آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
حسن حردان
عن الكاتب :
صحافي لبناني

أيّ حكومة وأيّ برنامج مطلوبين لإخراج لبنان من أزماته؟

 

حسن حردان

البرنامج السياسي الاقتصادي الاجتماعي هو الذي يجب أن يحدّد شخصية رئيس الحكومة المقبل وماهيتها..

هذا الكلام ينطلق من حقيقة تقول بأنّ حلّ الأزمات الاقتصادية والمالية والخدماتية والاجتماعية لا يمكن أن يتحقق من دون برنامج إنقاذي قادر على إحداث تغيير حقيقي في المسار القائم، وبالتالي وضع البلاد على سكة الخروج من الأزمة وبدء المعالجات الجدية لها.. لكن هذا البرنامج لا يمكن أن يتحقق إلا إذا كانت الحكومة الجديدة من رئيسها الى أعضائها مقتنعين بضرورة إحداث تغيير في السياسات الاقتصادية المالية التي تسبّبت بالأزمات المستفحلة، والتي تتجسّد بإغراق البلاد بالديون وفوائدها المرهقة للاقتصاد والموازنة.. وتهميش وإضعاف القطاعات الإنتاجية وتحويل لبنان الى بلد يعتاش على الاستدانة والريوع، من دون إنتاج… ويخضع للوصاية الأميركية المالية وغير المالية ينفذ إملاءات ووصفات صندوق النقد والبنك الدوليين اللذين يشكلان سلاح الغرب لإخضاع الدول وفرض الوصاية عليها وإلحاقها بالتبعية للسياسات الأميركية الغربية.

هل يبقى نهج النيوليبرالية الذي ربط لبنان بالتبعية للسياسات الغربية التي تعيق حلّ الأزمات.. ام انه آن الأوان ليأخذ لبنان خياراً استقلالياً ينطلق من مصالحه بأن يذهب باتجاه تنويع خياراته عبر التوجه شرقاً حيث تتوافر الفرص المعروضة عليه والمتاحة لحلّ أزماته، من حلّ أزمة تصريف إنتاجه الزراعي والصناعي، الى حلّ مشكلات الكهرباء والنفايات والنقل وإنشاء خطوط لسكك الحديد تربط المناطق اللبنانية كلها بالعاصمة.. وهذا يتطلب قراراً سياسياً بالانفتاح رسمياً على سورية، الصين، إيران وروسيا..

لكن هذا الخيار المتاح، من عطل السير فيه، رغم العروض السخية من إيران والصين تحديداً في تقديم المساعدات للبنان، إنما هو واشنطن عبر الأطراف الموالية لها داخل السلطة في لبنان التي وضعت فيتوات على قبول المساعدات من هذه الدول.. وصولاً إلى رفض هذه الأطراف قيام الدولة مباشرة، من دون وسطاء، باستيراد حاجات لبنان من النفط والغاز من دول صديقة وبأسعار مخفضة، الى جانب رفض إعادة بناء مصفاتي النفط في طرابلس والزهراني وإيصال النفط والغاز اليهما بوساطة أنابيب من الدول العربية الصديقة.. هذا الخيار إذا تمّ تشكيل حكومة على أساسه فإنه يقود إلى وضع لبنان على سكة الخروج من الأزمة التي يرزح تحت وطأتها، طبعاً إلى جانب تطبيق الإصلاحات وفي مقدّمها إقرار قوانين محاربة الفساد واسترداد أموال وحقوق الدولة المنهوبة ورفع الحصانات والسرية المصرفية عن كلّ الوزراء والنواب الحاليين والسابقين، وتحقيق استقلال القضاء إلخ…

لكن سلوك هذا الخيار السياسي الاقتصادي لإخراج لبنان من أزماته المتفاقمة وتجنّب تداعياتها السلبية على الأمن والاستقرار الاجتماعي في البلاد، يحتاج إلى قرار سياسي حاسم في إحداث قطيعة مع السياسات الحريرية التي كانت السبب في إغراق لبنان في الأزمات المالية والاقتصادية والخدماتية والاجتماعية، وهو ما يتطلب بالتالي تشكيل حكومة مقتنعة بأنه ليس هناك من خيار آخر سوى خيار التوجه شرقاً والتحرّر من الوصاية الأميركية وإجراء إصلاح سياسي واقتصادي مالي يقوم على تطبيق إصلاحات الطائف.. ويكون برنامجها مكوّناً من المطالب التي رفعها الناس في الساحات.

أما إذا ما عدنا الى تشكيل حكومة توافقية تقوم على التعايش بين نهجين متناقضين، سياسياً واقتصادياً، فإنها لن تستطيع إحداث قطيعة مع السياسات الحريرية المذكورة، ولا استرداد أموال الدولة المنهوبة من الفاسدين الذين شاركوا في السلطة منذ عام 1992 وحتى اليوم، ولا تحرير لبنان من التبعية لواشنطن التي تفرض الحصار المالي على لبنان وتمنعه من قبول المساعدات من الصين وإيران وروسيا والانفتاح على سورية لإيجاد الحلول لأزماته، وإخراج اقتصاده من حالة الاختناق واستطراداً وضع حدّ للضائقة المعيشية وتحقيق مطالب الناس المحقة في تأمين فرص العمل والتقديمات الاجتماعية.. فالفريق التابع لواشنطن لن يقبل إعادة النظر بسياساته الريعية ومحاربة الفساد، عبر رفع الحصانات والسرية المصرفية عن جميع المسؤولين الحاليين والسابقين، وقبول مثول جميع من تناوب على السلطة على مدى أكثر من عقدين أمام القضاء لمساءلتهم عن مصدر ثرواتهم التي يحوزون عليها، هل هي مشروعة أم لا.. ذلك أنّ الإصلاح الحقيقي يبدأ من هنا تحديداً.. من التحرّر من التبعية للأميركي ومغادرة السياسات الريعية التي أشاعت الفساد والتطاول على المال العام وإفقار اللبنانيين وإغراق البلاد بالديون.. وتدمير الإنتاج الوطني.

جريدة البناء اللبنانية

أضيف بتاريخ :2019/11/04

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد