آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
د. جلال جراغي
عن الكاتب :
صحفي وباحث إيراني

الولايات المتحدة مازالت مخطئة في مقارباتها السياسية تجاه إيران

 

د. جلال جراغي

منذ انسحاب الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، من الاتفاق النووي، توقع الکثیر من المراقبين السياسيين بأنه يسعى جاهداً ‏للجلوس على طاولة الحوار مع إيران من أجل التوقيع على اتفاق جديد معها وحلحلة مختلف القضايا الإقليمية العالقة. والقناعة التي جعلت هؤلاء المراقبين أن يصلوا إلى هذه النتيجة، هي تصريحات متناقضة كانت تصدر بين الحين والآخر عن البيت الأبيض وعن السيد ترامب على وجه التحديد، حيث إنه قد أعلن مرارا وتكراراً عن استعداده لإجراء مفاوضات مباشرة مع ‏كبار المسؤولين الإيرانيين.‏

في هذا السياق، فإن الحقيقة الجديرة بالإشارة هي أن ما يريده ترامب هو الترويج والإيحاء للرأي العام الأمريكي والعالمي بأنه توّاق إلى التفاوض والتعايش والتصالح مع إيران، لكن طهران هي التي تعارض الحوار وتصر على التخاصم والتباغض والتباعد وهي التي تلجأ إلى المواجهة وتلحّ على استمرار المجابهة وتشدّد على معارضتها كل ما تطرحها الولايات المتحدة على لسان رئيسها ترامب. والواقع هو أن ترامب في إطار نفس الاتجاه، ما فتئ يبذل قصارى جهده للتعريف والترويج بأن الجمهورية الإسلامية الإيرانية هي من ‏تخالف المقاربات السياسية القائمة على الحوار والسلام في المنطقة، معتبراً إياها مناهضة للأمن والاستقرار، فيما هو نفسه (ترامب) لايألو جهدا في تصعيد الظروف المتوترة الراهنة ‏وتعقيد الحرب النفسية ضد إيران.

في ضوء إدعاءات ترامب الجوفاء بأنه مستعد للجلوس على طاولة الحوار المباشر مع إيرانيين، فإن وزير خارجيته، مايك بومبيو، على المقلب الآخر والمتناقض، أعلن عن 12 شرطاً على طهران حول التفاوض والتصالح مع إيران، رغم قناعتهما بأن الجمهورية ‏الإسلامية الإيرانية، لن تقبل، دون أدنى شك، هذه الشروط جملة وتفصيلا نظرا لكونها تعجيزية وغير موضوعية، ذلك أن قبولها هو بمعنى رضوخها للمطالب الأمريكية المبالغ فيها والتخلي تماما عن تطلعاتها خلال العقود الأربعة الماضية والتنازل عن سيادتها وقرارها ‏الوطني واستقلاليتها. وعلى هذا، فإن أمريكا مع علمها الأكيد بهذه الحقيقة، تدعى دوماً على لسان رئيسها بأنها مستعدة دون شروط مسبقة لطرح مختلف القضايا الإقليمية والدولية مع إيران على طاولة الحوار.

إلى جانب هذه المقاربة الأمريكية المتعجرفة فإنها ومن أجل سدّ الباب في وجه أي حوار محتمل، أقدمت على إعلان الحظر على كبار المسؤولين الإيرانيين بما فيهم قائد الثورة الإسلامية ورئيس الجهاز الدبلوماسي الإيراني محمد جواد ظريف، في خطوة مثيرة وغيرقانونية ضاربة بها القوانين والأعراف الدولية عرض الحائط، ما أشار إليها ظريف أخيراً في مقابلة مع قناة “ان بي سي” الأمريكية وفي معرض رده على سؤال حول ما اذا كان هذا التصرف الأمريكي ‏يعد تصرفا متناقضا بسبب أنها من ناحية تتحدث عن ضرورة الحوار دون شروط مسبقة مع إيران فمن ناحية أخرى تقوم على إعلان ‏الحظر على كبار المسؤولين الإيرانيين، ما رد عليه ظريف بالإيجاب قائلاً “إن أمريكا أعلنت الحظر على قائد الثورة الإسلامية ووزير ‏الخارجية الإيراني، وفي الواقع فإن الأمريكيين بهذا التصرف، أعلنوا الحظر على من يسمح للحوار ومن يقوم بإجراءه، لا أدري إنهم كيف يريدون ‏إجراء الحوار؟!”‏

إذن، فإن إعلان الحظر على رئيس الدبلوماسية الإيرانية، معناه فرض الحظر على نفس الحوار بالذات، غير أن ترامب، على المقلب الآخر، وفي إطار سياسته الازدواجية الرامية إلى ذر الرماد في عيون الأمريكيين وبأهداف انتخابية، يدعي بأنه راغب في الجلوس على طاولة الحوار مع ‏المسؤولين الإيرانيين ما لايؤشر هذا التصرف إلا على توجهاته وسياسات حكومته القائمة على النفاق والكذب والتضليل. وترامب منذ توليه الرئاسة الأمريكية يصر على سياساته الإزدواجية، إذ إنه من ناحية يحاول الإيحاء بأنه يسعى للجلوس على طاولة الحوار مع ‏إيران مثلما جلس مع رئيس كوريا الشمالية ومن ناحية أخرى قام بتعيين أشخاص متطرفين مثل مايك بومبيو وجون بولتون ‏كوزير لخارجيته ومستشار للأمن القومي، محاولا توجيه رسائل تحذيرية غيرمباشرة إلى طهران ‏بأنه ليس بصدد التفاوض معها.

إن السؤال الذي يطرح نفسه هنا، هو إنه اذا لايبحث ترامب عن طاولة الحوار مع إيران، فما هو الهدف الذي يسعى لتحقيقه من وراء ‏فرض إجراءات حظر قاسية على إيران؟

الإجابة التي تخطر في الوهلة الأولى على بال كل مراقب حكيم هي أن الولايات المتحدة تسعي ‏للإطاحة بنظام الحكم في إيران وسلب حياته عبر فرض إجراءات حظر قاسية وخانقة عليه، وعلى هذا، فإن طهران، في الاتجاه المعاكس، بإدراكها الأهداف الحقيقة لأمريكا، تحاول جاهدة ‏لتعزيز مقوماتها المبنية على قدرتها العسكرية والسياسية ونفوذها الإقليمي وقوتها الرادعة، ومن هنا فإن قيامها بإسقاط الطائرة الأمريكية المسيرة الفائقة االتطور على مجالها الجوي، جاء في إطار توجيه رسالة إلى واشنطن ‏مفادها أنه إذا قامت أمريكا بأي عمل في المضي قدما في تحقيق هدفها الغائي في الإطاحة بنظام الحكم في إيران، فستواجه، بلاشك، بالرد الإيراني المدمر. وكذلك في هذا السياق، فإنها قامت يوم ‏الخميس الماضي بإزاحة الستار رسميا عن منظومة صاروخية متطورة سميت بمنظومة “باور 373” المحلية الصنع برعاية الرئيس حسن روحاني والتي تم تسلیمها إلى القوات ‏المسلحة.

إن طهران حسب هذا الرأي، (السعي الأمريكي للإطاحة بنظام الحكم) بإعلانها عن هذا المشروع والانجاز العظيم، جددت توجيه رسالتها إلى أمريكا موكدة فيها أن مستوى قدراتها الرادعة ارتقى إلى مستوى قدرات منظومة اس ‌‏400 الصاروخية الروسية، منظومة تبذل الكثير من الدول من بينها السعودية والهند وتركيا لشراءها من روسيا، الا أنها بسبب هذا القرار، تواجه عقوبات أمريكية شديدة، لكن طهران وبفضل قدراتها العلمية تمكنت من تصميم هذه المنظومة وصنعها على أيدي الخبراء والعلماء الإيرانيين دون الحاجة إلى روسيا أو أي دولة أخرى.

الإجابة الأخرى على السؤال الذي ورد أعلاه هي أن السعي إلى الإطاحة بنظام الحكم في إيران كان في سلم أولويات الولايات المتحدة ظنا منها أن هذا الهدف محتمل تحقيقه، لكنه يبدو أن بعد تطورات شهدتها المنطقة في الأسابيع القليلة الماضية، فإن الأمريكيين غيروا استراتيجيتهم هذه مدركين أن النظام الإيراني عصي على الإطاحة والسبب في ذلك أنها تتمتع بمقومات جعلت النظام محصَّناً محميَّاً أمام أي مؤامرة تحاك ضده. وعلى هذا، فإن الأمريكيين قاموا بإصلاح استراتيجيتهم تحقيقا لهدف آخر فهو رفع سقف مطالبهم من طهران بحيث تصبح الأخيرة مستعدة للقبول بالحد الأدنى من المطالب الأمريكية المنصوص عليها في الشروط الـ 12 لبومبيو وإعلان موافقتها على تقديم الكثير من التنازلات للولايات المتحدة، لكن الحقيقة هي أن واشنطن مازالت مخطئة في قراءتها للتطورات الإقليمية والدولية، حيث إن طهران ليست مستعدة لقبول أي شرط من الشروط الـ12 لأن المستجدات الأخيرة التي تمر بها المنطقة إن دلت على شيء، فإنما تدل على أن إيران على الاتجاه المعاكس، هي الأخرى تصر على تنفيذ سياساتها المتمثلة في “ممارسة الضغوط القصوى” على أمريكا وأثبتت في هذا السياق، أنها لن تقبل المطالب الأمريكية المبالغ فيها، وإن قيامها بإجراء المناورات العسكرية الأخيرة والكشف عن إنجازاتها العسكرية العظيمة كلها تصب في خانة تؤكد أنها لن تتنازل عن مبادئها وتطلعاتها في سياق محور المقاومة، وكما وجهت بإنجازها الكبير والمثير للإعجاب، في ازالة الستار عن منظومة “باور 373″ الصاروخية، رسالة تحذيرية إلى الكيان الصهيوني مفادها أنه اذا أقدم على عمل ما ضد إيران، فسيتلقى صفعة قاسية ومدمرة منها. وعلى هذا، فإنه ينبغي تحليل التطورات التي تشهدها المنطقة كحلقة مترابطة لامنفصلة، ذلك أن دائرة القدرة الإيرانية الإقليمية وخاصة مع أخذ قدرة حلفاءها كحزب الله في لبنان وحركتي ‏الجهاد الاسلامي وحماس في فلسطين وانصارالله في اليمن والحشد الشعبي في العراق بعين الاعتبار، مترامية الأطراف. وانطلاقا من ذلك، فإنه يمكن استخلاص هذه النتيجة بأن ايران ‏ستزود حلفائها بقدراتها الصاروخية وستتصدى لمخططات ومؤامرات أمريكية- صهيونية طويلة الأمد على المستويين الإقليمي والدولي بما فيها ‏المؤامرة المسماة بـ”صفقة القرن” ضد حقوق الفلسطينين.‏


صحيفة رأي اليوم

أضيف بتاريخ :2019/08/25

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد