.

فأساس الديمقراطية الأول والأخير هو حرية الرأي والقول والعمل. والصمت المفروض بالقوة هو بمثابة “وأد” للشعوب ومصادرة لحقها في أن تكون هي مصدر السلطة، وهي صاحبة القرار في شؤون حياتها، لا تهبط عليها القرارات بالمظلة الملكية من علٍ فلا تملك لها رداً هي لو كانت تخالف إرادتها ومصالحها وأسباب حياتها.

إننا نعيش في القرن الحادي والعشرين، وقد “قزمت” وسائل التواصل الجديدة العالم فجعلته، بالفعل، قرية واحدة..

ويعرف آخر فلاح في صعيد مصر، وأخر بدوي عند أطراف الربع الخالي ما يحدث في أربع رياح الأرض لحظة حدوثه، ويسمع من الشروحات والتعليقات ما يجعله معنياً بهذا التطور العلمي ومستفيداً منها بشكل ما.

أما دولة الإمارات العربية المتحدة التي تم تأسيسها بقرار بريطاني ـ أميركي في أوائل السبعينات من القرن الماضي، خلع الشيخ شخبوط “حاكمها الأول” الذي كان يحتفظ بدخل النفط، في أوائل ظهوره تحت فراشه ويرفض إيداعه في المصارف، فأتى بعده بأخيه الشيخ زايد، الذي عُرف فنهض بحكمته ببلاده لا سيما بعد تشكيل دولة تضم إلى أبو ظبي ست مشيخات أخرى تمتد من ساحل عمان حتى الحدود السعودية، مبعدة عن قطر والكويت.

ولقد تعاظمت الثروة النفطية مما مكن الدولة الجديدة برئيسها المسالم والساعي بالخير من احتلال موقع متقدم بين حكام الجزيرة والخليج، خصوصاً وقد بذل من الخير ما جعل في معظم العواصم العربية شوارع باسمه.

وحين رحل الشيخ زايد أصاب مرض لا شفاء منه نجله الأكبر (خليفة) فصار النجل الثاني الطموح والسياسي المحنك محمد بن زايد “قائداً” في منطقة الخليج، ثم تعزز هذا الدور بوصول الأمير محمد بن سلمان إلى ولاية عهد أبيه الملك سلمان بعد خلع ولي العهد الأسبق الأمير مقرن بن عبد العزيز، ثم ولي العهد الثاني الأمير محمد بن نايف.. وهكذا نشأ حلف ثنائي بين “المحمدين” بطموح واحد إلى لعب الدور القيادي ليس فقط في الجزيرة والخليج بل شمل بعض الدول العربية البعيدة (ليبيا، مع منافسة معلنة مع حاكم قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني الذي لا يقل عنهما طموحاً معززاً بثروة خرافية مصدرها الغاز والعلاقة المعلنة رسمياً منذ عهد أبيه الشيخ حمد مع العدو الإسرائيلي).

على أن قطر تتميز عن سائر دول الخليج بعلاقات مميزة وشراكة في الغاز مع إيران، مما عزز لديها الطموح بدور عربي، سرعان ما جمعت إليه إقدامها على الاعتراف بدولة العدو الإسرائيلي (على حساب شعب فلسطين، بل حقوق الأمة العربية فيها).

وكذلك حاولت التدخل في بلاد عربية كثيرة، بينهما مصر، وليبيا بفوضى بعد القذافي، وأنشأت مشاريع استثمارية (كما دولة الإمارات) في بعض دول أفريقيا السوداء، وتحالفت مع تركيا بثمن باهظ، وزايدت على سائر أقطار الخليج في استثنائية العلاقة مع الولايات المتحدة الأميركية، ودائماً بالثمن الباهظ.

نعود إلى إيران ودورها وطموحها إلى نفوذ واسع في المنطقة من حولها في ظل الفراغ السياسي والاحتياج الاقتصادي فيها، واستناداً إلى ماضي الإمبراطورية، وإلى موقعها الاستراتيجي الحاكم.. لا سيما وأن الأنظمة المجاورة، ملكية وإماراتية وجمهورية، لم تكن مغرية أو قادرة ومؤهلة للتقدم إما لأن أنظمتها دكتاتورية أو لأن مواردها غير كافية، وإما لأن الشعار الديني مع نجاح التجربة الإيرانية كان جاذبا لشعوبها الطامحة إلى التقدم.

على أن ما عزز النفوذ الإيراني في لبنان أن ثورة الخميني فيها قد رفعت، منذ يومها الأول شعار تحرير فلسطين، وأقدمت على طرد السفير الإسرائيلي منها وطاقم السفارة والخبراء الإسرائيليين (بالآلاف).. وسلمت كل ما له علاقة بإسرائيل إلى الراحل ياسر عرفات ومنظمة التحرير الفلسطينية، ودعمت “حزب الله” في مقاومته الاحتلال الإسرائيلي حتى إجلائه عن لبنان في العام 2000.

اليوم، وفي ظل الأزمة المحتدمة بين إيران والولايات المتحدة هدأت دول الجزيرة والخليج غلواءها، وانتبهت إلى مصالحها الحيوية، فحاولت أن تحيد نفسها عن الصراع، حتى لا تكون هدفاً له.. وهذا أمر جيد، فعند صراع الأقوياء الحكيم هو من يحفظ رأسه.

وليست مصادفة أن يخرج وزير الخارجية الأميركية على العالم بإعلان استعداده لزيارة إيران، إذا كانت مستعدة لاستقباله.

في الحروب بين الأقوياء يحفظ الذكي رأسه..

وعسى القادة العرب يحفظون رؤوسهم.. ورؤوسنا!.

صحيفة رأي اليوم

أضيف بتاريخ :2019/08/01

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد