آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
د. صالح السعيدي
عن الكاتب :
كاتب وباحث سياسي كويتي

دولة عميقة أم مافيا سياسية اقتصادية؟


د.صالح السعيدي ..

 بعد أحداث الربيع العربي في عام 2011 وما تلاه من سقوط الأنظمة العسكرية الشمولية، انتشر مفهوم «الدولة العميقة» كتعبير عن بقايا الأنظمة المتساقطة، التي تقود الثورة المضادة من أجل إسقاط الثورات، وعودة الأنظمة السابقة للتواجد في السلطة. وفي الحقيقة أن تعبير «الدولة العميقة» هو تعبير مخفف وملطف لمصطلح أخطر وأبشع هو «المافيا السياسية ــ الاقتصادية»، التي ولدت وترعرعت في أحضان الأنظمة العسكرية العربية.

ففي ظل أنظمة معظمها عسكرية تفتقد الشرعية في الحكم، ولا تتوافر فيها آليات المشاركة السياسية، وفشلت في تقديم نموذج للتنمية كمنجز ترتكز عليه في تسويق أسباب بقائها في السلطة، وفي ظل عجزها عن أحداث الانتقال السلمي للسلطة، التي يفترض أن تحدث فيها كونها تعتبر نظماً جمهورية، وعوضاً عن ذلك، اتبعت تلك الأنظمة «التوريث» سياسة رسمية لضمان استمرار آليات تسيير السيطرة على المصالح والنفوذ، يصبح التنظيم المافيوي السري بديلاً موضوعياً عن أجهزة الدولة الطبيعية المختلفة.

فمصطلح المافيا يشير إلى تحالف واسع وكبير بين جماعات المصالح، التي تسعى إلى السيطرة على مقدرات الدولة والاستحواذ على موارد البلاد، وفي سبيل ذلك ينشأ تحالف بين المكونات اللازمة لإدارة التنظيم المافيوي، قوامه عناصر في الإدارة والإعلام والقضاء وأجهزة الأمن والمخابرات، ومن أجل إتمام السيطرة على مفاصل الدولة يتم التحكم بالدستور، والعبث بالحياة السياسية، وتقوم الأجهزة الأمنية برعاية أحزاب سياسية تابعة لها لتأدية أدوار محددة ومهمات معينة، تهدف إلى تسويق الوجه الديموقراطي الزائف للنظام، يترادف ذلك مع تحكم أمني صارم بالمشهد الإعلامي، عبر تأسيس منابر إعلامية مكتوبة ومسموعة ومرئية، تكون لها اليد الطولى في توجيه الرأي العام، وتشكيل وعي مزيف يسيطر على عقول الناس بالكيفية التي تراها الأجهزة الأمنية.

وفي مسار البحث عن نماذج مشابهة لبلدان مستها تحولات جذرية، يظهر أن أقرب نموذج لما حدث في بلدان الربيع العربي، هو نموذج التحولات التي جرت في جمهوريات آسيا الوسطى، فبعد الزلزال الذي أحدثه انهيار الاتحاد السوفيتي 1991، تحركت الدولة العميقة ــ المافيا في تلك البلدان ــ للسيطرة على السلطة. فرغم سقوط الشيوعية فقد تولى قياديون شيوعيون سابقون السلطة في تلك البلدان، مثل نزار باييف في كازاخستان، وإسلام كريموف رئيس أوزبكستان، وعسكر اكاييف في غرقيزستان، الذين يحكمون بلدانهم من 1991، تاريخ سقوط الاتحاد السوفيتي، كما يحكم امام علي رحمانوف طاجيكستان منذ 22 عاما وحتى الآن، أما حيدر علييف فقد حكم أذربيجان عشر سنوات، قبل أن يورث الحكم إلى ابنه إلهام علييف، كما حكم القيادي الشيوعي مراد صابر نيازوف تركمانستان لمدة 15 عاما.

في هذه البلدان توجد أحزاب سياسية ضعيفة، وانتخابات دورية تفتقد النزاهة، ودساتير لا يتم فيها تطبيق البنود، التي تضمن الحريات وتنص على الديموقراطية خياراً.

إن النفوذ الواسع للمافيا في تلك الدول يقابله نفوذ واسع للدولة العميقة في بلدان الربيع العربي والأنظمة العسكرية العربية، فالمترادفان هما لمعنى واحد.

جريدة القبس الكويتية

أضيف بتاريخ :2016/04/05

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد