آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
عبد الباري عطوان
عن الكاتب :
كاتب وصحفي سياسي فلسطيني رئيس تحرير صحيفة رأي اليوم

الشعب البحريني يتوحد بكل مذاهبه على رفض اتفاق حكومته التطبيعي.. 

 

عبد الباري عطوان

في أواخر عام 2006 و2007 نشرت وكالة ويكيليكس آلاف الوثائق الامريكية، كان من ضمنها وثيقة، تقول ان السفير الأمريكي في المنامة آدم ارني التقى عاهل البحرين حمد بن عيسى آل خليفة ليقدم له الشكر على جهود نجله ولي العهد في الانفتاح على إسرائيل، وكتابة مقال في احد صحفها يشرح فيه مبادرة السلام العربية ويحث الإسرائيليين على دعمها.
الملك حمد رد على السفير قائلا “هل طالعت مقال عبد الباري عطوان الذي انتقدنا على هذه الخطوة، وما جلبت علينا من انتقادات عربية أخرى وجدت صدى لدى الشعب البحريني”.
العديد من الجهات، من بينها السلطة الفلسطينية المطبعة مع دولة الاحتلال وقعت في مصيدة المسؤولين الغربيين، من بينهم توني بلير، المبعوث الدولي للشرق الأوسط وعراب اتفاقات التطبيع الحالية، الذين طالبوا العرب بالكتابة في الصحافة الإسرائيلية للوصول الى الرأي العام الإسرائيلي مباشرة، بعيدا عن حكومته  اليمينية المتشددة، وقد نشرت اطراف عديدة ترجمات للمبادرة المذكورة في معظم الصحف الإسرائيلية في إعلانات مدفوعة وبأرقام مالية فلكية، وتبين لاحقا ان الهدف من هذه الحملة الاعلانية هو بداية التطبيع الإعلامي والسياسي والتخلي عن هذه المبادرة.
ها هي السلطات البحرينية التي استضافت اجتماع تشريع صفقة القرن على أراضيها برئاسة جاريد كوشنر، صهر الرئيس الأمريكي تُقدم على اكبر عملية تطبيع مجانية، وتتحدى شعبها ومؤسساتها الدستورية، وتفك ارتباطها مع القضية الفلسطينية، وربما مع العروبة والإسلام، وتقف في الخندق الإسرائيلي، وتستعد لكي تكون الدولة الثانية الى جانب الامارات التي ستوقع “اتفاق سلام” مع دولة الاحتلال في البيت الأبيض الثلاثاء المقبل.


***


انه ليس اتفاق سلام، وانما “سلام مقابل الحماية”، والدخول في تحالف عسكري وامني استراتيجي يتوج نتنياهو زعيما على الخليج والجزيرة العربية، وإدارة الظهر بالكامل لثوابت الامتين العربية والإسلامية.
حكومة البحرين التي اختارت ان تقف في الخندق الاسرائيلي دون مقابل، لم تطعن القضية الفلسطينية بخنجر مسموم آخر فقط، وانما طعنت شعبها أيضا، هذا الشعب الوطني الأصيل الوفي لعروبته وقضايا امته، عندما خدعته قبل اقل من أسبوع وادعت تمسكها بمبادرة السلام وقيام الدولة الفلسطينية عاصمتها القدس في تعليقها على الاتفاق الاماراتي، لنكتشف بعدها انها عقدت العزم على توقيع اتفاق سلام مماثل، والأكثر إهانة ان جميع الشعب البحريني سمع بموقف حكومته الخياني من واشنطن وتل ابيب، وعلى لسان ترامب وليس من حكام بلاده.
 تخطئ الاسرة الحاكمة في البحرين، وكل الاسر الحاكمة الأخرى في الخليج اذا اعتقدت انها ستكون اكثر امنا بعد توقيع هذا الاتفاق، بل ما يمكن ان يحدث هو العكس تماما، لان إسرائيل لن تستطيع حماية نفسها حتى توفر لهم الحماية، ولا بد من التذكير انها، أي إسرائيل، خرجت مهزومة من جنوب لبنان، ومن قطاع غزة، وتخلت عن جميع عملائها الذين تعاونوا معها، وسعيد الحظ منهم من فتح مطعما للفول والفلافل في ازقة تل ابيب.
فاذا كانت هذه الاسرة تخشى من ايران، بسبب سقوطها في مصيدة الشيطنة الإسرائيلية والأمريكية، فإن الخطر الإيراني اذا كان موجودا، سيزداد لانها قدمت الذخيرة التي لم تحلم بها طهران بعد اقدامها على هذه الخطوة، بالإضافة الى إضفاء مصداقية اكثر على مطالب المعارضة البحرينية العادلة بالديمقراطية والعدالة، والشراكة في الحكم.
لا نفهم كيف تُقدم حكومات خليجية على هذه الاتفاقات الخطيرة، وتتحول الى أدوات في خدمة مخططات الهيمنة الامريكية والإسرائيلية، وتجعل من أراضيها ميدانا لحروب مستقبلية، ضد ايران وغيرها دون ان يكون لها فيها ناقة او جمل.
دخول هذه الحكومات في التحالف الجديد سيجعلها وكل بناها التحتية هدفا لقصف إيراني في أي حرب قادمة، خاصة ان دولة مثل البحرين لا تبعد الا بضعة كيلومترات من اليابسة الإيرانية على الشاطئ الآخر من الخليج.

***

انها مقامرة خطرة، تقّدم كل هذه الهدايا التطبيعية لرئيس امريكي نجاحه غير مضمون في الانتخابات الرئاسية بعد اقل من شهرين من الآن، ويتقدم عليه خصمه بأكثر من عشر نقاط.
والاهم من كل ذلك ان الشعب البحريني، بكل مذاهبه توحد في معظمه رفضا لهذا التطبيع، واكد وقوفه في خندق اشقائه الفلسطينيين ونضالهم العادل من اجل استعادة أراضيهم المحتلة.
السلطات البحرينية ربما تكسب ترامب وصهره كوشنر وكبيرهم الذي علمهم السحر نتنياهو، ولكنها ستخسر الغالبية من شعبها العربي الأصيل الذي لا يمكن ان يخرج من جلده، وكذلك ستخسر احترام معظم الشعوب العربية والإسلامية.. والأيام بيننا.

صحيفة رأي اليوم

أضيف بتاريخ :2020/09/12

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد