آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
د. علي أحمد الديلمي
عن الكاتب :
*دبلوماسي يمني.

«دعوهم ينزفوا حتى الموت وعندما يتعبون سيصلون إلى حلّ»!

 

د. علي أحمد الديلمي
بعد أن اختبروا الكثير منها، لم يعد اليمنيون يثقون بنجاح التسويات، حتى وإنْ كانت برعاية أممية، كما أنّ الواقع الجديد للحرب في اليمن، التي تحوّلت إلى حروب متداخلة، جعل المجتمع الدولي يُعيد النظر في مسارات الحلّ السياسي ويُغيّر طبيعة المفاوضات من مفاوضات بين طرفين إلى مفاوضات متعدّدة الأطراف وهؤلاء الأطراف جميعهم يحملون السلاح ويعمد كلّ طرف منهم إلى وضع شروطه بناء على ما لديه من أوراق القوة وأدوات الضغط الأخرى التي يمتلكها على أرض الواقع. نتيجة لهذا الوضع المعقد في طبيعة الصراعات ونمط التحالفات المتغيِّرة بين اليمنيين، وجد جميع المبعوثين الأُمميّين إلى اليمن صعوبة في استكمال مهمّتهم التي جاؤوا من أجلها وكذلك في كسب ثقة كلّ الأطراف اليمنيين، ما أدى إلى فشلهم في معظم الأحيان، إلا في ما يتعلّق ببعض أعمال التهدئة المنوطة بالأمم المتحدة كمنظمة عالمية من واجبها دعوة كلّ الأطراف إلى الانخراط في مسار السلام للحفاظ على الأمن والسلم الدوليين.
لم يكن تاريخ الأمم المتحدة في صراعات سابقة في اليمن محموداً على الإطلاق، وفي كتابـه «اليمـن الثـورة والحـرب»، يوجـز الكاتــب البريطاني إدغــار أوبالانس تدخـُّل الأمم المتحدة في اليمـن بأنـه «كان إخفاقــاً كئيبــاً بســبب التأييــد الضئيــل الــذي يقــع تحــت رحمــة مزيــد مــن الضغــوط المتصارعة، وأدى إلى سـوء فهـم وعـداء أكـثر مـن تهيئـة المناخ الـذي يقـود إلى السلام». ويضيف: «إنّ بعثــة الأمم المتحدة أُحيطــت بمنازعات داخليــة، ونظــر إليهــا بشــكّ عميـق من جانـب كلّ الأطراف المشتركة في النــزاع والحــرب». وبــدا الموقف الدولي مــن حــرب اليمــن والـصـراع العــربي المتعلق بهــا، مطابقــاً لعبــارة أطلقهـا أحـد مستشـاري البيـت الأبيض حينهــا في جمــع مــن الدبلوماسيين العــرب: «دعوهــم ينزفــوا حتــى الموت، المصريون تنشغل قواتهــم، والسعوديون ينفقــون، واليمنيــون يعانـون، وعندما يتعبـون سـيصلون إلى حــلّ”.
وأظهرت تطوُّرات الأشهر الأخيرة أنّ المبعوث الأممي الحالي إلى اليمن مارتن غريفيث، الذي يتحرك مشمولاً بدعم دولي غير مسبوق، خصوصاً من بلاده بريطانيا التي تتولى مهمّة حاملة القلم في الشأن اليمني في مجلس الأمن، يمضي في طريق شبه مسدود فجميع أطراف الصراع لا تثق به، حتّى أنها تنظر إلى دوره بشكّ عميق، بالإضافة إلى عدم فهمه تعقيدات الوضع في اليمن واعتماده على القوالب الجاهزة التي تُعطى له من مكتبه الذي يعتمد على الآليات الجاهزة لعمل الأمم المتحدة والتي لا تراعي التغيرات والأحداث اليومية، بينما يستمرُّ المبعوث الأممي في جهوده ومبادرته رغم كلّ الصعوبات.
وكان مصدر في مكتب غريڤيث كشف مطلع الشهر الحالي أنّ أطراف الصراع في البلاد تسلَّمت مسودة اتفاق جديد لحلّ الأزمة المستمرة منذ نحو 5 سنوات.
وأوضح المصدر لوكالة أنباء “الأناضول” أنّ غريڤيث سلّم الأطراف الثلاثة الرئيسية (الحكومة، الحوثيّون، التحالف العربي) مسوّدة مُعدَّلة لحلّ الأزمة.
وتتضمّن المسودة التي نشرتها “الأناضول” في أبرز بنودها “وقفاً لإطلاق النار في كافة أنحاء اليمن، إضافة إلى عدد من التدابير الاقتصادية والإنسانية الضرورية لتخفيف معاناة الشعب اليمني، وتهيئة البلاد لمواجهة خطر تفشّي فيروس كورونا”.
كما تنصّ على “وقف إطلاق نار شامل في كافة أنحاء اليمن يدخل حيِّز التنفيذ فور التوقيع عليه”.
وتُلزم المسودة الأممية “طرفي النزاع وجميع من ينتسب إليهما بوقف جميع العمليات العسكرية البرية والبحرية والجوية”. كما تتضمّن “تشكيل لجنة تنسيق عسكري برئاسة الأمم المتحدة وعضوية ضباط رفيعي المستوى من طرفي النزاع، لمراقبة وقف إطلاق النار، إضافة إلى إنشاء مركز عمليات مشتركة يتولى التنسيق لتنفيذ الاتفاق، وإدارة تدفق المعلومات”.
فيما تشمل التدابير الاقتصادية والإنسانية معالجة ملفات رئيسية منها “الأسرى، والرواتب، والمطارات والموانئ، والطرق الرئيسية بين المحافظات”.
وتتضمّن المسودة في ترتيباتها الاقتصادية والإنسانية “إطلاق جميع المعتقلين والمحتجزين، وفقاً لاتفاق ستوكهولم، إضافة إلى فتح طرق رئيسية في محافظات تعز والضالع (جنوب) وصنعاء ومأرب والجوف (شمال)”.
كما تنصّ على “فتح مطار صنعاء الدولي أسوة بباقي المطارات اليمنية، ورفع القيود عن دخول الحاويات والمشتقات النفطية والسفن التجارية بموانئ محافظة الحديدة (غرب)”.
وبحسب توقعات الكثيرين من أصحاب الشأن والقريبين من دوائر الصراع داخل اليمن، فإنّ مثل هذه المبادرات والأعمال التي يقوم بها المبعوث الأممي تظلّ بعيدة عن الواقع وما يدور بين أطراف الصراع داخل اليمن والقوى الإقليمية والدولية المرتبطة بأطراف الصراع التي تعمل خارج أطر الأمم المتحدة وأدواتها.
فهل تصحُّ مقولة المستشار الأميركي “دعوهم ينزفوا حتى الموت وعندما يتعبون سيصلون إلى حلّ”؟
جريدة البناء اللبنانية

أضيف بتاريخ :2020/07/24

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد